الخرطوم: أم سلمة العشا
مُشاورات تُجرى لتشكيل الحكومة الجديدة عقب الفراغ من العقبة الكؤود تشكيل المجلس السيادي، وأداء رئيسه وأعضائه القَسَم، بجانب أداء رئيس مجلس الوزراء القَسَم، إذ لم يكن الطريق مُعبّداً أمام الجميع، فالعثرات والصعاب والمَشَاكل جميعها حَاضرة عقب 11 أبريل الماضي الذي أنهى حكماً دام ثلاثين عاماً، خلّف ما خلّف من مُعاناة ومآسٍ، صحب ذلك فراغ دستوري شارف الأشهر الأربعة، والبلاد تمضي نحو مصيرٍ مجهولٍ في ظل خلافات وتقاطُعات بين المجلس العسكري وإعلان قِوى الحُرية والتّغيير، قبيل تشكيل المجلس السيادي، الذي حَسَمَ موجة من الخلافات وبشّر بمرحلةٍ جديدةٍ طَالَ انتظارها.
وُعُودٌ قاطعة
وعودٌ قاطعةٌ بين شريكي الحكم الجديد (العسكريين والمدنيين) بتكوين حكومة كفاءات وطنية مُستقلة مشهود لها بالخبرة والتجربة والنزاهة والحياد، حَتّى تُؤدي واجباتها على الوجه الأكمل دُونَ تأثيراتٍ من أحد الأطراف، بحيث تكون مرحلة انتقالية تُمهِّد وتُؤسِّس للتّحوُّل الديمقراطي وإجراء انتخابات عَقب انتهاء الفترة الانتقالية المُحَدّدَة.
مشهد تراجيدي
لا يَحتاج شريكا الحكم (العسكريين والمدنيين) دليلاً للانخراط في المهام المُوكّلة، فالأولويات واضحة وُضُوح الشمس تتعلّق بتحقيق السَّلام ووقف الحرب فوراً، ومُعَالجة الأزمة الاقتصادية التي استفحلت وبلغت ذَروتها، لَعلّ ما نُشاهده اليَوم ومَا يَمر بالبلاد يُؤكِّد أنّ المَهام والمُتَطَلّبات خلال المَرحلة تتطلّب العُبُور بأقل الخَسائر التي يُمكن أن تَعترض الطَريق غير المُعَبّد، وما ينتظر شريكي الحكم جملة من التحديات لتنفيذ البرنامج المُحَدّد بثلاث سنوات.
وبحسب رؤية المحلل السياسي عبد الله آدم خاطر في حديثه لـ(الصيحة)، أنّ مشهداً تراجيدياً مُؤلماً خلّفه حكم الإنقاذ، الحروبات الطاحنة تزعزع العلاقات مع الدول المُجاورة والمُجتمع الدولي، كل ذلك أدّى إلى تجمُّع الجماهير وإعلان قِوى الحُرية والتّغيير، وكان نتاج المشهد الوثيقتين ،الاتفاق السياسي والوثيقة الدستورية، وهما يُمثلان أسبقيات الحكومة السابقة السلام خلال ستة أشهر، ومعاش الناس باعتباره أولوية، وتحسين العِلاقات مع المُجتمع الإقليمي والدولي.
واقع خبرة وكفاءة
كَثيرٌ من التّجارب السّابقة يرى البعض استصحابها خلال المرحلة الحالية للعُبُور بالبلاد إلى بر الأمان، غير أنّ ما أكّده خاطر أنّ الباب مفتوحٌ للاستفادة من الخبرات السابقة، ولكن أيّاً كانت هذه التجارب، لكن قمّتها هي ثورة (19) ديسمبر وهي ثورة وعي وتنوير وإدراك لرفع الهَوية السُّودانية في تفاعلاتها مَحليّاً وإقليميّاً ودوليّاً، فالدعوة الآن لتكوين مُؤسّسات الفترة الانتقالية أنها تقوم على أساس مُقدّسٍ على واقع الخبرات والكفاءات التي يُمكن أن يُعوّض السودان عن كل التجارب السابقة التي تمثل تحديات للجميع، فالمرحلة التي نَستقبل فيها تحديات (60) عاماً من الاستقلال ونتّجه نحو المُستقبل بمشاريع لتجاوُز أي فشلٍ مع التأكيد على أي نجاحٍ، وتكون البداية في اتّجاه بناء الهوية السُّودانية وتغيير العَلَم السُّوداني بإبداعات التشكيليين السُّودانيين، والسلام الجمهوري بإبداعات الشعراء المُميّزين، فالخطوة الوجدانية يجب أن تكون بصمةً جديدةً، بصمة الشباب على واقع السودان بثقل تاريخه وآمال مُستقبله.
الكفاءة مُهمّة ومطلوبة، لَكن المطلوب تَفَاعُل خِبرة الكَفاءة مع الخبرة السِّياسيَّة التي تجعل من القائد السِّياسي في الوزارة المَعنية قُدوةً على تَطوير الخدمة السُّودانية من خلال كفاءة الآخرين وتجاربهم وتطوير التجربة السُّودانية في إطار الخُطة الشاملة التي يُقدِّمها رئيس مجلس الوزراء وتتم مُناقشتها واعتمادها في مجلس السيادة والذي يتبناه الشعب السوداني لتطوير الذات المحلية والإقليمية.
