العرب اللندنية: العقوبات الأميركية على “كرتي” تعزز ضلوع الإسلاميين في حرب السودان
الصيحة وكالات
– حاولت الحركة الإسلامية السودانية قلب الطاولة على قرار فرض عقوبات أميركية على أمينها العام ووزير الخارجية الأسبق علي كرتي، وتصويره على أنه انتصار لوطنيتها على الدولة التي توصف بـ”الشيطان الأكبر”، لكنها أوقعت نفسها في مطب سياسي، لأنها عززت التصاقها بخطاب كل المتطرفين في المنطقة الذين كانوا نعموا برخاء الولايات المتحدة في الخفاء ويلعنونها في العلن.
ولم يتوقف الكثير من المراقبين عند العقوبات الأميركية التي فرضت على شخصيات تنتمي إلى قوات الدعم السريع أو شركات قيل إنها تابعة لها، بقدر توقفهم عند إدراج علي كرتي على لائحة العقوبات، والتي تفوق أهميتها السياسية كل قيمة مادية، لأن واشنطن اعتادت فرض عقوبات على دول وكيانات مختلفة، في معظمها يتم التكيف معها والحد من مخاطرها، وكانت تأثيراتها المادية أقل من نتائجها المعنوية، فالنظام السوداني في عهد الرئيس السابق عمر البشير عاش في كنف العقوبات الأميركية فترة طويلة.
ويشير التوقيت الذي جرى فيه وضع علي كرتي على قائمة العقوبات إلى أن الولايات المتحدة تريد المزيد من الانخراط في الأزمة السودانية ولن تقف مكتوفة الأيدي وتتعامل مع الطرفين المتصارعين في السودان (قوات الجيش والدعم السريع) على قدم المساواة، حيث تفرض عقوبات عليهما وتتحاور معهما، وأن محاولات جر الولايات المتحدة إلى مساندة قائدة الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان باءت بالفشل.
كما تضفي مصداقية على خطاب قائد الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) الذي سارع بالربط بين ما يقوم به قائد الجيش والتوجهات التي يحملها قادة الحركة الإسلامية وحزب المؤتمر الوطني (المنحل)، وهو ما حذرت منه أيضا بعض القوى المدنية التي رأت أن التصاق البرهان بهما يحمل تهديدا لمستقبل البلاد. وقد رأى وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في بيان له، الخميس، أن الحركة الإسلامية “جماعة متطرفة تعارض بفاعلية الانتقال الديمقراطي في السودان”.
ويعد كلام بلينكن قولا فصلا لما راج حول الدور الذي يلعبه الإسلاميون منذ اندلاع الحرب منتصف أبريل الماضي، فكل الممارسات التي قامت بها كتائب الظل الإسلامية والميليشيات التي تمثل الجناح المسلح لحزب المؤتمر الوطني الحاكم سابقا لم تحظ بالتركيز الواجب من قبل قوى إقليمية ودولية، والتي اعتقدت أن تقديرات الدعم السريع وقوى مدنية عدة نوع من المكايدة السياسية للبرهان ورفاقه.
وبدأت الأمور تتكشف تدريجيا عقب فرار علي كرتي من سجن كوبر وخطابه التعبوي الشهير لدعم الجيش، وانتشار قيادات أخرى في مناطق مختلفة نجحت في الهروب أيضا من سجون ومستشفيات السودان، وجاءت النقلة الأهم مع المعلومات التي ذاعت بعد ذهاب قيادات في الحركة الإسلامية إلى الاستقرار في شرق السودان، والسعي للقيام بعمليات تعبئة وتجييش واستنفار لمواطنين للدفاع عن الجيش.
ومن هناك أخذت دوائر خارجية تلتفت إلى ما يجري في بورتسودان التي انتقل إليها البرهان وانتوى أن يتخذها مقرا للحكم وينطلق منها في جولات خارجية، على أنه يحمل ملامح مؤامرة، وبدأ يتشكل ما يشبه النواة لتجميع عناصر متطرفة ترتضي السيطرة على منطقة بورتسودان والتضحية بالخرطوم والسودان كله.
