شؤون دولية
صهيل الخيل
التقارب بين البرهان وايران هل يشعل حرب اقليمية بالسودان ؟؟؟ .
د.عبدالمجيد عبدالرحمن ابوماجدة
“1”
منذ سنوات خلت وفي منتصف تسعينات القرن الماضي بدات العلاقات بين نظام الانقاذ آنذاك “بحركته الاسلامية” ونظام الملالي في ايران تزدهر وتنمو هذه العلاقات بصورة جيدة وفي شتى المجالات المختلفة .
خاصة في الجوانب الدينية والثقافية والعسكرية .
فبدات الحكومة الايرانية بفتح مراكز ثقافية وقنصليات وانتشر التحزب الشيعي في الخرطوم وبعض الولايات خاصة في بعض الاحياء الطرفية بالخرطوم وبعض الولايات التي ظهر فيها المذهب الشيعي الامر الذي رفضه اغلب السودانيين في ذلك الوقت ومعلوم ان اهل السودان يدينون بالمذهب المالكي .
لم يتوقف المد الشيعي الايراني في السودان بل زاد بصورة ملفته وكان ذلك عندما زار الرئيس الايراني الاسبق محمود احمد نجاد السودان وتم استقباله رسمياً وشعبياً في عهد الرئيس المخلوع عمر حسن احمد البشير في العام 2007م .
فمن ضمن الرؤساء الايرانيين الذين زاروا السودان فقد زارها الرئيس الايراني الاسبق هاشم رفسنجاني وزارها كذلك الرئيس الايراني الاصلاحي محمد خاتمي .
في ظل التطورات العسكرية والبحث عن الدعم العسكري واللوجستي فقد عقد رئيس مجلس السيادة السوداني وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان لقاءاً مفاجئاً مع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي على هامش القمة العربية الإسلامية التي استضافتها السعودية آنذاك وذلك بعد قطيعة استمرت عدة سنوات بين “الخرطوم وطهران” وقد صرح البرهان بقوله قال “إنه لم ير من إيران إلا الخير وأنه مستعد لاستئناف العلاقات معها”وكان الرئيس السوداني المعزول عمر البشير قد قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران في عام “2017م” على خلفية أزمة بين الرياض وطهران إثر اقتحام مقار دبلوماسية سعودية في الأراضي الإيرانية وجاء هذا القرار كبادرة تضامن مع السعودية رغم أن إيران كانت في تلك الفترة حليفاً “إستراتيجياً” للسودان خاصة في المجالات العسكرية .
وأقر الطرفان توسيع التعاون بينهما في مختلف المجالات التي من شأنها تحقيق مصالح البلدين وضمان أمن واستقرار المنطقة.
“2”
ففي عام 2014م تم إغلاق المراكز الثقافية الايرانية في السودان وبررت الخرطوم قرارها بتزايد نشاط هذه المراكز في نشر المذهب الشيعي في السودان بحيث يعتنق أغلب السودانيين المذهب السني بحسب تقرير سابق لوكالة فرانس برس.
وقطع السودان العلاقات الدبلوماسية مع إيران في يناير 2016 بعد اقتحام السفارة السعودية لدى طهران تضامناً مع الرياض ومع عودة العلاقات السعودية الايرانية للتطبيع تراجعت حدة المواقف السودانية تجاه طهران.
وخلال يوليو الفائت من العام الماضي أعلنت طهران والخرطوم أنهما تعتزمان استعادة العلاقات الدبلوماسية بينهما .
والتقى وزير الخارجية السوداني المكلف علي الصادق مع نظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان على هامش اجتماع حركة عدم الانحياز التي عقدت في “باكو” عاصمة أذربيجان بحيث بحثا سبل استئناف العلاقات الدبلوماسية “على الفور” بين إيران والسودان.
وارتبط السودان قبل قطع العلاقات بروابط ممتازة مع ايران خاصة في المجال العسكري وفي عام 2012 زار الرئيس المخلوع عمر البشير طهران بحيث وصف العلاقات بين البلدين “بالراسخة” كما أن السفن الايرانية كثيراً ما كانت ترسو في ميناء بورت سودان المطل على البحر الأحمر
“3”
انّ هناك تقارير تتحدث بأنّ إيران قامت بدور رئيسي في دعم قطاع إنتاج الأسلحة في السودان بحسب ما أصدره معهد دراسات الأسلحة الصغيرة في “سويسرا” خلال مايو من العام 2014م .
وبدأ التدقيق في علاقات إيران والسودان بعد اتهام الخرطوم إسرائيل بإرسال أربع طائرات غير قابلة للرصد بالرادار لضرب مجمع اليرموك للصناعات الدفاعية في اكتوبر 2012م بعدها جاءت سفينتان حربيتان ايراتيتان وقفتا في مياه البحر الاحمر قبالة السواحل السودان برهة وغادرت
وظلت الحكومة الإيرانية تزود الجيش السوداني بالسلاح خلال فترة حكم البشير وأنشأت عدداً من مصانع الأسلحة والذخائر في السودان وفي عام 2012 قصفت إسرائيل مصنع “اليرموك” في الخرطوم قائلة إنه يُستخدم لتصنيع أسلحة يتم تهريبها إلى الفصائل الفلسطينية المسلحة في قطاع غزة.
