جمال الطاهر
أفاد تقرير نشرته وكالة (بلومبيرغ) أن إيران زودت الجيش السوداني بطائرات من دون طيار، وأنها بذلك تؤجج الصراع والحرب الأهلية في السودان، وبحسب (بلوميبرغ)، التقطت أقمار صناعية صوراً لطائرة من دون طيار من نوع “مهاجر 6” الإيرانية، في قاعدة وداي سيدنا الخاضعة لسيطرة الجيش بأمدرمان.
وقال ثلاثة مسؤولون غربيون، طلبوا عدم الإفصاح عن هوياتهم، إن السودان تلقى شحنات من طائرة “مهاجر 6″، وهي مسيرة ذات محرك واحد مصنّعة في إيران، وتحمل ذخائر موجهة.
وذكرت (بلومبيرغ) أن تدخل إيران في الصراع السوداني المستمر حدث منذ تسعة أشهر، وذلك إلى جانب الجيش الذي فقد مساحات واسعة من الأراضي لصالح “الدعم السريع”.
كما يسلط التدخل الإيراني الضوء على أهمية ساحل السودان على البحر الأحمر الذي يبلغ طوله 400 ميل، حيث تتنافس دول مثل الصين وروسيا وتركيا للوصول إليه.
وزار وفد من المسؤولين السودانيين الشهر الماضي، إيران في مهمة لشراء طائرات مسيرة إيرانية الصنع، وذلك بعد انتهاء حظر تجارة الأسلحة المفروض على طهران من الأمم المتحدة في أكتوبر الماضي.
وكانت وزارة الدفاع الأميركية رصدت طائرة مسيرة إيرانية تحلق فوق السودان، حيث تعد هذه الطائرة جزءاً من مبادرة أوسع للحرس الثوري الإيراني لبيع المسيرات إلى السودان، بهدف تعزيز نفوذه في المنطقة. ويستخدم الجيش السوداني سلسلة “مهاجر” من الطائرات المسيرة، بما في ذلك “مهاجر-2″، و”مهاجر-4″، و”مهاجر-6″، مما يدل على اهتمام الخرطوم بتطوير قدراتها في مجال المسيرات.
في كثير من اللقاءات يحرص القائد العام للجيش على أن قواته تعمل بمجهوداتها ولا أحد يقدم لها أي مساعدات ولكن صمت البرهان هذه المرة إزاء الهجمات المتتالية بشأن تعاون عسكري سوداني جعل المشككون متأكدون من أن إتهاماتهم حقيقية وسهلة الإثبات خاصة بعد الحديث الصريح لمساعد البرهان ياسر العطا بأن العلاقات الخارجية للدولة السودانية مبنية على المصالح سواء مع إيران أو غيرها هذا قبل أن يشيد ويثمن دور الإخوان المسلمين في المشاركة جنباً إلى جنب مع الجيش الذي يقاتل قوات الدعم السريع.
حكومة البرهان لجأت لإيران في اطار بحثها عن داعمين داخل وخارج البلاد، خاصة في ظل محدودية الجهات الخارجية التي قد يكون لديها رغبة في تقديم الدعم المباشر لأي من أطراف النزاع، وخاصة بعد خسرانها لكل دول المحيط الإقليمي والعربي وتجميد عضويتها في الإيغاد فضلاً عن تجميد الاتحاد الأفريقي لعضوية السودان منذ انقلاب 25 إكتوبر في العام 2021.
ومثلما ساهمت المتغيرات الإقليمية في خلق حالة من التوتر التي انتهت بالقطيعة بين السودان وإيران في العام 2016 عندما أعلن البشير انحيازه لتحالف عاصفة الحزم في اليمن وقلب ظهره لطهران ، ساهمت المتغيرات الإقليمية كذلك في استعادة العلاقات الثنائية بينهما في عام 2023، وذلك بعد أن ظن إخوان السودان أن التقارب السعودي الإيراني فتح مجال لم يكن قائماً لعودة العلاقات السودانية الإيرانية، دون أن يعني ذلك اتخاذ القيادة السودانية قراراً بتغيير نمط اصطفافها الإقليمي بما قد يحملها تكلفة سياسية واقتصادية مرتفعة ، ولكن في كل مرة لن تسلم الجرة فقد حدثت متغييرات في منطقة الشرق الأوسط لا تسمح بوجود إيران مجدداً في منطقة البحر الأحمر فذلك لا يزعج اسرائيل التي دخلت في معارك حامية الوطيس مع (حماس) وفي ذهنها أن أكبر عمليات مد لـ(حماس) بالسلاح تمت عن طريق (البحر الأحمر) عندما كانت العلاقات السودانية الإيرانية (سمناً على عسل) ، ولما كانت كل الدول الكبرى حريصة على أمن اسرائيل سارعت بضرب قواعد عسكرية للحوثيين باليمن حتى لا تستغل إيران (باب المندب) لتوسعة نفوذها في المنطقة وبالتالي لن تسمح لإيران بالتوغل في السودان وعودة (الفرطاقات) الإيرانية إلى ساحل البحر الأحمر.
إن تقارب الخرطوم مع طهران سيكون له تأثير على مواقف القوى الإقليمية والدولية حيال الحرب الدائرة حاليًا في الخرطوم بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع ، وإذا كان الجيش السوداني يريد إيصال رسائل إلى العديد من الدول في المحيط الإقليمي والدولي، يبرهن فيها أنه لديه بدائل في الأزمة الحالية يمكن أن يعدل بها إلى حد ما في عملياته العسكرية ضد قوات الدعم السريع، وأن يحقق فيها مكاسب على مستوى العمليات العسكرية التي تدور في كل من الخرطوم وبعض ولايات دارفور، وذلك بانفتاحه على حليف إقليمي قوي يتمتع بخبرة ممتدة في دعم حلفائه الإقليميين عسكرياً بالعتاد العسكري والخبرات التي يمكن أن تشكل عاملًا لتغيير توازن القوى القائم في ساحات القتال في الوقت الراهن ، وإذا كان مد ايران الجيش بعتاد عسكري مؤثر سيساعده في الصمود لفترة أطول في الحرب واستنزاف الخصم، فإن ذلك هو مكمن الخطر والعقبة الكؤود التي تقف في طريق الاستفادة من العلاقة خاصة بالنسبة للبرهان لأن معظم دول العالم لن تسمح لطهران إعادة تموضعها في منطقة شرق أفريقيا، التي تمتلك فيها حضوراً عسكرياً عبر الحوثيين في اليمن، فضلًا عن تاريخ قريب من العلاقات القوية مع عدد من دول المنطقة مثل إريتريا وكينيا وجزر القمر، وبعض الأطراف الفاعلة في الصومال، وبالتالي حتى لا يتحول السودان مركزاً للنشاط الإيراني في وسط القارة حتى غربها، وفي منطقة البحيرات وصولًا إلى جنوب القارة، لن تسمح الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وإسرائيل إعطاء طهران الفرصة لتنفس الصعداء والخروج من العزلة المفروضة عليها بايجاد موطئ قدم في قلب أفريقيا..والضغط المكثف من قبل الولايات المتحدة على رموز الإخوان وشركات الجيش يشير بوضوح أن المهاجر 6 لن تكون ذات فعالية في حسم المعركة لصالح الجيش أما توعدات تل أبيب بالهجوم على أهداف إيرانية في السودان ستكون موجعة ولن يتحملها إخوان السودان اللذين باتوا في أضعف حالاتهم.