تقرير: عبد الله عبد الرحيم
في الوقت الذي تجري فيه مبادرات من هنا وهناك لتقريب وجهات النظر بين الجبهة الثورية المكونة من الحركات المسلحة والحركة الشعبية شمال، خاصة المبادرة التي انطلقت من العاصمة جوبا، بعد أن تقدم بها سلفاكير ودعوته المشهودة لكل رؤساء الحركات المسلحة الذين وصلوا إلى جوبا ودخلوا في اجتماعات ثنائية بغرض التوصل لتفاهمات بحسب ما رشح عنها في الوساط الإعلامية بحر هذا الأسبوع، إلا أنه فيما يتعلق بالجبهة الثورية من أمر يتعلق بترتيبات إلحاقهم بالاتفاق الذي تم توقيعه مؤخراً، ويقضي بنقل الحكم ديمقراطياً يبدأ بالفترة الانتقالية التي تم تحديدها بثلاث سنوات، لا زال بعيداً عن الواقع على الأرض، لجهة أن خطوات كبيرة لا زالت تفصل بين تلك الاجتماعات وما يجب أن يتم.
بيد أن رئيس حركة تحرير السودان مني أركو مناوي، قد استبق الكل وأفصح عن عدم رضائهم عن نتائج الثورة التي أزالت حكم البشير، وقال قائد جيش تحرير السودان أمس الأول في فعالية لجيشه، إنّ ثورة ديسمبر تعرّضت لـ”قرصنة سِياسيّة”، ووصف الاتفاق بين قِوى الحُرية والتّغيير والمجلس العسكري بأنه بُني على مُحاصصة بالكامل لتقاسُم الحقائب الدستورية ووظائف الخدمة العامة بعيداً عن الشعب السوداني. حيث نظمت الحركة، عرضاً عسكرياً في منطقة وادي هور بشمال دارفور الجمعة، شمل استعراض آليات عسكرية ثقيلة بينها مُدرّعات وناقلات جند وأسلحة، ربما أراد أن ينفض عنها الغبار لاستقبال المرحلة القادمة التي أعلن قادة الثورية جميعاً بضرورة حسمها بكل الأشكال بعد أن رفضت قوى الحرية والتغيير طلباً لها وهو تخصيص أحد المقاعد في السيادي للجبهة الثورية، معتبرة ذلك بالمحاصصة.
ولكن مناوي وخلال خطابه بالأمس انتقد الاتفاق، وقال إنه محاصصة بالكامل، وإنّ الحرية لن تتحقّق إلا بمزيدٍ من الكفاح.
عدم الرضا
وبالخرطوم أعلن رئيس المؤتمر السوداني، وأحد أبرز القيادات بالحرية والتغيير عمر الدقير، في منتدى صحيفة “التيار” بأن ما تم في تكوين وتشكيل المجلس السيادي يعتبر محاصصة كاملة الدسم، مشيراً إلى أن الحرية والتغيير وخلال اجتماعات ومفاوضات أديس أبابا مع الجبهة الثورية رفضت هذا المبدأ وتبنّت موقفاً قوياً مع الثورية حينما رفضت مبدأ إدخال أحد عناصر الثورية في المجلس السيادي بحسب الطلب الذي تقدموا به في المفاوضات، وكان شرطاً لقبولهم بما تم الاتفاق عليه.
وقال الدقير إن ما تم في السيادي يعتبر محاصصة، وإنه لابد من فتح الاتفاق لإلحاق الثورية به. ويرى محللون أن حديث الدقير ينم عن الطريقة ربما غير المرضي عنها والتي اتبعت في تكوين السيادي، وأنها بهذا الشكل تكون قد فتحت الطريق لإلحاق الثورية التي اتخذت موقفاً قصياً حينما امتنعت عن الحضور للمشاركة في حفل التوقيع بالخرطوم.
سرقة الثورة
ويرى الأكاديمي والمحلل السياسي دكتور أبوبكر آدم لـ(الصيحة)، أن الحديث الذي أثاره مناوي عن سرقة الثورة وقرصنتها يفتح الباب واسعاً للتساؤل عن من سرق الثورة؟ هل من سرقها هم بعض قيادات الحرية والتغيير الذين عملوا على إبعاد الثورية عن المشهد السياسي القادم؟ أم إن المجلس العسكري هو من عمل على إبعاد الثورية وبالتالي يشترك الحرية والتغيير في عملية الإقصاء؟. وقال أبوبكر إن حديث مناوي جاء في وقت يستعد فيه السيادي لتشكيل الحكومة الانتقالية عقب أداء رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك القسم رئيساً لوزراء حكومة الفترة الانتقالية في وقت يعكف فيه الأخير على ترتيبات الاختيار التي تجرى بشأن اختيار الوزراء من قائمة الحرية والتغيير التي رُفعت له، وأفصح عنها في لقاءاته الإعلامية، وأكد حيالها حمدوك أنه سيتبع المنهجية في اختيار الكوادر الأكفاء الذين سيشغلون معه حكومة الفترة الانتقالية بمعايير قال إنه سيطبقها بحذافيرها حتى وإن رفضت بعض الجهات التي أتت به ويعني الحرية والتغيير. ويؤكد أبوبكر أن مناوي أعرب بحديثه ورسالته التي أرسلها عن ضرورة فتح الاتفاق الدستوري ليتحمل بقية الآراء التي لم يتسع أفق قيادات الحرية والتغيير إبان لقاءات أديس وإستصحابها لتضاف للاتفاق وإنهاء الأزمة في وقتها، وقال إنه أكبر خطأ وقعت فيه قيادات الحرية حينما أجمعوا على عدم استصحاب قيادات دارفور من الحركات المسلحة ليظهر حلف الحرية والتغيير حلف بلا مهمشين لجهة أنهم لا زالوا يحملون السلاح وربما دفعهم هذا الرفض لتعميق خلافاتهم مع الحرية مستقبلاً عبر إشعال فتيل الحرب مرة أخرى والتي إذا ما تفجرت مرة أخرى فإن إطار الهامش سوف يتسع بصورة أكبر مما كان عليه إبان حكومة الإنقاذ والمؤتمر الوطني، لجهة أن بعض قيادات الهامش كانوا شركاء في تلك الفترة في وقت تم فيه استئصالهم كلياً من المشهد السياسي حتى تلك الحركات التي انضمت للسلام ووقعت بروتوكولات سلام أُبعدت وأُقصيت أيضاً عن المشهد، وقال يجب أن يفهم حديث مناوي في هذا الاتجاه.
