(شيخ الأمين) وغباء الجيش الكرتي !
علي أحمد
للقدر سُخرياته من أوجه عديدة كما تعلمون، لكن سخريته فيما يتعلق بمقطع الفيديو الذي بُث في الصفحة الرسمية للجيش على فيسبوك فاقت نظيراتها، لقد كان مقطعاً لحفلة تتسع لغباء العالم كله.
أحدثكم هنا أيها السادة عن فيديو (شيخ الأمين)، الذي اعترف خلاله إنه كان يؤدي عمله الإنساني الخيري الطوعي بمعرفة الجيش وقادته واستخباراته، فليس هناك أغبي من ذلك. وقد ذكرني مقطع الفيديو بالمثل القائل “جا يكحلها عماها”، وليس ثمة مؤسسة في هذا البلد أعمت أبصارنا وبصائرنا كهذا الجيش – للأسف.
لا أذيعكم سِرّاً إن قلت لكم، أنني لست ممن يعجبهم شخصاً مثل الأمين، ولم أكن في الواقع أرى فيه سمة أو علامة تجعله مميزاً ولافتاً، لكن مع الحرب ووقفته الإنسانية النبيلة وصموده القوي وشجاعته النادرة فإنّه وجب علىّ ليس احترامه فحسب بل تبجيله كذلك، لقد كان الرجل (وكالة) إنسانية كبيرة نذرت نفسها لعمل الخير ومساعدة المتضررين من الحرب والعيش في وسطهم بين النيران والقصف والموت والأشلاء والتخوين والترصد.
ووجدت فيه حكمة ورجاحة عقل، جعلته ينأى بنفسه عن الإنتماء لهذا الفصيل أو ذاك، لكن الأقدار وضعته في منطقة تسيطر عليها قوات الدعم السريع، فماذا هو فاعل في هذا الحالة؟ وكيف يريده الكيزان – عليهم اللعنة – أن يجابه مسلحين بيدٍ عارية، لكن هذا ديدن جيش علي كرتي أيضاً، ألم يهرب قادته من مناطق العمليات وميادين القتال وهم يصرخون: تعالوا يامواطنين دافعوا عنا وعن أنفسكم، استنفروا، احملوا السلاح ياخونة يا عملاء!
نعود إلى الفيديو، كان واضحاً إنه (مفبرك)، وأن الرجل (شيخ الأمين) أُجبِر على الاعتراف بما لم يقم به وما لم يفعله، فقد ظهر مرتبكاً وكأن أحدهم أمامه (خلف الكاميرا) يحمل في وجهه بندقية، حتى أنه لم يتمكن من تحديد الجهة التي اعتقلته، أو قامت بـ(إجلاءه) كما قال، فمرة ذكر أنها من (الجيش) ثم أردف، أو (قوات خاصة)، وهنا يعني مليشيا الكيزان التي يطلقون عليها (قوات العمل الخاص) وهي مزيج من مليشيات الكيزان مثل (البراء) وغيرها مع المليشيا التي كانت تُسمى بـ(هيئة العمليات) إبان حُكم المخلوع البشير.
لا شك، إن إملاء محتوى مقطع الفيديو على الشيخ الأمين كان واضحاً، وكان غبياً كذلك؛ كما أسلفت، فما من شخص لديه (حبة ذكاء وشوية خيال) يمكنه أن يقع في خطأ فادح مثل، أن يجعل الأمين يعترف بأنه كان يعمل بالتنسيق مع الاستخبارات وقيادة الجيش وبمباركتهم في وقت كانت الدعم السريع مسيطرة على حي (بيت المال) وأمدرمان القديمة برمتها، وعندما فقدت السيطرة عن المنطقة وحلت مكانها الجهة التي كان يعمل معها (الشيخ) تقوم هذه الجهة (الجيش) بإجلاءه وقتل مريده، حسام حسن، وتطلق النار على المسيد وترعب الجميع ثم تغلقه تمامًا !
أما كان الأحرى أن تُبقي عليه في مسيدة ليقدم خدماته (بمعرفتها) إلى المواطنين، ولو أن قوات الدعم السريع إلتفّت على الوضع مرة أخرى وعادت إلى بيت المال، ولا أظنها بعيدة عنها، والحرب كر وفر، كما تعلمون، فإنها – أي الاستخبارات – كانت ستحافظ على عمل كادرها المتقدم في الحي الأمدرماني العريق؛ كما حاول أن يوحي أغبي مقطع فيديو صادر عن أغبى جهة استخبارية في العالم كله.
الآن، لماذا لا تطلق الاستخبارات (استخبارات العمل الخاص)، سراح الرجل الذي تعاون معها وظل يقوم بكل ما قام به بمباركتها، أين هو الآن؟، وهل سيستمر اعتقاله طويلاً كأنه عدو أم سيتم تكريمه (لحُسن تعاونه) معهم، كما كرموا بعض النكرات الذين لا يعرف الشعب السوداني عنهم سوى أنهم محض أصوات إسفيرية عاهرة.
اللهم أرحم شعبنا وأخلف عليه إذا كان هذا جيشه وتلك استخباراته.