عن (كتّاحة) الخارجية
قرأنا خلال الأيام الماضية، منشوراً رخيصاً.. بائساً.. منحدراً إلى قاعٍ سحيق ودركٍ أسفل امتلأ حتى فاض بلوثة الحقد السياسي الأعمى، منسوباً إلى الحزب الشيوعي السوداني ضمن سلسلة ما يسمى بـ (الكتاحة)، تم وضعه على منصات التواصل الاجتماعي، وهو يستهدف وزارة الخارجية والعاملين فيها من سفراء ودبلوماسيين وإداريين، تحت ادّعاء أنهم يمثلون عهد الإنقاذ وأنهم من كوادرها المخلصين، وهو قول مدحوض لا قيمة له، وكل تلك الاتهامات التي طالت مجموعة من خيرة أبناء السودان من الدبلوماسيين، نفث فيها أصحاب (الكتاحة) سماً ناقعاً من الكراهية وسوء الخلق.
مصدر المعلومات المضللة والأراجيف المُثارة معلوم، ومبعثها معروف ومكشوف، لم يخرج من دائرة كوادر الحزب الشيوعي وزمرة اليساريين داخل وزارة الخارجية، وقلة من الدبلوماسيين السابقين، ولعمرك هذا سلوك ينمّ عن فساد طوية ونفوس خرِبة لم تتخلّق بأخلاق أهل السودان ولم تؤدّبهم هذه البلاد وتُحسن تأديبهم، لأن من يحقِد على زملائه ويستهدفهم ببطلان ما يدّعي … سيظل يرفُل في عارٍ ما بعده عار.
في بيان (الكتاحة) الكالحة، الذي يجب أن يتعامَل معه الحزب الشيوعي بطريقتين لا ثالث لهما، إما أن ينفي صلته به، لأنه ليس من السلوك السياسي السوي أن يصدر ويُنسَب لحزب عريق له تاريخ في ممارسة العمل السياسي، مثل هذه الأنواع المُتَسفِّلة المُشينة من البيانات والمنشورات.. الأمر الثاني هو أن يتبنّى الحزبُ ما صدر باسمه ويُعلن بشجاعة أنه من أفاعيله، وعندها فليتحمّل جريرته وما اقترفته يداه بهذا البيان الفج المفضوح الطافح بمغالطات واختلاقات ليس فيها من الأمانة أو المروءة والشجاعة شيء، فالكل يعلم كم عدد الذين فُصلوا من الخارجية عند مجيء الإنقاذ؟ وهو عدد يمكن أن يُحصى على أصابع اليدين، وهو من أخطاء الإنقاذ بلا شك، لكننا جميعاً نذكر أن بدايات حكم الإنقاذ كان الاعتماد كله على كوادر لا صلة لها بالإسلاميين تم وضع الثقة فيهم لقيادة الدبلوماسية السودانية، ولم تستنكِف السلطة الجديدة آنئذٍ من التعامُل مع أطياف الشعب السوداني المختلفة والتبايُنات السياسية والفكرية في وزارة الخارجية، وتحرّرت الوزارة في عهد الإنقاذ من سيطرة بعض النُّخَب والأسر التي ارتبطت بها وزارة الخارجية على مرّ تاريخها، ولأول مرة فُتِحَت الأبواب لجميع أبناء الشعب السوداني من أصقاعه المختلفة ومناطق الهامش ليكونوا دبلوماسيين يخدمون بلدهم بلا منِّ ولا أذى.
