عفواً معلمي وأخي الكبير سناً ومقاماً وأستاذي دكتور محمد قلندر، أستعير عنوان كتابك الأخير ” الصحافة مهنة في محنة”، لأنه الأبلغ في التعبير عن حال الصحافة هذه الأيام، حيث يتعرض الصحافيون لاعتداءات ممنهجة من أعداء الحرية والمتربصين بالصحافيين من القوى الظلامية في بلادنا التي تسعى بكل ما تملك لجر السودان لمستنقع عنف ينحدر به إلى أسفل.
تداعت الأحداث سراعاً من اعتداء غاشم على الأستاذ أحمد الشريف عثمان الكاتب وعضو المكتب التنفيذي لاتحاد الصحافيين أمام دور أحد الأحزاب الحاكمة من قبل كادر سياسي ناشط في تحالف قوى الحرية والتغيير، وقيد الشريف ابن الأشراف بلاغاً في الشرطة التي لم تقبض على الجاني بعد، وقبل أن يجف دم الأستاذ أحمد الشريف تعرض الأستاذ الهادي محمد الأمين الصحافي المتخصص في شئون الجماعات الإسلامية إلى اعتداء من داخل مسجد عبد الحي يوسف في جبرة أثناء تصويره وتسجيله خطبة عبد الحي يشرح فيها ما جاء على لسان الرئيس الأسبق عمر البشير ومزاعمه بشأن الدعم الذي قدمه لقناة طيبة الفضائية، وعلاقة عبد الحي بتلك القناة.
وثالث الاحداث وأكثرها دموية وقع ليلة السبت حيث تعرض الأستاذ إبراهيم بقال لاعتداء غاشم من مليشيا بمنطقة دار الرياضة بأم درمان وأسهب الأستاذ بقال في شرح الحادثة ومن أقواله أن العصابة التي تعرضت له بالضرب محاولة إسكات صوته جماعة سياسية استهدفته لمواقفه الناقدة لقوى الحرية والتغيير من جهته ومواقفه الداعمة لقوات الدعم السريع ومنافحته عن القائد الفريق محمد حمدان دقلو. والشاهد أن العصابة التي اعتدت على بقال كانت تقول اضربو الجنجويد على حد قوله في البيانات التي بعث بها بقال لوسائل التواصل الاجتماعي.
ومن المفارقات أن مصطلح جنجويد الذي كان يطلق على عرب دارفور الأبالة منهم والبقارة، قد اتسع في الخرطوم وبات يطلق على قوات الدعم السريع التي لا تمثل العرب الدارفوريين، ولكنها أصبحت قوات قومية تضم كل أطياف وأجناس السودان وحتى الزغاوة الذين ينحدر منهم بقال، ومن أسرة محترمة جداً يطلق عليهم ناس الخرطوم جنجويد بدلاً عن تورا بورا.
حادثة بقال ومن قبل ذلك الاعتداء على أحمد الشريف عثمان والاعتداء على الهادي محمد الأمين يمثل تطوراً مخيفاً في دولة يفترض أن يتجه فيها الجميع نحو إرساء قواعد دولة القانون والعدالة. ولكن نحن نمضي مكبين على وجوهنا نحو دولة الفوضى وأخذ الحقوق بالأيدي واستهداف حَمَلة الأقلام بمحاولة كسرها وتخويف الكُتّاب بالاعتداء عليهم في الطرقات، وفي دور الأحزاب التي يقع على عاتقها مسؤولية نشر الوعي بدلًا من السكوت الحالي وهي تنظر لمن يحفر عميقاً للديمقراطية لوأدها قبل أن تشرق شمسها.
لم تجد حوادث الاعتداء على الصحافيين الاهتمام من قبل اتحاد الصحافيين ولا نقابة الصحفيين المناوئة للاتحاد المعروفة بشبكة الصحافيين، ولا تنظيم قوى الحرية والتغيير المسمى باللجنة التمهيدية لاستعادة نقابة الصحفيين، كل هذه الأجسام لم تشعر بالقلق لتنامي العنف نحو الصحافة من قبل يملشيات ظل حكومية وعصابات تدعي الانتساب للثورة، وكان منتظراً من الوسط الصحافي التضامن والتماسك إزاء هذا السلوك الذي يهدد بنسف الاستقرار السياسي في البلاد.
ولم تنحدر لبنان إلى حرب الطوائف إلا بعد مقتل سليم اللوزي الذي أدان مقتله نصف المجتمع الصحافي اللبناني، وشمت النصف الآخر مثلما حدث اليوم في الساحة حينما تهجمت عصابة على زميل مصيره مصير أي واحد منا، ولم يجد بقال ولا أحمد الشريف ولا الهادي التضامن الذي يستحقه ولا الوقفة الجماعية التي تعبر عن وقوف حملة الأقلام في وجه البلطجة والفوضى.
حكومة الحرية والتغيير قد لا ترى ما يحدث خطرًا على الاستقرار الأمني في البلاد، وربما شغلتها قضايا أخرى عن إدانة ما حدث، ولكن بطبيعة الحال أي انفلات أمني في البلاد تعتبر قوى الحرية والتغيير وحكومتها هي الخاسرة، ورئيس الوزراء مطالب بأن يقول كلمته إزاء ما يحدث من بوادر فوضى في السودان وانفراط العقد يبدأ بحبة واحدة.