يدفع سكان العاصمة السودانية الخرطوم ثمن ازدواجية التعاطي الدولي حيال الصراع الدائر في بلادهم بين الجيش وقوات الدعم السريع. وكثف الجيش السوداني الذي يقوده الفريق أول عبد الفتاح البرهان في الأيام الأخيرة من غاراته الجوية على الخرطوم، غير عابئ بحجم الخسائر البشرية التي يوقعها في صفوف المدنيين، والتي كان آخرها الهجوم الجوي الذي طال الأحد سوقا شعبية في جنوب العاصمة ما تسبب في “مجزرة”.
ويراهن البرهان على سلاح الجو لاستعادة السيطرة على الخرطوم، وباقي المدن التي فقدها، لكن نشطاء سودانيين يرون أن هذا التمشي لن يقود سوى إلى المزيد من الضحايا المدنيين واستهداف ما تبقى من البنى التحتية، محذرين من التساهل الدولي حيال ما يجري.
وتعاطى الجيش السوداني لوقت قريب بنوع من الحذر خلال شنه لهجمات جوية على العاصمة المكتظة بالسكان، وذلك خشية إثارة المجتمع الدولي، لكن بعض الإشارات الصادرة مؤخرا عن قوى كبرى، جعلته يعتقد أنه في حلّ من ذلك الحذر، وأن الصمت الدولي تجاه تجاوزات الجيش هو بمثابة ضوء أخضر. وقالت جماعة محلية من المتطوعين في بيان الأحد إن 43 مدنيا على الأقل قتلوا وأصيب العشرات في غارة جوية شنها الجيش على سوق بجنوب الخرطوم، في أكبر عدد من القتلى في واقعة واحدة منذ بدء الصراع في السودان في أبريل.
وذكر شخص شاهد الضربة الجوية في تصريحات لوكالة رويترز، طالبا عدم الكشف عن هويته لأسباب أمنية، أن طائرات مسيرة نفذت عدة ضربات جوية عنيفة صباح الأحد في حي كبير بجنوب الخرطوم تسيطر قوات الدعم السريع على معظم أنحائه. وأظهرت صور نشرتها جماعة محلية من المتطوعين تسمى “غرفة طوارئ جنوب الحزام” إصابة عدد من النساء والرجال، بالإضافة إلى جثث مغطاة بالقماش على ما يبدو وكان بعضها مكدسا.
ومعظم سكان المنطقة من العاملين باليومية الذين وقعوا في براثن الفقر المدقع حتى باتوا عاجزين عن تحمل كلفة الهرب من العاصمة. وقال محمد عبدالله المتحدث باسم غرفة طوارئ جنوب الحزام التي تحاول توفير الخدمات الطبية وغيرها من الخدمات، إن الجرحى نقلوا إلى المستشفى على عربات صغيرة أو التي تجرها الحمير. واتهمت قوات الدعم السريع في بيان الجيش السوداني بتنفيذ الهجوم بالإضافة إلى شن ضربات أخرى. ونفى الجيش مسؤوليته عن الهجوم وألقى باللوم فيه على قوات الدعم.
وقالت أستاذة العلاقات الدولية بجامعة الخرطوم تماضر الطيب إن القصف المكثف الذي يقوم به الجيش يشي بأن الوضع بات أكثر خطورة.. وأضافت الطيب في تصريحات لـ”العرب” أن أم درمان، وهي إحدى المدن الثلاث التي تتشكل منها العاصمة الخرطوم، والتي كانت لوقت قريب أكثر أمانا، تشهد اليوم ضربات قوية أيضا، والصورة على الأرض بات من الصعب نقلها بدقة من قبل المراسلين في ظل استمرار القصف المكثف.
وأشارت إلى أن استهداف الجيش للمدنيين ومنازلهم يأتي في سياق كر وفر بين الطرفين ومحاولات لتحقيق انتصار سريع، لكن هذه المسألة تبدو صعبة في ظل التطورات التي أخذها الصراع. وأودت ضربات وقعت في غرب أم درمان الأسبوع الماضي بحياة 51 شخصا على الأقل خلال يومين. ومع إغلاق معظم المستشفيات وعدم وجود حكومة محلية فاعلة، يجد المتطوعون صعوبة في توثيق عدد الوفيات المتزايد.
وقالت منظمة أطباء بلا حدود التي تدير مستشفى بشائر في جنوب الخرطوم على منصة “إكس” إن سوق قورو المزدحمة تعرضت للقصف في الساعة السابعة صباحا وإن 60 شخصا على الأقل أصيبوا. وتوقف الأطباء عن محاولة إحصاء عدد المصابين لانشغالهم بإجراء عمليات جراحية للضحايا. وذكرت ماري بيرتون منسقة الطوارئ أن “الخرطوم في حالة حرب منذ ما يقرب من ستة أشهر. لكن لا يزال المتطوعون (..) مصدومين ومذهولين من حجم الرعب الذي ضرب المدينة الأحد”.
وحذرت غرفة طوارئ جنوب الحزام الجمعة من أن مستشفى بشائر، وهو أحد المستشفيات القليلة التي لا تزال تعمل، يواجه مخاوف بالإغلاق مع نفاد الإمدادات وصعوبة وصول أطقم العمل إليه. وبدأ الجيش وقوات الدعم السريع الصراع في 15 أبريل، بعد تصاعد التوتر بشأن دمج أفرادهما في قوة واحدة في انتقال جديد نحو الديمقراطية. وبينما أطلقت عدة دول مبادرات للوساطة، لم تنجح أي منها في وقف القتال.
وقد حرصت القوى الإقليمية والدولية في الأشهر الأولى من الصراع على الحفاظ على مسافة واحدة من الطرفين، لكن بعض القوى أظهرت في الأيام الأخيرة نوايا لتغيير سياساتها. وأقدمت الولايات المتحدة على فرض عقوبات على بعض قيادات الدعم السريع ومن بينهم القائد الثاني عبدالرحيم دقلو بتهم تتعلق بتجاوزات في إقليم دارفور، فيما تجاهلت فرض أي عقوبات على قيادات الجيش بالرغم من تسجيل انتهاكات موثقة.