كل الكوادر الدبلوماسية الذين استهدفهم بيان (الكتاحة) هم من أفضل الكفاءات السودانية، تخرّجوا في أفضل الجامعات داخل البلاد وخارجها، وتأهّل كثير منهم تأهيلاً عِلمياً ومَعرِفياً رفيعاً في أرقى جامعات العالم، ونالوا تدريباً واكتسبوا مهارات في أرفع وزارات الخارجية في الدول الصديقة والشقيقة وفي معاهدها الدبلوماسية المشهود لها بالصرامة الأكاديمية والمهنية، ولم تأتِ هذه الكوادر نتيجة للمحاصصات السياسية ولا التعيينات السياسية الخرقاء، بل كانوا نتاج مُعاينات دقيقة وتمحيص أدق بدأ منذ أيام الإنقاذ الأولى، وأذكر أننا كنا كصحفيين مطلع التسعينات تقدّم بعض زملاء لنا للعمل في وزارة الخارجية وتابعنا معهم في ذلك الوقت المُعاينات التي كان يجريها فريق عالي المستوى من أساتذة جامعة الخرطوم في العلوم السياسية وكليات الاقتصاد تمهيداً لقبولهم للعمل في المجال الدبلوماسي .
وما يُثير الاستغراب أن بعض من يهاجمون وزارة الخارجية وكوادرها اليوم ويطالبون بفصلهم عبر كتابات بأسماء مزيفة أو يتحدثون في مجالس المدينة، هم دبلوماسيون وسفراء سابقون، إما تقاعدوا عن العمل أو فُصِلوا لأسباب موضوعية، مثل سفراء اتّهموا في قضايا تمس الأمانة والشرف، وهربوا وطلبوا اللجوء السياسي في بلدان غربية، وتمّ فصلهم للغياب بعد مجالس تحقيق ومحاسبة وِفق قانون الخدمة المدنية وتمت إدانتهم، وبعض من ينهشون لحم زملائهم وتلامذتهم سفراء حملتهم الإنقاذ على ظهرها وجعلت منهم وكلاء للوزارة وعيّنتهم في أكبر السفارات بالخارج في لندن ونيويورك وجنيف وعواصم عربية وآسيوية، تبوّأوا في عهد الإنقاذ أرقى المناصب في العمل الدبلوماسي، وكانوا هم مركز القرار في الوزارة، لم يُعامَلوا بتصنيف سياسي ولم يُحرَموا من ترقية أو نعمة أو علاوة أو موقع .
مقابل ذلك، نشهد للإنقاذ أنها فصلت أهم كوادرها بعد أن عيّنتهم سفراء ولم تتركهم لقيادة العمل الدبلوماسي بعد انتهاء مهامهم القصيرة مثل (مهدي إبراهيم، د. قطبي المهدي، علي محمد عثمان يس، أحمد سليمان المحامي، عمر محمد يس، الفريق الدابي، العميد صلاح كرار، الفريق السر أب أحمد، اللواء العوض محمد الحسن، الفريق أول فاروق علي محمد، الفريق أول عوض ابن عوف، الفريق السنوسي، الفريق عبد الرحمن سر الختم، جوزيف لاقو)، في مقابل أن التعيينات السياسية شملت كوادر من عهود سابقة من عهد مايو مثل السفراء (أحمد عبد الحليم، وحسن عابدين، وإسماعيل الحاج موسى وآخرين).
الغرضُ من هذه الحملة الشعواء تصفية خيرة أبناء السودان المؤهلين في وزارة الخارجية والانتقام منهم، وهم بلا ذنب، فهل يُعقل أن يكتب حزب سياسي منشوراً يُطالب فيه بفصل ما يزيد عن 150 سفيراً جملة واحدة..!!! ما الذي سيبقى من الوزارة إن فقدت كل هؤلاء، هذه حملة من أطراف تحمل جنسيات دول أخرى، وآخرين يحملون حقداً دفيناً على زملائهم لإنهاء دور الدبلوماسية السودانية وتشريد كوادرها الذين نتهم بالعرق والبذل والعطاء المستمر … أليس في الحزب الشيوعي من رجل رشيد ..؟!!
هذه دعوة لفتح كل الملفات بالخارجية، آن للصامتين أن يتكلموا عن كل ما يعرفونه عن كوادر اليسار في الخارجية، وعن ملفات فسادهم وتجاوزاتهم وخياناتهم الوطنية وارتباطاتهم بالدوائر المشبوهة وأقلام المخابرات، وتلك ملفات يشيب من هولها الولدان..!