عين على تقرير مجموعة الأزمات الدولية (1)
من نافلة القول إن الوضع الحالي في السودان يجد اهتماماً متعاظمًا من المراكز البحيثة ودوائر صناعة القرار الدولي إقليمياً وعالمياً. حيث ظلت كثير من مراكز الدراسات والبحوث تصدر تقديرات موقف في شكل تقارير وبعضها بيانات ورؤى مختلفة تعكس تصوراتها لمسار الانتقالية التي تمت في السودان وبالطبع هذه التوجهات بعضعها موضوعي وعلى قدر من الحياد وكثير منها موجه وذو أهداف خادمة لجهات كثيرة. وتمثل التقارير والتقديرات التي تنتجها مجموعة الأزمات الدولية واحدة من أهم المراجع عند صانعي السياسات ومتخذي القرار، لذا فإن ما تصدره من بحوث وما تنتجه من دراسات وبيانات صحفية بصورة أو بأخرى بإمكانه مساعدة متخذ القرار في طرفي الحكومة والمعارضة وكذلك الباحثين لمعرفة بوصلة اتجاهات الإحداث الكلية التي تأخذها مواقف الحكومات الغربية تحديداً من خلال تطورات المشهد السوداني.
مجموعات الأزمات سبق أن أصدرت عدة بيانات منذ اندلاع الاحتجاجات في السودان العام الماضي أبرزها تقرير بعنوان ( improving prospectd for apeaceful transition in sudan) والذي تضمن ثلاثة سيناريوهات هي بقاء البشير لفترة قصيرة، وحدوث انقلاب يقوده جنرالات من دائرته القريبة، وسيناريو التنحي والذي وصفته بالمجموعة بالسيناريو الأمثل، الثورة الشعبية بدعم ومساعدة بعض قادة النظام ونظراً لأهمية تحليل وقراءة تقارير مجموعة الأزمات لابد من تسليط الضوء وقراءة بعض النقاط التي وردت في تقريرها الأخير الذي حمل عنوان ( Nurtuing Sudan fledling power – Sharing accord) ـ إن إعطاء بعض نقاط التقرير قدراً من الأهمية من شأنه إعطاء مؤشرات حول توجهات بعض دول الغرب ودوائر صناعة القرار فيها تجاه السودان سواء كانت اللوبيات الغربية الداعمة للمعارضة السودانية، ومجموعات الضغط المؤثرة على الرأي العام والحكومات في أووبا وأمريكا أو تلك اللوبيات المهتمة بالشأن الداخلي السوداني بشكل عام.
جاءت أبرز نقاط التصرير الصادر في statement /Africa 20 August 2019 والذي اشتمل على شرح الخطوات التي مرت بها البلاد خلال الشهور التي أعقبت سقوط نظام الإنقاذ إلى جانب التوقعات والإضاءات على المسار المستقبلي والتحديات التي تواجه عملية الانتقال في السودان ونجمل أبرزها في الآتي :
1ـ دعم فرص النجاح: حيث قالت مجموعة الأزمات: حتى تتوفر فرص النجاح للسلطة الانتقالية، فإن على الفاعلين الخارجيين خاصة الاتحاد الأفريقي وشركائه أن يكونوا الضامنين للاتفاق، وعليهم أن يسعوا لتجسير هوة الثقة بين الطرفين لضمان تنفيذ الجدول الزمني كما هو.
كما على الحكومات الغربية ودول الخليج أن تبدي الاستعداد لتقديم مساعدات مالية مقدرة للإدارة الجديدة شريطة احترام الجنرالات لنصوص الاتفاق من حيث المبدأ والتطبيق.
إذا نظرنا للفقرة واحد، فإننا نجد أن الاتحاد الأفريقي حاول أن ينفذها بفرض وصايته على الأوضاع الداخلية بشكل سافر لدرجة الاتجاه إلى تعيين مبعوث دائم للسودان بغرض المراقبة ومتابعة سير تنفيذ الاتفاق، واتضح أن الجنرالات العسكريين أكثر التزاماً من قوى الحرية والتغيير التي وقعت في أكثر من خطأ عدم الالتزام بالجدول الزمني بسبب خلافاتها الداخلية ومنها الإساءة لدول الجوار (انجمينا ـ جوبا ـ أسمرا ـ القاهرة). الدول العربية من خلال خطاب الحرية والتغيير الذي تلاه الأصم في حفل التوقيع النهائي وسيكون للخطاب آثار سلبية في جانب الفقرة التي تناشد دول الخليج بتقديم مساعدات للنظام الجديد، فكيف لهذه الدول تمكين نظام معادٍ لها من حيث المبدأ، لا أعتقد ستكون هذه إيجابية مع حكومة “قحت”.