كما تتزايد المخاوف بين السودانيين من أن الحرب المستمرة في بلادهم منذ منتصف إبريل من العام الماضي لن تنتهي قريباً وقد تتحول إلى “صراع إقليمي ودولي” وذلك في ظل التدخلات الخارجية الإقليمية والدولية.
“4”
إنّ المعارك المشتعلة في السودان حتى الآن ادت إلى مقتل أكثر من “13” ألف شخص بحسب تقديرات الأمم المتحدة كما أجبرت أكثر من عشرة ملايين شخص على ترك مناطقهم سواء للإقامة في مناطق سودانية أخرى أو بالجوء إلى دول الجوار علاوة على ذلك ألحق القتال دماراً كبيراً وهائلاً بالبنية التحتية من جسور ومرافق كهرباء ومياه ومستشفيات ومصافي بترول ومستودعات وقود .
إنّ هذه الاتهامات الموجهة لإيران بالتدخل في الحرب السودانية ليست وليدة صدفة او الأولى من نوعها لدولة أخرى بمحاولة دعم أحد أطراف هذه الأزمة .
فقد اتهم البرهان وجنرالات الجيش السوداني رسمياً دولة الامارات العربية المتحدة بتزويد قوات الدعم السريع بالعتاد العسكري والأموال وفي جلسة لمجلس الامن عن السودان قال مندوب السودان في الأمم المتحدة الحارث إدريس أثناء جلسة خُصِصَت لمناقشة الأوضاع في السودان قال ” بانّ الامارات استخدمت مطار أم جرس التشادي لإدخال السلاح والعتاد العسكري إلى داخل الأراضي السودانية”.
إنّ من شأن مثل هذه التدخلات أن تفاقم الأوضاع وتؤدي إلى اندلاع “حرب إقليمية ودولية” في المنطقة في حال ظل القتال مستمراً في كل الجبهات بالسودان وهنالك تصعيد كبير من الطرفين في هذه الايام مع وصول أسلحة جديدة هذه الأسلحة لم تكن موجودة في بداية الحرب وهي تشير بشكل واضح إلى أن الأطراف الخارجية لا تزال تسعى لاستمرار القتال لأجندة خاصة بها وعندما تتقاطع هذه الاجندات والمصالح فإن الحرب ستتحول إلى حرب إقليمية ودولية شاملة .
ففي منتصف يناير الماضي شنت الولايات المتحدة وبريطانيا ودول أخرى هجمات مكثفة على مواقع عسكرية تابعة لحركة أنصار الله الحوثية داخل اليمن وذلك “لتهدئة التوترات واستعادة الاستقرار في البحر الأحمر كما أفاد بيان صادر من وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاغون”.
وجاءت هذه الهجمات بعد شن الحركة الحوثية المدعومة من إيران هجمات عدة على سفن كانت تمر في البحر الأحمر بدعوى أنها مرتبطة بإسرائيل وذلك في سياق ما يعتبره الحوثيون دعماً للفلسطينيين على وقع الحرب الدائرة حاليا في قطاع غزة بين حركة حماس وإسرائيل .
“5”
إنّ هذه التطورات جعلت منطقة البحر الأحمر مسرحاً لسلسلة من التجاذبات والتصريحات العالمية ما قد يلقي بظلاله على السودان الذي يطل على هذا الممر الملاحي المهم بساحل يفوق طوله “1370” ميلا بحريا والذي يسمى :
“بقلب العالم” في الجغرافيا السياسية مما يجعله أحد أطول السواحل البحرية في العالم ومن اهمها من الناحية الإستراتيجية والامن المائي للتجارة العالمية .
بالإضافة إلى ذلك يوجد عدداً معتبراً من الموانئ السودانية المهمة التي تطل على البحر الأحمر من بينها بورتسودان الميناء الرئيسي في السودان بجانب ميناء سواكن وبشائر
إنّ الولايات المتحدة وحلفائها لن ينتظروا طويلاً لهذا التحالف الجديد بين “بورتسودان وطهران” وذلك في ظل المعطيات الحالية في منطقة البحر الأحمر .
أنّ الأمريكيين يعلمون جيداً أن إيران هي من تقوم بتوظيف جماعة الحوثي وحزب الله وحماس.لإدارة مصالحها في المنطقة وخاصة في ساحل البحر الاحمر من باب المندب الي حدود سوريا والعراق ولبنان .
