لقد أدى الصراع الدائر في السودان إلى التعجيل بحدوث أزمة إنسانية ذات أبعاد مذهلة وخطيرة، الأمر الذي ألقى بظلال طويلة على السودان وخاصة إقليمي كردفان ودارفور. إن هذه الأزمة، التي اتسمت بانتشار الجوع على نطاق واسع وانهيار الأعراف المجتمعية، ليست مجرد قضية محلية، ولكنها تذكير قوي بمسؤوليات المجتمع الدولي والمحلي. وفي ظل هذا الوضع المذري والمؤسف والمتفاقم يوما بعد يوم، اتخذت وزارة الخارجية السودانية المختطفة قراراً غير مسؤول بتقييد ومنع دخول المساعدات الإنسانية من تشاد الى غرب السودان، وهي خطوة تهدد بإضافة طبقة أخرى إلى حصيلة الوفيات المدمرة التي طالت الاسرة المطحونة بسبب الحرب بالفعل في البلاد. وبينما تتردد أصداء تحذيرات برنامج الأغذية العالمي في جميع أنحاء العالم، فإن الوضع في السودان يتطلب اهتماما عاجلا، ليس فقط للتخفيف الفوري من المعاناة الإنسانية، ولكن أيضا كاختبار لالتزاماتنا الأخلاقية والقانونية الجماعية. يتعمق هذا المقال في أعماق الأزمة، ويدرس التحديات المتعددة الأوجه التي تواجه تقديم المساعدات الإنسانية وسط العوائق السياسية والعواقب الوخيمة للتقاعس عن العمل. ومن خلال تحليل شامل، فإنه يؤكد على ضرورة الاستجابة العالمية المنسقة، والمساءلة القانونية، وإعطاء الأولوية للكرامة الإنسانية على جداول الأعمال السياسية. ومن خلال نسج خيوط الصراع والجوع والقانون الدولي والقرارات غير المسؤولة لوزارة الخارجية السودانية، فإننا نهدف إلى تسليط الضوء على محنة السودان والسودانيين الذي ابتلاهم الله بقوم ليست فيهم لا ذرة رجولة ولا حبة رحمة مع لك نستشرف والطريق إلى الأمام للتخفيف من هذه المأساة الإنسانية العميقة مهما كانت الصعاب والتحديات.
إن الجوع الذي بات يسكن مخيمات النازحين والبطون الخاوية فيها، والمتشبعة بالمواجع والخوف في السودان، وخاصة المناطق الغارقة في براثن صراع لا هوادة فيه لم يمزق نسيج المجتمع فحسب، بل أدى أيضاً إلى حدوث أزمة إنسانية وخيمة ذات أبعاد تتجاوز التصورات، في ظل صمت رهيب من أدعياء الوطنية والإنسانية في السودان، بل يحرضون على قتل الحواضن الاجتماعية للدعم السريع في تناقض رهيب أمام الموقف الأخلاقي لرفض الظلم. وفي قلب هذه الأزمة يكمن وباء الجوع الذي يهدد باجتياح البلاد، حيث دق مدير برنامج الأغذية العالمي في السودان، إيد رو، ناقوس الخطر بشأن الوضع المحفوف بالمخاطر الذي يواجه السكان السودانيين. حيث أكد ايد رو للصحفيين في بروكسل أن أقل من 5 بالمئة فقط من السودانيين يستطيعون تأمين وجبة كاملة في اليوم% 95 يهددهم شبح الجوع والفقر ومن بين هؤلاء “قرابة 5 ملايين على شفا الكارثة”، وهو ثاني أسوأ تصنيف يعتمده برنامج الأغذية العالمي لحالات الطوارئ بعد تصنيف المجاعة. وهو الوضع الذي صنفه على أنه خطوة واحدة تفصلنا عن المجاعة. والسودان صاحب أوسع الأراضي الخصبة في المنطقة، التي كانت قادرة في السابق على درء المجاعة، أصبحت الآن مهجورة أو متورطة هي الاخرى في الصراع، مما يؤدي إلى تفاقم أزمة الجوع. في ظل تحديات عدم الأمن والسلامة.
وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن أكثر من نصف سكان السودان، البالغ عددهم أكثر من 48 مليون نسمة، يحتاجون الآن إلى مساعدات إنسانية عاجلة، حيث يواجه 18 مليوناً انعدام الأمن الغذائي الحاد. وأسفرت الحرب المستمرة، التي اندلعت في 15 أبريل/نيسان بين الجيش وقوات الدعم السريع، عن مقتل آلاف المدنيين وأجبرت نحو 8 ملايين شخص، نصفهم من الأطفال، على الفرار من منازلهم. وقال المدير الإقليمي لبرنامج الأغذية العالمي في شرق إفريقيا مايكل دانفورد، إن هناك مشكلة كبيرة في “توافر البيانات لتأكيد بطريقة أو بأخرى ما إذا كان قد تم بلوغ الحدود المطلوبة لإعلان المجاعة”. وهذا التصريح الصادم كفيل بتصوير الحالة الإنسانية الخطيرة التي وصلت إليها البلاد، ومعاناة المواطنين خاصة النازحين. وقد اعلنت منظمة اطباء بلا حدود “ان في كل ساعتين يموت طفل في معسكر زمزم للنازحين في شمال دارفور”. وقال المتحدث باسم المنسقية العامة لمخيمات النازحين واللاجئين في إقليم دارفور السوداني آدم رجال – في تصريح للجزيرة – “إن النازحين في مخيم “كلما” مهددون بالموت جوعا، بسبب نقص الغذاء”. ونقلت دبنقا عن رئيسة رابطة المرأة النازحة بجنوب دارفور، عواطف عبد الرحمن يوسف، التي كشفت عن 32 حالة وفاة بين سكان معسكر بليل للاجئين الجنوبيين بسبب الجوع وسوء التغذية لدى الأطفال”. وقالت عواطف لراديو دبنقا “انهم زاروا معسكر اللاجئين في الأيام الماضية فرأوا فيه مأساة كبيرة بسبب انعدام الغذاء لدى اللاجئين، وأضافت أبلغنا اللاجئين بأن لديهم 13 طفلاً توفوا بسبب سوء التغذية اضافة الى 19 آخرين من الرجال والنساء”.