وجاء استهداف كرتي في سياقات كثيرة لها علاقة بحسابات الإدارة الأميركية وآليات التعامل مع الحرب في السودان والعودة إلى العملية السياسية وضمان التحول الديمقراطي، لكن الجزء المهم في الخطوة أنها ضربت جرس إنذار للقوى التي وثقت في البرهان ورأت أن علاقته بالحركة الإسلامية بها قدر كبير من الالتباس والمبالغة، أو أن قوات الدعم السريع تستهدفه لمرارات سياسية بين قائدها وقائد الجيش.
وخرجت المسألة من هذا النطاق الضيق، لأن تحديد الولايات المتحدة شخصية علي كرتي ينطوي على دلالة كبيرة، فالرجل رمز بارز ضمن رجالات الرئيس السابق عمر البشير، وأمين عام الحركة الإسلامية، وأهم اسم تردد في وسائل الإعلام في الآونة الأخيرة بما يشبه العقل المدبر لجميع مخططات فلول البشير.
ويبدو وضع اسمه على لائحة العقوبات يحمل الكثير من المعاني السياسية، فالهدف وضع حد للعبث الذي يقوم به الفلول الذي لم يواجه بصرامة كافية، وتركوا وقتا طويلا يديرون مفاصل الدولة من وراء الستار بعد الانقلاب في أكتوبر 2021، ما مكنهم من الوصول إلى نقطة التحريض على الحرب كمدخل ربما يعيدهم إلى السلطة، وقد ينهي القطيعة الشعبية والسياسية التي تولدت ضدهم بعد سقوط نظام البشير.
وعندما وضعت الإدارة الأميركية اسم كرتي على لائحة العقوبات أنهت ما شاع حول علاقتها الودية بالحركة الإسلامية في الخفاء، وحددت موقفها في الخانة السلبية من علاقة البرهان بها، وليس من المستبعد أن تقوم بخطوات أخرى لتقويض الحركة.
ومن الرسائل المهمة التي حوتها العقوبات أن التصاق البرهان بالحركة والفلول عموما مرفوض، وسوف يجر عليه متاعب متباينة، ووصلت الرسالة للدول التي رأت أن دعمه دعم للجيش الذي يرأسه، لأن الخطوة الأميركية حتما سوف تدفع إلى مراجعة هذه الرؤية قبل أن تجد مصر مثلا التي لها موقف رافض للحركة الإسلامية نفسها في خندق واحد معها تحت ذريعة مناصرة البرهان كرمز تتجمع حوله المؤسسة العسكرية النظامية ويقع على عاتقها حفظ أمن واستقرار البلاد.
ورمت الولايات المتحدة بحجر علي كرتي في هذا التوقيت وهي تعلم أن البرهان لا مفر أمامه سوى أن يستوعب مغزاه، وأن الدول التي تنحاز إليه أو تقف ضد الدعم السريع يمكن أن تدخل في ورطة إذا تمادت في تصرفاتها الداعمة للأول والرافضة لتصورات الثاني، ما يعني أن عقوبات كرتي تختلف عن كل العقوبات الأميركية التي فرضت على قيادات سودانية وسوف تظهر توابعها الأيام المقبلة.
ومن هذه التوابع، كمون قيادات الحركة الإسلامية حتى تمر عاصفة كرتي، أو خوض المعركة بصورة علنية والكشف عن الوجوه القبيحة لفلول البشير في التعاطي مع الحرب، فما جرى فضحه الفترة الماضية لن يحتاج إلى تسريبات تؤكده، لأن الفلول قد يقررون خوض المعركة بوجوههم الحقيقية ما يضع على البرهان عبء الانسجام معهم علنا أو الفرار منهم بحثا عن ملاذات بديلة، في مقدمتها القبول بوقف النار.
وكلما ضاقت الخيارات أمام الجنرال البرهان بات مضطرا إلى البحث عن وسائل لوقف الحرب ما جعله يوافق على العودة إلى المفاوضات عبر منبر جدة في السعودية قبل أن ينفرط عقد المؤسسة العسكرية بالصورة التي تدفعها إلى التضحية به، ما يشي بأن كرة علي كرتي يمكن أن تتدحرج وتجرف في طريقها الكثير من الأشخاص الذين أسهموا في تدمير مقدرات السودان.