ضرورة اتفق عليها وفق رؤى محللين سياسيين أن يضعها أعضاء المجلس السيادي في الاعتبار بوضع مصلحة السودان فوق كل اعتبار، وأن يَبذلوا جُهُوداً جَبّارة للسّهر عَلَى مَصَالح الوَطَن والمُواطن، وأن يُقدِّموا صُورةً مُشرقةً لمجلس سيادي يُعبِّر عن صورة البلاد والثورة بشكلٍ مُشرقٍ، بجانب المُحافظة على وحدة البلاد من التّمزُّق، بجانب العَمل على الوُصُول إلى تسوية سياسية شاملة تُوقف الحرب وتنهي مُسَبِّبات رفع السِّلاح تمهيداً للوصول إلى إجراء انتخابات حرةٍ ونزيهةٍ في البلاد وذلك عبر دعم وطني وسند إقليمي.
التجاذُبات والتّبايُن في وجهات النظر، والتي بَرَزت منذ أبريل بين المجلس العسكري الانتقالي وقوى الحرية والتغيير وذلك بإطالة أمد التفاوض الذي استمر قرابة الأشهر الأربعة، فضلاً عن تقديم النصح للطرفين والمُطالبة بالابتعاد عن التّجَاذُبات والتّبايُن في وجهات النظر مُستقبلاً بعد التّوقيع على الاتّفاقية التي تمّ التوقيع عليها الأسبوع الماضي بحضور إقليمي ودولي ليصبح السودان جديداً بعد مرحلة تجاوزت ثلاثين عاماً، فالإرادة والعزيمة باتت أقوى في سبيل تحقيق غايات وآمال عراض ظلّ يحلم بها السُّودانيون رغم ما يُحيط بالبلاد من تدهورٍ في الاقتصاد، أدى إلى إفراز واقع معاش يرفضه الجميع.
أولويات حكومية
أولويات كشف عنها رئيس مجلس الوزراء عبد الله حمدوك عقب أدائه اليمين الدستورية، باعتبارها أولى الخطوات المُقبلة في إدارة البلاد خلال المرحلة الانتقالية، التي على رأسها إيقاف الحرب وبناء السلام المُستدام والعمل عَلَى حَلّ الأزمة الاقتصادية الطَاحنة، وذلك بالتركيز على بناء اقتصادٍ قائمٍ على الإنتاج لا على المعونات والهِبَات، بجانب تحديد جُملة من الأولويات في مجالات عديدة منها السياسي والاقتصادي ستعمل عليها الحكومة في الفترة المُقبلـة، كما أكّد على بناء دولة القانون والعدل وإرساء نظام ديمقراطي تَعدُّدي في السُّــــــــــودان.
أولوية قُصوى
مهام ومطلوبات جمّة تقع على طرفي الحكم في المرحلة القادمة، رغم الواقع المَحفوف بالمَخاطر، وَسَط تَرقُّب وحَذرٍ ينتظر الجميع النتائج المرجوة، وتجاوُز العقبات، تجاه الأولويات التي سيبدأ بها شريكا الحكم المرحلة المُقبلة.
وفي هذا الصدد، قال المُحلِّل السِّياسي، الأستاذ بالجامعات السودانية د. بدر الدين رحمة في حديثه لـ(الصيحة)، إنّ تحقيق السلام العادل في السودان هو أولوية قُصوى، خَاصّةً في ظل وُجُود مَناطق كَثيرة مَا زالت مُتأثِّرة بالحرب، كما أنّ كثيراً من الحركات المُسَلّحة لم تُوقِّع على الاتفاقية، وبالتالي فإنّ إحلال وبناء السلام في السودان أولوية قُصوى، ولا تُوجد تنمية مع الحرب، ولا يُوجد استقرار مع الحرب، ولا تُوجد حياة أفضل أو تنمية مُستدامة في حالة وجود الحرب.
برنامج إسعافي
ثانياً، هنالك أزمة اقتصادية، تتطلّب وجود برنامج اقتصادي إسعافي على الأقل يُعالج المشكل الاقتصادي السائد الآن، بدءاً من عدم الثقة الموجودة بين المواطن والمصارف، ممثلة في عدم وجود السيولة، أو الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تتمثل في الخُبز والوقود وغيرهما، ففي حال لم يكن هنالك بناءٌ سليمٌ للاقتصاد من الصعب جداً تحقيق الاستقرار السياسي.
ضروريات مرحلة
مَسألة مُحاسبة مُنتسبي النظام البائد في الجرائم المرتكبة، أشار إليها رحمة أنها من ضروريات الفترة الانتقالية، بجانب إنشاء آليات دستور للسودان سواء كان على مُستوى مُلتقى دستوري دولي أو عقد المؤتمر الدستوري، هذا بجانب وضع عددٍ من الثوابت في السِّياسَة الخَارجيّة لتحقيق المصالح الاقتصاديّة هي أيضاً من أهم المَهام التي تَقَع على عَاتق الحُكومة الجَديدة، فَضْلاً عن تحقيق السِّياسات الكاملة تجاه التعليم والصحة وغيرهما في بناء الدولة، القضية ليست من يحكم السودان، وإنما كيف تَحكِم السودان وفقاً لسياسات واقعية.
خلافات عديدة
برزت خلافات عديدة من قِبل الحركات المُسلّحة والقِوى الرافضة للتوقيع على الوثيقة الدستورية، والتي قال رحمة: يجب التّعَامُل معها بنفسٍ طويلٍ طالما أنهم وقّعوا على الوثيقة، كما أن الرفض تكون على أسس وليس لأنهم وقّعوا فقط، هذا الأمر لا يبني دولة، ومضى رحمة إلى أن بناء الدول يحتاج الى تراضي أبنائها والتوافُق السِّياسي، ويجب أن نتوافق على حدٍّ أدنى للاتفاق لبناء دولةٍ جديدةٍ، وتوقّع رحمة أن ينظر الرافضون إلى مصلحة السُّودان.