إلى البني عامر والنوبة في حاضرة الشرق الوديعة
أناشد طرفي النزاع من – النوبة والبني عامر – بمدينة بورتسودان تلك المدينة الوديعة الهادئة بعدم الاستجابة لداعي الشيطان الذي ينفخ في نار الحرب ليقع القتال بينهم، فإن النفس المسلمة المعصومة محرمة، وقتل المسلم العمد وردت فيه العقوبة العظيمة وهي قوله تعالى: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) . وهذه خمس عقوبات وردت في هذه الآية الكريمة بسبب القتل العمد ..
فمن ذا الذي يجرؤ على استقبال وتحمّل وعيد عظيم كهذا؟! ولعظم دم المسلم ونفسه فإن النبي صلى الله عليه وسلم خطب في حجة الوداع بعرفة وكرّر ما قاله في يوم عرفة في يوم النحر وأيام التشريق وهو يخاطب أمته بقوله: (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا.. ألا هل بلغت اللهم فاشهد).
أناشدهم بالبعد عن إثارة القبلية والعنصرية فإن هذا من أكبر مخططات الأعداء لتفريق الشمل وإراقة الدماء وإزهاق الأرواح ولتفتيت هذه البلاد وإثارة الحروب والدمار فيها.
من يا ترى المستفيد من إثارة العنصريات والقبليات والقتال وتقطيع المجتمع المسلم بذلك؟!
للإجابة عن هذا السؤال يجب أن يدرك الجميع أن البيئة التي تنتشر فيها مثل هذه المصيبة وتغذى بداء العنصرية القبلية يكون الجميع فيها خاسراً !!
لا بد من بذل الأسباب لتفويت الفرصة على أعداء الأمن والأمان والاستقرار في بلادنا .. وحتى ننعم بحياة طيبة .. في ظل توجيهات هذا الدين العظيم .. الذي حسم هذه القضية وقطع نبتها الخبيث من أصوله واجتثها .. وحذر منها بل أكّد التحذير .. وشنّع بمن يقع فيها ووصفه بأوصاف ذميمة ..
وقد قطع الله تعالى دابر هذا البلاء الذي تقطع به الصلات وتمتلئ به القلوب بالشحناء والبغضاء .. ويزداد الغل بسببه إلى أن يبلغ القتل والدمار والخراب وهذا ما وقع للأسف الشديد ونخشى أن يزداد في الأيام المقبلة ..(إن أكرمكم عند الله أتقاكم) ، (لا يسخر قوم من قوم)، (ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب) (خلقكم من نفس واحدة)…
فهل سيستجيب زعماء وسلاطين وقادة القبيلتين؟! هل سيستجيبون لدعوة الشرع والحكمة والعقل .. فينبذون القبلية والعنصرية، ويعتصمون بالكتاب والسنة ويتآلفون فيما بينهم .. وينظرون للمصلحة العامة ويضعون القتال للقبيلة والعصبية في محلها الذي وضعه الإسلام (تحت الأقدام)؟!
لقد بين النبي عليه الصلاة والسلام أن إثارة القبلية والعصبية من أكبر مهددات المجتمع وفساد حياته الطيبة ومن ثَم سهولة نصرة أعدائه عليه .. فبلّغ في ذلك البلاغ المبين وأوضح الأمر وفصّل فيه بما لا يبقى به حجة لمن يقع في هذا (المستنقع) المظلم المدمّر.. وهذا (الدرك) الذي تضيع به حسنات صاحبه فيتضرر الأفراد.. ويسهل التفريق به بين الناس فيتضرر المجتمع..
فكيف إذاً وصل الحال لجمع الحشود للقتال وسفك الدماء ؟! لأجل ماذا ؟! وبسبب ماذا ؟! إنه لأجل حطام الدنيا الفاني، والذي يمكن أن يحل أمره ويحق فيه الحق بالطرق الصحيحة، والمحاكم والجهات القانونية والعدلية، وبوضع التسويات المرضية، ولن ينعدم حلٌ تحفظ به الدماء وتحقن، وينأى فيه عن ارتكاب جريمة القتل التي ورد في وعيدها الأمر الجلل العظيم وأشير هنا إلى بعض ما ورد عن نبي الهدى والرحمة عليه الصلاة والسلام في هذه القضية المهمة :
قال عليه الصلاة والسلام: (.. من قاتل تحت رايةٍ عُمِيّة يدعو إلى عصبيةٍ أو يغضب لعصبية، فقتل، فقتلته جاهلية) رواه النسائي وصححه الألباني، وفي لفظ: (.. ومن قتل تحت رايةٍ عُمِيّةٍ يغضب للعصبة ويقاتل للعصبة فليس من أمتي ) رواه مسلم.. والعصبة: بنو العم، والعصبية أخذت من العصبة.
وقال: (من قتل تحت راية عمية يدعو عصبية أو ينصر عصبية فقتلته جاهلية) رواه الطبراني وصححه الألباني .
وقال: (.. ومن دعا بدعوى الجاهلية فهو من جثاء جهنم) رواه الإمام أحمد في المسند. والدعوة للعصبية هي من الدعوات الجاهلية كما جاء في حديث (ما بال دعوى الجاهلية؟!) لما اختلف رجل من المهاجرين وآخر من الأنصار فقال المهاجري يا للمهاجرين وقال الأنصاري يا للأنصار ثم قال: ( دعوها فإنها منتنة) متفق عليه.
وقال عليه الصلاة والسلام: ( ليس منا من دعا إلى عصبيةٍ، وليس منا من قاتل على عصبية، وليس منا من مات على عصبيةٍ ) رواه أبو داود وله شاهد في صحيح مسلم. والأحاديث الواردة في هذه القضية كثيرة في (أعدادها)، وواضحة في (مدلولاتها ومعانيها)..
هذا هو التوجيه الرباني العظيم .. والمنهج النبوي الكريم .. في هذه القضية (الواضحة)، فنأمل وننتظر استجابة زعماء القبيلتين وقادتهم وجميع المشاركين لحكم الله تعالى وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم وفي ذلك الخير لهم ولأبنائهم ولمجتمعنا (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم).
والمؤمل في الجهات المختصة أن تقوم بواجبها في حفظ الأمن بحسم الأمور ووقف النزيف وإن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن الكريم.