وكما سلط مايكل دانفورد، المدير الإقليمي لبرنامج الأغذية العالمي لشرق أفريقيا، الضوء على التأثير الإقليمي للصراع، مشيراً إلى “أنه تسبب في أكبر أزمة نزوح في العالم”، مع عدم وجود أي علامات على تراجع حدتها. مع عدم وجود أي بارقة أمل نحو سلام قريب تظل الافئدة تتطلع الى جدة بعد فشل المنامة التي كانت قاب قوسين او ادني من إحداث اختراق كبير، لولا تدخل الإخوان المسلمين ووقف أي تطور لصالح مسيرة السلام ووقف الحرب. حيث لا تزال تصل الأسر الهاربة إلى جنوب السودان أو تشاد جائعة ومحدودة الموارد، لتنضم إلى أولئك الذين يعانون بالفعل من الجوع الشديد وحصص الإعاشة المنخفضة. إن معدلات سوء التغذية بين الأطفال، وخاصة أولئك الذين يعيشون في مخيمات العبور المؤقتة، مثيرة للقلق، مما يؤكد الحاجة الملحة إلى الحل، ووصول المساعدات الإنسانية دون قيود، والتمويل بأسرع ما يكون.
وقد امتدت الأزمة إلى تشاد، حيث لجأ ما يزيد على 553.000 سوداني، معظمهم من دارفور. إن معدلات سوء التغذية في مخيمات اللاجئين في تشاد مرتفعة إلى حد مثير للقلق، وهي أعلى كثيراً من عتبة الطوارئ التي حددتها منظمة الصحة العالمية. ويتفاقم الوضع أكثر بسبب فجوة التمويل التي يواجهها برنامج الأغذية العالمي والتي تبلغ حوالي 300 مليون دولار أمريكي للأشهر الستة المقبلة، مما يهدد بتحويل أزمة النزوح إلى كارثة جوع كاملة مع اقتراب موسم العجاف.
وفي الوقت الذي يواجه فيه النازحين خطر الموت بالجوع بجانب توقف الخدمات الأساسية من مياه وصحة منذ اندلاع الحرب في 15 أبريل الماضي، مما ينبئ بكارثة انسانية باتت تتكشف رويدا رويدا قد تقع في المعسكرات في غضون الأسبوعين القادمين في حال لم تصل المساعدات الغذائية والأدوية لإنقاذ النازحين والمجتمعات المستضيفة.
وبينما كانت تحذر المنظمات الانسانية والحقوقية منذ أشهر من أن شبح المجاعة أصبح أمرا شبه واقع فقط ينتظر الاعلان، نتيجة الحرب وعرقلة وصول المساعدات الإنسانية والنقص الحاد في التمويل، وزارة خارجية بورتسودان تفاجئ المجتمع الدولي والإنساني والمواطن المطحون بقرار وقف دخول المساعدات الإنسانية عبر تشاد، وعدم اكتراث بمعاناة المواطن الذي يلهث من أجل الحصول المساعدات، وتعمل المنظمات على تقليل المخاطر، تصدر قرار توقف فيه دخول المساعدات الإنسانية مما يزيد الطين بلة. لا تابه للحالة المزرية لملايين السودانيين، الذين تقطعت بهم السبل ما بين معسكرات النزوح وفي تجمعات المجتمعات المضيفة الذين أصبحوا عرضة للموت بسبب الجوع، والمرض. وهي التي ظلت على الدوام تعترض توصيل المساعدات وتعيق القدرة على تحديد حجم الكارثة.
وبسبب شكوك واهية وعجز الجيش في القيام بواجباته، بعد مضي أكثر من 300 يوم من بداية الحرب التي وعد بأنه سيحسمها في ظل اسبوعين كما قال الفريق ياسر العطا. ظلت وزارة الخارجية تستخدم الشكوك والمخاوف الأمنية المزعومة وأسباب أخرى واهية كذريعة لتقييد ومنع وصول المساعدات الإنسانية، وتعرقل الجهود المبذولة من المنظمات الإنسانية لإنقاذ المتضررين في كل المناطق التي تقع تحت سيطرة قوات الدعم السريع، مما يعتبر هذا القرار أمراً خطيراً. وستؤدي مثل هذه الإجراءات غير المسؤولة إلى إلحاق ضرر كبير بالفئات السكانية الضعيفة وقد شكل انتهاكًا للقانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان.
المستشار إسماعيل هجانة