لا تحتاج لتدقيق أو إدامة نظر أو سبر أغوار حتى تكتشف مدى الارتباك الذي تعيشه حكومة الأمر الواقع وتخبطها، فهي تارة مع الحل العسكري وحسم التمرد، وتارة أخرى ترسل وفداً برئاسة النائب العام للجيش الفريق شمس الدين كباشي إلى المنامة، وفي ذات الوقت تنقض غزلها وتسرب الخبر ويتحول الكباشي من رجل للسلام إلى قائد للتعبئة يتوعد بعدم عودة الاتفاق الاطاري ويفصح عن علاقة الإسلاميين بالجيش.
في المقابل تجد نائب رئيس المجلس السيادي مالك عقار يتحدث عن المقاومة الشعبية وعن اعطاء والي الجزيرة 4 ألاف بندقية سلاح، ويهاجم القوى المدنية الموالية للجيش ويتهمها بعدم التوحد والنفاق والتشرذم، وهو نفسه في وقت سابق أشار إلى أن الحركة الإسلامية فاقدة للصلاحية.
واليوم يعلن مالك عقار عن خطة جديدة لإنهاء حرب السودان التي تتزايد مخاوف خروجها عن السيطرة بتطاول أمدها وتعدد أطرافها وتأتي تصريحات عقار بعد ساعات من تأكيدات من رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان، باستمرار المعارك ضد قوات الدعم السريع ومن يعاونها، بل وقوله بأنه ليس هناك أي عملية سياسية قبل نهاية الحرب.
والخارجية السودانية تصدر بياناتها تباعاً مؤكدة رفضها للحلول الأفريقية والحكومة تشدد على أنها لن تتفاوض في أي منبر خارجي، وتجمد عضويتها في الإيغاد وبالأمس استقبل الرئيس الاوغندي يوري موسفيني، مالك عقار الذي وصل العاصمة كمبالا صباح الأربعاء في زيارة رافقه فيها وكيل وزارة الخارجية حسين عوض علي وقادة عسكريون. وقال عقار في تصريح صحفي، إنه اتفق مع الرئيس الأوغندي على خطة جديدة لإنهاء الحرب في السودان، سيتم الإعلان عنها خلال الأيام المقبلة، وأشار إلى أن حكومة السودان راغبة في إنهاء الحرب وتسعى إلى تحقيق هذا الهدف.
وقال مالك عقار إنه أبلغ الرئيس الأوغندي بأن الحرب الحالية تُعتبر حرب استعمارية استهدفت المواطنين السودانيين، مبدياً امتعاضه مما وصفه بحملة تسويق انتهاكات الدعم السريع من قبل قادتها وحلفاءها أمام دول الجوار وأوروبا على أنها حرب لتحقيق الديمقراطية.
عقار يمتعض أمام موسفيني محتجاً على مبررات الدعم السريع لخوض الحرب وهو نفسه بعد مسيرة نضال طويلة سقط وارتمى في أحضان الانقلابيين اللذين وأدوا الديمقراطية والحكم المدني وقتلوا حلم الثوار ودمروا البلاد وعزلوها، وبدلاً من أن يناهضهم عقار يعمل معهم لتسويق ذات المشروع الذي ارتكز عليه كل نضاله وفكرة في مقاومة الظلم ومحاصرة الظالمين في المركز.. وهو واعي بذلك تماماً.. مثله مثل جبريل إبراهيم الذي رضى بأن يكون رديفاً يعمل تحت إمرة من كانوا وراء اغتيال شقيقه د. خليل ابراهيم وليتهم يشكرونه على ذلك ولعل أفضل تعبير يدلل على ذلك الذي قال فيه أحد الضباط واصفاً قوات العدل والمساواة التي التحقت بهم (العفن ديل جاين لشنو).. (وما شهدنا إلا بما علمنا).
أشرف عبد العزيز