هل يمتلك الدعم السريع رؤية للحل الشامل؟
براهيم مطر
على الرغم من الطبيعة العسكرية لقوات الدعم السريع، إلا أنها بطبيعة الحال تجد نفسها مُجبرة على تقديم إجابات لأسئلة فرضها الواقع، أهمها التساؤل عن رؤية الدعم السريع لآفاق الحلول من وجهة نظرها، إذ عابت عليها بعض النُخب عدم التقدم برؤية مكتوبة للحل الشامل باعتبار الواقع الذي جعلها أحد طرفي الصراع الدائر في السودان اليوم. ومن واقع البيانات الصادرة عن قيادة الدعم السريع، وأحاديث وتصريحات مستشاري قائده في القنوات التلفزيونية ووسائل الإعلام المختلفة خلال الأشهر الأربعة الماضية، يُمكن تلخيص رؤية الدعم السريع للأزمة وكيفية معالجتها على شكل نقاط أساسية تُشكل ملامح هذه الرؤية، من خلال موقف الدعم السريع من قيادة الجيش، ومن الجيش كمؤسسة، وكذلك من تحالف القوى المدنية الذي تمثله القوى الموقعة على الاتفاق الإطاري، بالإضافة للقوى ثورية خارج التحالف منها أطراف سلام جوبا.
وشهدت الساحة السودانية اصطفافاً جديداً على أساس الموقف من الحرب ما بين داعمين لها وساعين لاستمرارها من جهة، وداعين لوقفها على الجانب الآخر واعتماد الحل التفاوضي وصولاً للعودة للمسار المدني، وهو ما سُيشكل ملامح المرحلة القادمة، بحسب ما اتفقت عليه قوى مدنية وعسكرية سودانية من بينها قوات الدعم السريع التي أعلنت ومنذ اندلاع المعارك، أن الحرب قد فُرضت عليها، ولم تكن خيارا.ً خاصة بعد أن وقعت على الاتفاق الإطاري الذي اجترحته القوى المدنية، وانحازت لخطاب الثورة، وأعلنت كذلك أن لا عداوة لها مع الجيش كمؤسسة، بل مع قيادته التي أسلمت أمرها لتنظيم الحركة الإسلامية وباتت تتلقى تعليماتها من (علي كرتي) و(احمد هارون). وأعلن قائد قوات الدعم السريع (محمد حمدان دقلو)، ومنذ الأيام الأولى للحرب، أن المنتصر فيها خاسر باعتبارها تدور بين أطراف سودانية. فيما تعاطت قوات الدعم السريع بإيجابية مع كافة المبادرات الرامية للحل السلمي، ومنها المُبادرة الأمريكية السعودية عبر منبر جدة الذي انسحب منه الجيش إثر ضغوط كبيرة عليه من الإسلاميين، فيما لا يزال الوفد التفاوضي للجيش مرابطاً في مدينة جدة.
ويسعى الدعم السريع بحسب مواقفه المُعلنة إلى الوصول لحل سلمي عبر التفاوض دون الرضوخ لابتزازات واستراتيجيات تفاوض غير مجدية يسعى من خلالها الجيش للحصول على كل المكاسب المُمكنة وغير المُمكنة، ووضعها كشروط للانخراط في التفاوض. وأعلن الدعم السريع في أكثر من مناسبة أنه لا يريد أن يكون بديلاً للجيش ولأ أن يحقق انتصاراً ساحقاً عليه. فيما أكد مستشاريه أن التفاوض العسكري سيكون بين الجيش والدعم السريع، لكن لا بد أن يضم الحل السياسي الشامل في مرحلة ما بعد وقف إطلاق النار قوى مدنية سياسية ومجتمعية للوصول لتوافق حول كيف يُحكم السودان، باستصحاب عبر الماضي، ومُناقشة أسباب الحروب التي لازمت السودان منذ الاستقلال ،منها حروب الجنوب ودارفور والنيل الأزرق وشرق السودان.
ولا يستطيع الدعم السريع التغاضي عن فئات مجتمعية سودانية عديدة عانت من التهميش لسنوات طويلة، ولم تنل حظها من الثروة والخدمات في ظل أنظمة عسكرية فاسدة تعاقبت على الحكم في السودان، وعسكرت الاقتصاد ومؤسسات الخدمة المدنية، ونهبت الموارد. وهذه الفئات المجتمعية تعتبر الدعم السريع معبراً عن أشواقها في إرساء قيم العدالة والمساواة، ودولة المواطنة والحقوق، فضلاً عن التطلع لتحرير المؤسسة العسكرية نفسها من سيطرة الفلول. وهناك قبائل وإدارات أهلية أعلنت تأييدها الصريح للدعم السريع، ووجهت أبنائها بالخروج من صفوف الجيش. ومن المعلوم بالضرورة أن طموحات السودانيين والتي عبرت عنها ثورة ديسمبر المجيدة في تأسيس جيش مهني موحد، تصطدم بسعي الفلول للمحافظة على امتيازاتهم المالية والتي حصلوا عليها إبان نظامهم البائد عن طريق إبقاء الجيش كقوة موالية لهم، قادرة على إنفاذ إرادتهم بالقوة الجبرية.
ويُشجع الدعم السريع فتح نقاشات واسعة بين مختلف مكونات الشعب السوداني، تبدأ بعد التوقيع على اتفاق لوقف إطلاق النار طويل الأمد، بهدف جعل حرب أبريل هي آخر الحروب في السودان، وفي ظل توافق لا يستثنى سوى فلول النظام البائد، الذين أجرموا في حق الشعب السوداني طيلة عهدهم البئيس، وأشعلوا حرب الخامس عشر من أبريل. ويتطلع الدعم السريع في تماهي مع خطاب ديسمبر لبناء جيش قومي لا يقتل السودانيين، ولا يصنع الفتن ولا يفتت المجتمعات المحلية، بحسب ما أعلن متحدثين باسمه غير مرة. وهو لا يقدم وصفة جاهزة للحل، بل يسعى لإتاحة الفرصة في الوقت الحالي لجعل الحل السلمي، والخروج بالبلاد إلى بر الأمان مُمكناً.