(الطق النضيف).. بلوى تدعى “مبارك”
تنسب نفسها لفكرة المهدية (2- 4)
سمعت باسمك يا “مبارك” من أبي، الذي – بجانب سعايته للإبل والخيل – كان “خبيراً” في الدروب المؤدية لليبيا ومصر، ومهنة “الخبير” في بوادينا كانت في ذلك الوقت يمتهنها أربعة معروفين من القبائل البدوية العربية وبالتأكيد أهلنا من بوادي “الزغاوة” و”البديات” أيضاً لهم “خبراء”، لكني لا أعرف أسماءهم، والذين كانوا من أهلنا هم والدي الشيخ “إبراهيم عزت”، وعمنا “التوم الشايب”، وعمنا العمدة “محمد إزيرق”، والخبير “الزين” من أهلنا “الزيادية”، لهم الرحمة جميعاً.
كان هؤلاء هم من يوصلون قوافل الإبل “الدبابيق” – والناس أيضاً – إلى ليبيا ومصر عبر “العتامير” في الصحراء الكبرى، وبعدهم توارث أهلنا المهنة حتى اليوم. وحين قررتم منازلة ابن عمكم “نميري” الذي “قلع السلطة منكم حمرة عين”، جئتم إلينا نحن “الغبش” المغبرين برمال الصحراء، لحشد أهلنا ليقاتلوا معكم في “الجبهة الوطنية لاسترداد سلطتكم”، ورغم أن الديمقراطية هي من أتت بكم، إلا أنكم رفضتم حكماً قضائياً صادراً عن المحكمة الدستورية تواطئاً مع الإسلاميين، كما تفعل اليوم يا مبارك الفاضل جداً! كان أبي يا مبارك هو الخبير الذي يوصل لكم المقاتلين إلى ليبيا عبر الصحراء، وكان يتم تجميعهم في منطقة “السد” برأس وادي “غرير”، و”غرير” هي دامرتنا – أي عاصمتنا – ومركزنا، ونحاس نظارة قبائل “الرزيقات الشمالية” المتوارثة لخمسة قرون، وممنوحة من “سلطنة دارفور”، وهي سلطنة عاشت لسبعة قرون، سلطان يخلف سلطاناً من أسرة “الكيرا”، كان آخرهم “علي دينار”، الذي غادر أمدرمان مع أجدادنا بعد ان حُسمت المعركة في أمدرمان لصالح “كتشنر” ومن عاونه. فمن أنت يا “مبارك” لتكون لك قواعد بيننا؟.
نحن نعتز بتاريخ النوبيين في السودان منذ “كوش” وحتى اليوم، فإذا كان عمر السلطنات التي قامت في السودان مئات السنوات، فالحضارة النوبية هي أصل الحضارة البشرية، وبداية الإنسان في هذه الأرض، فهل تنتمي اليها؟ أم أن لك نسباً آخر، يعطيك القداسة اللازمة لاستغلانا؟ ودامرة “غرير” التي كانت موقعاً لتجميع مقاتلي “الجبهة الوطنية” – قبل تسفيرهم، ليكونوا وقودا لحربك التي تعيدكم للحكم – هي من ضمن الدّمر التي هدد “ياسر العطا” بضربها، وقد فعل. فقد ضربوا “الزرق” ثلاث مرات بالطائرات، وقتلوا الأطفال والنساء والرجال المسالمين، في إطار حملتكم أنت و”كيزانك” بضرب حواضن الدعم السريع، وتتغافلون عن حقيقة ليس للدعم السريع “حواضن” محددة، فحواضنه في كل السودان وقواه التي تحلم بوقف الحروب، وبناء الدولة السودانية الجديدة، ولن تنجر قيادة الدعم السريع ومقاتليه الاشاوس لمثل هذا الخطاب لأنكم يا “مبارك” بلا حواضن اجتماعية، فلا أنت مع “الدناقلة”، ولا معنا نحن الذين تدعي أن لك قواعد بيننا، أنت “منبت”، وأمدرمان في يد أهلها، ولست منهم.
