محمد طلب: يا خوفي على (جبرة) و(كاخوفسكايا) و(الحلفايا) وكل الخفايا (4)
جسور (اولغا) وجسر (أم دافوق)
ربما لا نحسب أن هناك علاقة مباشرة أو غير مباشرة بين (سد أم دافوق) وجسره في أقصى غرب السودان وجسر (كاخوفسكايا) بدولة أوكرانيا على نهر (الدنيبر) ومحطته الكهرومائية هناك، كما يجب الإشارة إلى أن محطة (كاخوفسكايا) بدأ تشغيلها في الخمسينات من القرن الماضي أي قبل أن يكون السودان دولة مستقلة وذات (سيادة) والخطورة الآن تتمثل في الإخلال بنظام التبريد للمفاعلات النووية المرتبطة بذلك السد والآن في الأخبار كل طرف يتهم الآخر بارتكابه هذا الجرم الشنيع والضحايا في هذا الحادث إلى اليوم عدد مهول جداً (بالنسبة لهم) إذ بلغ 35 مواطناً وهو رقم (عادي بالنسبة لنا) إذ فقدنا أضعافه من طلاب المدارس وبناة المستقبل في مركب تقطع بهم نهر النيل يومياً إلى مدارسهم بالضفة الأخرى… ونفقد كثير من الأرواح في كل عام بعد (الطرفة البكاية) التي تجعل طرفنا باكياً حتى العام القادم و(عينة) أخرى مفاجئة تقع على إثرها البيوت على رؤوس قاطنيها (ويفيض النيل ونموت نحن)
فهكدا نحن (نغني) بين محنة وأخرى (البحر السطيت غيرك مافي ذكرى كشفت العرائس العجوز والبكرة وهدمت القصور) ثم يفاجئنا الفيضان والمئات من الشباب الغض في حادث معسكر العيلفون الشهير أكلهم الرصاص وشربهم النهر العاتي مثلما حدث في فض الاعتصام الكارثي ومئات أخرى
وها نحن نموت في معركة (الكرامة) هنا (بجبرة والحلفايا) وهم يموتون في (كاخوفسكايا) هناك والسبب (الحروب) مع اختلاف أخلاق القتال وبعد أن كانوا هناك يغنون (كاتيوشا) ويهضمون الـ(بلمينيا) بـ(الفودكا) ويصنعون الفرح الجميل وحزنهم نبيل…
والجسور هنا تصبح مواقع للقتال وبعد أن كنا نغني مع الكابلي (يللا نمشي النيل بين رمال ونخيل) لكننا عندما نجلس بشارع النيل نعطي ذلك النهر العظيم ظهورنا عند موقع اقتران الأزرق الدفاق ضيق المجرى مع الأبيض الهادئ صاحب (الممشى العريض) أو قل (القدلة بي مهل)
ويبدو أن سكان هذا النهر اكتسبوا صفاته المتضادة واختلافها وتعقيدات الموقع (المثلث) فبحري على الأزرق وتمتد على نهر النيل وكذا أم درمان مع الأبيض تمتد بعد الاقتران وبين هذا وذاك تقع الخرطوم وظهرها لنهر النيل العظيم وكأنها حزينة على مغادرته (مقرن النيلين) فأورثتنا أن نعطي النيل ظهورنا ونقابل (الزفت) والأسفلت والرصاص
أما الهجرات للعاصمة و(أنهارها) من الصحارى والوهاد والعكس تخلق مصطلحات (أولاد البحر) و(الجلابة) وما تحملها وما تخفيها أو تظهرها من المشاعر الإنسانية المختلفة والمختلطة الجميل منها والقبيح دون الاستفادة والتجانس بين هذا المزيج البشري الرائع… ولكن جسور اولغا مختلفة تماماً
وما يربط بين سد (كاخوفسكايا) وسد (أم دافوق) يمكنك استخلاصه عزيزي القارئ من بين السطور رغم أن الأول يرتبط بالطاقة الكهرومائية والطاقة الذرية في حين أن (سد أم دافوق) ما هو إلا سد لتجميع مياه الأمطار من الأودية والمجاري الموسمية لخدمة السكان من الرعاة وماشيتهم وتقليل تجوالهم ورحيلهم وخلق استقرار نوعي لهم…
عندما كان (الصادق) المهندس يبني جسر وسد (أم دافوق) كانت (اولغا) المهندسة المدنية تبني جسور التواصل مع الآخرين المختلفين عنها في اللون والعرق والدين وتكتسب معرفة جديدة تأخذ منها ما تراه جيداً وتترك ما سواه وتؤسس لبناء أسرة بالحب الكبير للأرض والناس وكل يوم تصنع جسراً جديداً وتحولت المهندسة المدنية الأوكرانية برضا تام إلى (ست بيت) بنيالا غربي السودان تبني وتمد جسرها نحو (الحجير) بالشمالية أرض النيل والنخيل مسقط رأس (الصادق) وأرض جدوده ثم جسر إلى (سنار) بالنيل الأزرق وعندما استقرت بـ(جبرة) وطدت علاقاتها مع الأهل والجيران فتراها من جبرة إلى أم درمان على نهر النيل وجبل أولياء على النيل الأبيص ثم سوبا غرب الأزرق إلى العيلفون شرقه وكم أضاءت ليالينا وأحبها الصغار والكبار من الجنسين وليتنا استطعنا نثر هذا الحب بيننا… وعندما توفي والدها نعاه كاتب هذه السطور رغم أنه لم يره قط إلا عبر تربية (اولغا) على المحبة والسلام والتصالح مع النفس قبل الآخرين.. يا ترى لو كانت (اولغا) هي (عزة) ستكون راضية أم أنها كانت سوف تقول قولاً شهيراً عندهن هنا (يعني قرايتي دي تروح سااااي)…
اولغا في (قرادتشي) الآن وفي ظروف الحرب الدائرة الآن وعبر الجسور التي بنتها للبنى وكمال وخالد يدخل ابن اختها الإسلام عبر جسور (اولغا) من البنين والبنات….
نعود فما زال للجسور بقية
سلام سلام
محمد طلب يكتب: يا خوفي على (جبرة) و(كاخوفسكايا) و(الحلفايا) وكل الخفايا (3)