إسماعيل عبدالله
لم يندم منظرو التيار المتطرف للنظام البائد في حياتهم، مثلما ندموا على هجومهم الغادر الذي شنّوه على قوات الدعم السريع، صبيحة ذلك اليوم المبارك من أيام رمضان، تلك الحرب التي حددوا مداها الزمني بست ساعات، فامتدت لستة أشهر، وما يزال الحبل على الجرار، كما يردد الدكتور فيصل القاسم صاحب برنامج الاتجاه المعاكس بقناة الجزيرة الإخبارية، الحرب التي تصورها الإرهابيون من فلول الإخوان المسلمين على أنها نزهة قصيرة، تعقبها تكبيرات وتهليلات جوفاء، يعلنون عبرها دحر (المتمردين)، قد أوردت بقايا كتائب ما تسمى زوراً بالحركة الإسلامية موارد الهلاك، على يد هذه القوات المتدربة تدريباً ممتازاً والخائضة لغمار الحروب المحلية والإقليمية، ونزعت القناع الساتر للوجه القبيح للدويلة العميقة الزارعة لبذور الفتنة والحرب بين الكيانات الاجتماعية، ومع بروز السلوك الانتقامي المستهدف للإنسان والحيوان والبنيان الذي هو في الأول والأخير ملك للشعب، رأينا كيف مارسوا هذا الانتقام بإشعال حرائق المتفجرات على أبراج العاصمة الرامزة لكبرى المؤسسات السيادية، فبعدما قهرتهم آلة الدعم السريع الجبّارة وتيقنوا أن لا محيص لهم عنها، وأن المواجهة مع الشباب الحاملين لأرواحهم على أكفهم غير متكافئة مع شبابهم الناعم والنائم على مفارش الحرير، والناهل من مباهج العيش الرغيد، هرعوا نحو تدمير بنيان المؤسسات المشيدة من دم المواطن وعرق جبينه وحر ماله.
لقد ضربت السودانيين حالات من الإحباط والاكتئاب الحاد، نتيجة لردود أفعال الفاعلين في الدولة من بقايا المنظومة الفاسدة البائدة، واحتار الناس في هؤلاء الذين قضوا السنين يطرحون أنفسهم كحماة للسيادة الوطنية، لم يصدم المواطنون مثل صدمتهم في (ولاة أمرهم)، الذين لا يتورعون في توجيه آلة الموت والدمار باتجاه صدور العجزة والمسنين، بدلاً عن توجيهها نحو الشباب الذين لا يطيش لهم سهم منطلق للنيل ممن سام الناس سوء العذاب، لن يفيق المصدومون من هول الفاجعة، إلّا بعد أن تستكمل القوات الداعمة للتحول الديمقراطي أهدافها المشروعة، والتي أولها إزالة الغمة عن صدور الكادحين، المستقبلين لحمم المقذوفات بصدورهم العارية إلّا من الإيمان بالله والوطن، حرب أبريل هذه قد أزاحت الستار عن الوجه الحقيقي للدويلة العميقة المسيطرة على رقاب الناس منذ فجر (الاستقلال)، فرهن الموارد الاقتصادية للمرابين القادمين عبر الحدود كان ديدن رجال حكومات هذه الدويلة الغارقة في الفساد، وتهريب السلع الاستراتيجية بمعاونة المخابرات الخاضعة لأوامر الجواسيس والعملاء لرفد اقتصاديات دول جارة، كان (واجباً وطنياً) يتشرف بالقيام به رموز الدويلة من العسكريين والأمنيين والمدنيين، فهكذا كانت تدار شئون البلاد في ظل حكم هؤلاء (العميقين)، وبالعمليات النوعية استطاعت قوات الدعم السريع اختراق الجدر وهتك الأستار الحاجبة لعورة الحكومات المتعاقبة الممثلة للدويلة العميقة.
أينما حل طائر شؤم الدويلة العميقة بأي جغرافيا من أرض الوطن حط الخراب والدمار، وشرق السودان يعتبر المثال الحي لاستحالة تخلي كلب الدويلة العميقة عن عادته في الجلوس مستنداً على ذيله، فبمجرد هروب رموز الفساد والإرهاب لعاصمة الشرق، بدأ مسلسل بذر بذور الشر بين المكونات الاجتماعية لذلك الإقليم المتمتع بالثراء الانساني والاقتصادي وبالتسامح، لقد رحلت الجوقة المتخصصة في امتصاص دماء الأبرياء والكادحين إلى بورتسودان، لتذيق إنسان هذه المدينة الساحلية الآسرة والجميلة السم الزعاف، فهذه الجوقة العميقة لا تحيا إلا بقتل مواطنيها وتدميرهم تدميراً قاسياً بلا رحمة، فكما مارست الانتقام على مواطني نيالا والخرطوم، وذلك بتوجيه فوهات المدافع من قيادات الفرق والحاميات العسكرية مباشرة لمساكن السكان، ها هي ذات الجماعة المنحرفة تدشن مشروع آخر لسفك دماء أبدان شعب آخر خلوق وتلقائي، لا يعرف سوى احتضان الغريب والقريب، فحرب المصير التي يخوضها أبطال قوات الدعم السريع فضحت سلوك كهنة الدويلة العميقة القاتلة لشعبها، وبصدور الأوامر المباشرة من قمة الجهازين العسكري والأمني، بتصويب المدفعية الأرضية والجوية نحو صدر الانسان وضرع الحيوان وأساس البنيان، بدأ ارتكاب الجرم الذي لن يغفره الشعب لهذه الجوقة المنحرفة، وبعد أن افتضح المسلك سيكون الطريق سالكاً لرصد وتوثيق هذه الانتهاكات والبت في مقاضاة مرتكبيها عاجلاً.
ismeel1@hotmail.com