وفي هذا الاتجاه يمكن ان تقوم واشنطن بالضغط على حكومة البرهان والتي تتخذ من مدينة بورتسودان الساحلية علي البحر الأحمر مقراً لها حتى لا تستفيد من علاقتها مع ايران .
إنّ حكومة البرهان قد عينت الصندوق الامني للحركة الاسلامية والمؤتمر الوطني دكتور قطبي المهدي سفيراً لها في طهران .
هذا التعين يؤكد تماماً بانّ هذه الحرب قد اشعلها قيادة النظام البائد اما شرفاء القوات المسلحة فكانوا مغيبون تماما .
“6”
كما أفاد مسؤولون غربيون بأنّ إيران “زودت الجيش السوداني بطائرات مقاتلة من دون طيار مسيرات” بحسب ما نقلت وكالة “بلومبرغ” . وأكدت الوكالة إنّ أقماراً اصطناعية التقطت صوراً لطائرة من نوع “مهاجر6” الإيرانية الشهر الماضي في قاعدة خاضعة لسيطرة الجيش شمالي الخرطوم “وادي سيدنا”
إنّ الحرب اندلعت بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع ويقودها محمد حمدان دقلو “حميدتي” في أبريل من العام الماضي2023م وبات كل طرف يسيطر بالقوة على بعض الولايات في أنحاء متفرقة.غير أن الشهور الأخيرة شهدت تفوقاً ملحوظاً لـقوات الدعم السريع على حساب الجيش الذي فقد العديد من معاقله خصوصاً في إقليم دارفور غرب السودان وكردفان الكبرى وولاية الجزيرة وسط السودان وعاصمة البلاد الخرطوم بمدنها الثلاثة ” الخرطوم وبحري وامدرمان”
كما يحاصر الدعم السريع اليوم اكثر من خمسة ولايات من جملة ثمانية ولايات لم يتم السيطرة الكاملة عليها .
كما يرى المراقبيين بانّ هذه الولايات المحاصرة يمكن ان تسقط في اي وقت .
هناك معلومات تقول أنّ الجيش السوداني تلقى شحنات من طائرة “مهاجر6” وهي مسيرة ذات محرك واحد تم تصنيعها في إيران وتحمل ذخائر موجهة بدقة.
وأكد محللون فحصوا صوراً للأقمار الاصطناعية وجود الطائرة من دون طيار في البلاد .
من جانبه فقد أكد ويم زويننبرغ رئيس “مشروع نزع السلاح” في “منظمة باكس”الهولندية أن من بين الأدلة التي تُثبت وجود
“مهاجر6” في السودان صور الأقمار الاصطناعية التي التقطت في 9 يناير الماضي 2024م للطائرة من دون طيار في قاعدة وادي سيدنا الجوية “الخاضعة لسيطرة الجيش” شمال العاصمة الخرطوم .
كما حدد زويننبرغ هوائياً لا سلكياً فوق مركز تحكم داخل شاحنة في مهبط الطائرات بقاعدة وادي سيدنا باعتباره دليلاً إضافياً على تشغيل الطائرة من دون طيار. ووفقاً لمسؤولين أميركيين فإن “مهاجر6” قادرة على شن هجمات “جو – أرض، والحرب الإلكترونية” والاستهداف في ساحة المعركة.
ويقدر محللون أن تسليح الجيش السوداني بالمسيرات الإيرانية “يعزز النفوذ العسكري لطهران في الشرق الأوسط” إذ تدعم مجموعات مسلحة في غزة وحزب الله اللبناني والحوثيين في اليمن فضلاً عن مجموعات في سوريا والعراق.
“7”
إنّ دولة السودان تمتلك إطلالة ساحلية استراتيجية على البحر الأحمر تقدر بنحو “800” كيلومتر وتعد موانئه ساحة تنافس دولي من قوى عدة أبرزها: “أميركا ، والصين ، وروسيا وكذلك تركيا” ومن خلال الدعم الايراني للجيش السوداني فيظهر جلياً تنامي النفوذ الإيراني في السودان وهذا الامر من شانه ان يثير قلقاً دولياً .
من جهته قال آلان بوسويل مدير مشروع القرن الأفريقي في “مجموعة الأزمات الدولية” إنّ استعادة حليف في السودان خاصة على طول البحر الأحمر سيكون بمثابة فوز كبير لإيران ولكنه سيثير قلق القوى الإقليمية والغربية الأخرى”
واتهمت الولايات المتحدة إيران بتزويد روسيا بطائرات من دون طيار من طراز “مهاجر6” في حربها ضد أوكرانيا ووسعت واشنطن العام الماضي عقوباتها المتعلقة بإيران مشيرة إلى أن “نشر طهران المستمر والمتعمد للطائرات من دون طيار يهدف لتمكين روسيا ووكلائها في الشرق الأوسط والجهات الفاعلة الأخرى المزعزعة للامن الاستقرار في منطقة الشرق الاوسط والقرن الافريقي .
كاتب وباحث سوداني