هل تتذكر عمنا المرحوم “عبد السلام آدم” الذي كان يشتري الجمال لنقل جيوش “الجبهة الوطنية” التي تعبر الصحراء دون معرفة “نميري”؟ وهل حين صالحتم في العام “1977”، وأخذتم تعويضات على أملاككم المصادرة، دفعتم له تكاليف النقل والإعاشة؟ عبد السلام آدم يا “مبارك” رمز حزب الأمة بشمال دارفور، وأكبر تجار مدينة “كتم”، وهو من استضاف “الصادق الصديق” في بيته – شرق المدينة – عند زيارته لنا في إطار التعبئة لانتخابات العام “1986”، وكان ابنه “محمد عبد السلام”، مسؤولاً عن “مكتب مساعدات السودانيين” بالكفرة، ذلك الاسم الذي كان غطاءً لنشاط “الجبهة الوطنية” في ليبيا، وما زالت بطاقة عضوية والدي في ذلك المكتب موجودة حتى اليوم، ضمن مقتنياته وذكراه التي لا تعرفها أنت. ولا أعتقد ان لك أرشيف أو ذاكرة، سوى أرشيف العار وذاكرة الخيانة.
دخلت تلك القوات الخرطوم “ضحى”، بقيادة البطل “محمد نور سعد”، ومعه آباءنا وأعمامنا من الغرب، وانتصروا على “نميري”، لكن هزمهم “التآمر”، لأنكم استخدمتموهم للتهديد يا “مبارك”، والضغط لتحقيق “تحالف سلطوي” مع “جعفر نميري”، الذي قتل أمام الأنصار “الهادي”، وقصف “الجزيرة أبا” بالطائرات لقتل الأنصار، كما يفعل حليفك البرهان وعصابته اليوم لقتل أحفاد أحفادهم في “كرري” ذاتها، والغوغاء يهللون لمن يسمونها “الكابتن سارة” في صبيحة الخامس عشر من أبريل لتحويلنا إلى “شية وكباب”، ويحتفلون في صفحاتهم بقتل شباب عُزل – جاءوا من كل ولايات السودان ليسافروا للسعودية ضمن قوات التحالف – وهم نيام، وصائمين في معسكر “كرري”، وأنت تصفق معهم، و”تلعلع” في القنوات بالأكاذيب! المؤسف أنك تنتحل أسم “الثورة المهدية” يا “مبارك”، وتستخدمه كـ”علامة تجارية” في سوق الدجل، لمن يشتريك.
“نميري” الذي وصف آباءنا بالمرتزقة، لا يختلف عن “برهان”، الذي يردد ذات اللغة وأنت واقفاً معه، تنتظر فناءنا وتمزقنا ولا عجب، فمن قابل “نميري” بالأحضان في “بورتسودان” في العام “1977”، قبل أن تجف دماء محمد نور سعد ورفاقك لا يُنتظر منه غير موقفك هذا. لم تنتصر يا “مبارك” في معركة طوال تاريخك، سياسية كانت أو عسكرية، ولذلك لا تعرف قيمة أو طعم الانتصار للشعب والناس، كون انتصاراتك كانت مرتبطة بما تحصل عليه من فتات الديكتاتوريات العسكرية من سلطة، وتحولها لـ”بزنس”، وامثالك كُثُر من التجار في “ملجة السياسة السودانية”. ففي سبيل السُلطة، خرجت يا “مبارك” من “التجمع الوطني الديمقراطي” وكنت أمينه العام، وأخرجت “حزب الأمة” معك ليوقع “اتفاقية جيبوتي”، التي أحدثت ما أحدثت من تصدع في صفوف التجمع، وقادت لما قادت إليه، بما في ذلك يأس الدكتور “جون قرنق”، وذهابه لـ”مشاكوس”.
هذا أنت طوال مسيرتك، سياسي بلا مشروع، ولديك هدف واحد حافظت عليه وهو الوصول لكرسي الوزارة، حتى أعطاك “معتز موسى” في أواخر حقبة للبشير “وزارة الاستثمار”، لأن “الكيزان” يعرفون نوع السلطة التي تريد.
الحياة بلا قضية أو مبدأ لعنة، ولذلك لم تنتصر يا “مبارك” في كل تاريخك، في مقاومة أو ثورة، وحين رأيت خيمة لمبارك في “اعتصام الموز”، قلت لنفسي: (لا يمكن أن يكون أمثال “مبارك” خارج مكب النفايات هذا). وأحزنني منظرك وأنت تهبط مطار “بورتسودان”، حين أعلن حليفك “البرهان”، انه يسعى لتشكيل “حكومة تصريف أعمال”، فأي أعمال تريد تصريفها بعد أن تحولت الخرطوم لمدينة اشباح، ليس فيها “صفقات” أو “كومشينات”، بل جثث ودخان، ورصاص في كل الاتجاهات. تحتفي أنت بشارع في “أمدرمان”، تقول مليشيا “البرهان” أنها سيطرت عليه، بعد أن أخرجت من ثلاثة عشر ولاية، من جملة ثمانية عشر في السودان كله!
نواصل غداً،،