جزء لا يتجزأ
وكان قد أرسلت مقاطعة الثورية لاحتفال التوقيع النهائي بشأن المرحلة الانتقالية بالخرطوم مؤخراً، رسائل عديدة سالبة، وصفها نائب رئيس حزب الأمة القومي فضل الله برمة ناصر بالمحزنة، وقال برمة لـ(الصيحة) إن الثورية جزء لا يتجزأ من قوى إعلان الحرية والتغيير، وهي بالتالي جزء من الوفاق الذي تم. وقال إن عدم حضورهم ومشاركتهم لا يعني الانتقاص من القضية لأنها ملك جميع السودانيين، مؤكداً أن أكثر الذين يواجهون تعقيدات الأزمة هم قواعد الثورية في مناطق الصراعات، لذلك يرى برمة ـن من أوجب الواجبات أمام الثورية كان هو ضرورة اللجوء للسلام ومباركة الاتفاق والمشاركة فيه وإحداث النقلة الديمقراطية التي سوف تحقق للوطن ما عجز عن تحقيقه طيلة الحقب التاريخية المختلفة. وناشد ناصر الثورية بمراعاة المصلحة العامة لأنهم جزء لا يتجزأ من السودان، مؤكداً أنه لا يزال هناك وقت لتلحق الجبهة الثورية بالاتفاق، مؤكداً أن رأيهم سوف تصطحبه الحكومة المقبلة.
وقال ناصر إن البلاد تسعى للانتقال لمرحلة جديدة من الديمقراطية عبر هذه الوثيقة الدستورية والتي تعتبر أعلى من كل الاتفاقيات، لذلك لا بديل أمام الثورية غير الانضمام للجميع والعمل على بناء الوطن في المرحلة المقبلة، مؤكداً أن عدم مشاركتهم فيه انتقاص لنضالهم الطويل.
انعدام الثقة
ويرى الباحث السياسي والمهتم بشؤون الحركات المسلحة، د. السر محمد علي لـ(الصيحة)، أن طابع خلافات الحركات المسلحة، وما أفصح عنه مناوي يأتي في إطار انعدام الثقة بينها وقوى الحرية والتغيير والتي كان يجب أن يتوسع إطار تفاهماتهم الأخيرة ليشمل كيفية بحث قضايا السلام والاستقرار في السودان، بينما سعت كلها لبحث طرق المشاركة وعملية المحاصصة المرفوضة، بينما شكل رفض الحركات المسلحة لخطوات تشكيل حكومة المرحلة الانتقالية التي تمضي الآن بين العسكري والحرية والتغيير بشكل ثنائي موقفاً جديداً لم يجد الاهتمام الكامل من السيادي وقوى الحرية والتغيير التي انشغلت بقضايا إرضاء بعضهم وتركت أمر الحركات المسلحة لمرحلة ما بعد التشكيل مما يفتح الباب واسعاً بحسب د. السر للكيفية التي سوف تشارك بها الحركات المسلحة في المرحلة الانتقالية المقبلة، وكيف سيتم إرضاؤها في ظل الرفض المتشدد لكل رؤاهم بشأن تلك المرحلة.
يأتي هذا في وقت قدم فيه سلفاكير ميارديت رئيس دولة جنوب السودان مبادرة للحركات المسلحة، حيث وصلت قياداتها جوبا وناقشوا في لقاءات مع سلفاكير، مستقبل السودان خلال المرحلة القادمة وكيفية مشاركة الجبهة الثورية، والبحث عن رؤية جديدة مشتركة مع الحكومة التي يتوقع حضور رئيسها للسيادي الفريق عبد الفتاح البرهان وحضور رئيس الوزراء عبد الله حمدوك وهو قد أكد علاقاته الشخصية بقيادات الثورية مناوي وجبريل وعرمان وعقار، فهل سيعترف الرجل لمناوي بأن الثورة قد سُرقت كما قال أم إن لحمدوك حديثاً آخر يقنع قيادات الحركات بالقدوم والمشاركة عقب توطيد وتأكيد الثقة المفقودة بسبب التهميش؟