(نيالا).. آخر القلاع الحصينة في قبضة (الدعم السريع)
علي أحمد
(نيالا) حاضرة ولاية جنوب دارفور، التي يحلو للسودانيين تدليلها بجملة طويلة “نيالا البحير، غرب الجبيل”، هي مدينة تستحق الدلال والاحتفاء فرط بهائها وجمالها. فيها دارت معارك شرسة ؛ بين الجيش والدعم السريع- منذ بداية الحرب، إلاّ أن الأيام الثلاثة الأخيرة التي سبقت إعلان الدعم السريع السيطرة على عاصمة ولاية جنوب دافور، وبالتالي الولاية كلها، يوم أمس الخميس 26 أكتوبر الجاري، شهدت معاركاً ضروس بين الجانبين، انتهت بسقوط الفرقة (16) التي تمثل قيادة المنطقة العسكرية الغربية، وتعد أكبر قيادة للجيش السوداني بعد القيادة العامة في الخرطوم، وتضم أكبر مركز للاستخبارات العسكرية – مركز الفتن الجهوية والقبلية – في البلاد.
ولمن لا يعلمون، فإن قيادة الفرقة (16) مشاة تضم العديد من الأسلحة المهمة والاستراتيجية كالمدفعية والمهندسين والمدرعات، وبسيطرة الدعم السريع عليها، نستطيع أن نقول أن كامل ولاية جنوب دارفور سقطت تماماً وأصبحت تحت قبضتها.
هذه الولاية (جنوب دارفور) ، بجانب أهميتها الاستراتيجية؛ حيث تُحادد وتجاور دولة جنوب السودان وجمهورية أفريقيا الوسطى وقريبة من الحدود التشادية، كما ان مطار عاصمتها نيالا الذي يعتبر أحد أكبر مطارات السودان، يعطي بعداً استراتيجياً مهماً واقتصادياً للمدينة التي تعتبر دُرة إقليم غرب السودان برمته.
سقوط نيالا، تحت قبضة الدعم السريع، الذي لا تحاول جماعات “البلابسة” انكاره وتضليل الرأي العام، أكدته جهات عديدة (محايدة)، على رأسها هيئة محامي دافور، وهي مجموعة محلية حقوقية ليست على وفاق مع قوات الدعم السريع، وقد أكدت وفق مصادرها وشهود عيان سقوط قيادة الفرقة (16) ووجود قائد ثاني الدعم السريع عبد الرحيم دقلو في المدينة على رأس العلميات العسكرية، قبل أن يظهر “عبد الرحيم” بنفسه متحدثًا ببيان للرأي العام من داخل الفرقة معلنًا سقوط آخر قلاع الجيش الحصينة.
في الحقيقة، ما كانت هذه السلسلة المتتالية من الهزائم الماحقة لتضرب على (رأس) الجيش لولا تعنت قيادته التي يسيطر (الكيزان) على قرارها السياسي والعسكري، والذين يريدون العودة إلى السلطة بأي ثمن، ويرون في استعادة (كرسيهم) المضرج بالدماء والمحفوف بالأشلاء والمغسول بحنوط الموت، أمراً وجودياً بالنسبة لهم. لقد اشعلوا الحرب – عليهم اللعنة.
اشعلوها، وليتهم اكتفوا بذلك، لكنهم ما يزالوا في غيهم سادرون، يمنعون قادة الجيش (المأسورين) لديهم من الذهاب إلى التفاوض، حتى لحقت بهم هزائم نكراء، فقالوا لهم، اذهبوا وماطلوا، حتى نعيد ترتيب صفوفنا من جديد ونعود إلى المعركة (الخاسرة).
لولا هذه العقليات الدوغمائية التي يتمتع بها الكيزان والعسكريين على حدٍ سواء، وهي عقليات رغبوية مريضة، بحسب علوم الإدراك وعلوم النفس، تتميز بنوع من الإنحيازات المعرفية التي تجعلها تنظر إلى ما تعتقدة بأنه الحقيقة المطلقة، حتى لو كان مخالفاً للواقع، وهذا ما يحدث الآن، فعندما تسقط نيالا أو المدرعات لا يكتفي الكيزان و(عيالهم) في السوشال ميديا بإنكار ذلك، بل يقلبون الحقيقة رأساً على عقب، بأن يحولوا الهزيمة إلى انتصار، إنهم منفصلون نفسياً عن الحقيقة.
هذا الانفصال النفسي عن الحقيقة، وعن الواقع، هو ما جعلهم يرفضون الجلوس إلى طاولة (جدة) للتفاوض، رغم خسائرهم الفادحة، وهو نفسه ما جعلهم يفسرون هروب قائد الجيش ونائبه ووزير الدفاع من القيادة العامة للجيش – ما يعني في كل العلوم العسكرية المتاحة – بأنه إقرار عملي بالهزيمة، على أنه انتصار للجيش على (عدوه) وفقاً لتعبيرهم.
أن يهرب قادة الجيش من ميدان القتال، فإن هذا انتصار على الدعم السريع الذي ما يزال يحاصر قيادتهم الفارغة إلاّ من بعض الضباط والجُند المساكين الفقراء المخدوعين المضللين والضالين كذلك.
بفضل هذه العقليات الدوغمائية، انتصر الدعم السريع في الواقع وكذلك في (الخيال)، وبفضل هذا الفصام النفسي جعل قادة الجيش ومن خلفهم الفلول هذه المؤسسة العسكرية العتيدة والعتيقة “اُضحوكة محلية ومهزلة عالمية”، إنها العقلية الإنكارية التي لا تزال تصور للناس أن الدعم السريع موجودة في منازل المواطنين فقط، وأن وجودها على ميدان القتال انتهى، فيما الواقع يقول إنها تسيطر على نحو 90 بالمائة من العاصمة ومعظم ولايات غرب السودان (دافور وكردفان) ولها وجود مقدر في النيل الأبيض والجزيرة وعلى مقربة من نهر النيل والشمالية!
وعوداً إلى البدء، فإن مرحلة ما سقوط بعد نيالا التي تكبد خلالها الجيش خسائر فادحة في الأرواح تجاوزت 2000 قتيلاُ، وتدمير مئات الآليات العسكرية، والاستيلاء على كل ما تبقى من عتاد عسكري، واسر مئات الجنود والضباط، وستشمل الإستيلاء على مدينة الفاشر التي تدور فيها معارك ضارية الآن، إذ يُرجح هروب كبار قادة الفرقة (16) إليها وعلى رأسهم اللواء حسين جودات، ولا اعتقد أنه بعد سقوط نيالا، سيستغرق سقوط الفاشر وقتاً طويلاً، فحاميتها لا تمثل 5% من الفرقة (16) التي تم طيّها بنجاح، وأغلق ملفها إلى الأبد، ولا بد من تفاوض في جده أو غيرها، طالت الحرب أم قصرت، وعلى (البلابسة) أن يصمتوا بعد هذه الهزائم المتلاحقة.
تعلمنا من هذه الحرب ان الإنكار يعني المزيد من الهزائم، واما الاعتراف والاقرار بالوقائع على الأرض فهو وحده ما يجنب البلاد الخسائر ويضع حدًا لإراقة الدم السوداني الواحد، الذي يهدره ويبيعه الفلول ومجموعتهم العسكرية كذبًا وبأثمان بخسة- قاتلهم الله .