2ـ المحاذير: كشف تصريح مجموعة الأزمات عن ما قال إنها محاذير، مشيراً الى خشيتهم من نقض العهود، وأن المجلس العسكري وقع الاتفاق تحت ضغط مكثف من أطراف خارجية تشمل الاتحاد الأفريقي والولايات المتحدة والأتحاد الأوربي. وهذه الفقرة تعتبر استباقاً مبكراً لأي تصرف رافض من العساكر إذا حاولت قوى والتغيير الضغط عليه، وتنفيذ أجندات غير مدرجة في الاتفاق. وهنا تبرز أن هناك نوايا مبيتة للغدر بالاتفاق والالتفاف عليه، ومحاولة التقرير حماية أي تصرف من (قحت)، خاصة أن الفقرة تناولت بصورة أخرى موضوع القوات السودانية في اليمن، وأن الحكومة الجديدة عليها مراجعة الملف وسحب القوات، وهذا الأمر إذا ربطنا بينه وبين تصريحات بعض قوى الحرية حول الجيش السوداني في اليمن ومحاولة سحبه والحديث عن المرتزقة والحملة والتسريبات بشأن بعض الجنود السودانيين وتصرفاتهم مع الأسرى الحوثيين كلها مؤشرات تكشف وجه التنسيق بين (قحت) وهذه الجهات التي تصدر التصريحات والتقارير كتمهيد ودعم لأي خطوة تريد اتخاذها قوى الحرية والتغيير، وحتى المصطلحات المطروحة في شعارات قحت شبه واحدة مع المصطلحات التي ترد في تقارير هذه المنظمات الدولية.
3ـ الحركات المسلحة: في هذا الجانب يقول تصريح مجموعة الأزمات أن الباعث على القلق أن جهات رئيسية ومهمة لم توافق على الوثيقة الدستورية، فقادة الحركات في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق رفضوا الاتفاق لانه لم يستوعبهم في هياكل الفترة الانتقالية، واتهم التقرير العسكريين بقيادة تفاوض مع قادة الحركات بغرض الوصول معهم إلى اتفاق خارج اتفاقات الفترة الانتقالية، وأشار التقرير إلى تواصل أبوظبي والرياض والقاهرة مع بعض قادة الحركات حول ذات المضمون بعدما رفضت قوى والتغيير الاتفاق الذي أبرم في الرابع من أغسطس بأديس أبابا.
هذه النقطة فيها محاولة لتحجيم دور المؤسسات العسكرية ومنعها من ممارسة أدوارها الطبيعية في التنسيق والتواصل مع الحركات، كما أنه يصور الخلاف بين “قحت” والحركات بأنه حول التمثيل، وهو غير صحيح، لأن الخلاف حول قضايا جوهرية معنية بعملية السلام وتضمين حلوله وورقته ضمن الوثيقة الدستورية. فماذا يضير الوطن إذا فاوض الجيش أو الدعم السريع قادة الحركات وتوصلوا معهم إلى اتفاق أليس من مصلحة الوطن أن يستقر ولا يهمه على أيدي من جاء السلام وتحقق الاستقرار خصوصاً أن قادة الحركات وكل الشعب السوداني يدركون أن العسكريين يستطيعون بناء الثقة وإقناع الحركات بالجنوح للسلم. أما السياسيون فهم الذين يعقدون الأمور بتقاطعاتهم الشخصية وعدم الثقة فيما يقولون.
4ـ تماسك “قحت”: قالت الورقة إن المحافظة على تماسك تحالف المعارضة سيكون أمراً عسيراً وصعباً، فأعضاؤه يفتقدون الخبرة وفشلوا في تشكيل جبهة موحدة في التفاوض مع العسكريين ،بعض الاحزاب السياسية بما فيها الحزب الشيوعي رفضت الاتفاق بوصفه بعيداً عن تحقيق العدالة والإنصاف لضحايا الاحتجاجات.
أختم قراءتي بهذه الجزئية بالتعليق على الفقرة الرابعة، وهي حاولت أن تقترب من الحقيقة بيد أنها بعدت عنها بإشارات غامضة بالكشف عن صعوبة توحيد قوى الحرية والتغيير، وهذه حقيقة مشهودة يثبتها تصرف “قحتط حول قضية الحرب والسلام، وتجاهل الجبهة الثورية وطردها من التمثيل في المرحلة الانتقالية، وهذه الزاوية سوف تعصف بقوى الحرية والتغيير طال الزمن أو قصر.
أما الحديث عن خلاف “قحت” والشيوعي ورفضه للاتفاق فهو مواصلة في خط التضليل والتمويه، لأن الشعب السوداني يعلم أن الشيوعي الآن المسيطر والمتحكم من خلال سيطرة كوادره على المجلس السيادي متسللين عبر بوابة المهنيين، ويسعى للسيطرة على الجهازين التنفيذي والتشريعي، وفي نفس الوقت الاحتفاظ بالمعارضة حتى لا تلحق به لعنة أي فشل إذا حدث، وهو يدرك مخاطر الحكم وتحدياته، لذلك تعمد أن يحكم بالظل ولا يظهر في وجه الأحداث، ولا يتحمل تبعاتها.
الآن بدأ بعض قياداته إيهام الرأي العام وإيصال الحقيقة له بأنهم امتلكلوا الدولة، فهي ربما رؤية أفراد أمثال صديق يوسف لأنه يفترض أنه كمفاوض قد حقق مكاسب للشيوعي، لكن البعض من الشيوعيين يريدون طمسها وإضعافها بالتخفي، لذلك حديثه في الحوار مع الزميل ضياء الدين بلال بأنهم دولة وظهوره في استقبال حمدوك بالمطار فهي كلها رسائل خاصة في بريد الشيوعي وعضويته قبل الشعب السوداني، وكذلك الرأي العام العالمي، لأنه لا يرى في العمر بقية حتى يصنع مجدًا جديداً للحزب الشيوعي, فهو يريد أن يكتفي ويختم حياته السياسية بهذه المكرمات والمنجز الذي تحصل عليه من فك قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري، ومن عرق الشعب السوداني.