صلاح الدين عووضة يكتب: أين عمري؟
صلاح الدين عووضة يكتب: أين عمري؟
بالمنطق
صلاح الدين عووضة
أين عمري؟
رمضان كريم..
وعنوان كلمتنا هذه اليوم سؤالٌ وجيه..
ثم هو عنوانٌ لفيلمٍ أيضاً..
وقصته عن واحدة – هي بطلته – بدَّدت عمرها ثم سألت: أين عمري؟..
وكان سؤالها بعد أن ضاع العمر..
وزميل دراسة كان يرد على أسئلة المدرسين له بعبارة (سؤال وجيه)..
ومعظم المدرسين هؤلاء كانوا يغضبون..
فهم الذين يحق لهم تصنيف أسئلة الطلاب لهم بأنها وجيهة، أو سخيفة..
وليس العكس، كما كان يفعل زميلنا هذا..
وذات حصة سأله أستاذ الرياضيات عن عمره بعد أن سمع بلعبه (البلِّي)..
وأن البلِّي هذا يشغله عن واجباته الدراسية..
فلعب البلِّي لا يجوز في حق من بلغ من العمر ما (بلَّغه) الثانوي العام..
فأجاب زميلنا – كعادته – إجابته نفسها (سؤال وجيه)..
فناداه المعلم إلى حيث يقف، ونادى من الزملاء من يجلب له سوطاً وجيهاً..
ثم صاح فيه: الآن سترى ما هو (أوجه)..
ولا أدري كم من سنوات عمره انقضت قبل أن يستبدل سؤاله ذاك بآخر..
وأعني سنوات عمره التي بدَّدها في البلِّي..
وبدَّد معها – أو مع البلي – قدرته على اللحاق بالركب الدراسي لزملائه..
والسؤال الوجيه هو (أين عمري؟)..
وسبق لي أن لاحظت شيئاً غريباً وأنا أتابع أحداث المسجد الأقصى الأليمة..
فقد منعت الشرطة من هم دون الخمسين من الدخول..
وأجرى مراسل إحدى القنوات مقابلة مع اثنين من الموجودين بالخارج..
فقال أحدهم أنه سبعيني، ورغم ذلك تم منعه..
بينما كان يبدو عليه أنه خمسيني، أو ربما أقل من ذلك..
ثم انتقلت الكاميرا إلى الثاني..
وكان يبدو في السبعينات من عمره… فإذا به يقول: أنا أربعيني..
فدهشت غاية الدهشة..
ثم تذكرت ما كنت كتبته قبلاً عن حقيقة الأعمار البشرية..
فكل إنسان لديه عمران..
عمرٌ يكتبه المشفى على ورَقِهِ لحظة مولده، وآخر تكتبه الحياة على ورقها..
تكتبه له – أو عليه – خلال مسيرته في دروبها..
وهو الذي يحدِّد ما تكتبه له هذا – أو عليه – الحياة، وفقاً لعوامل عديدة..
وفقاً لعوامل إيجابية، أو سلبية..
عدا عاملاً واحداً لا يد له فيه وهو الوراثة… بينما بقية العوامل بيده هو..
بيده هو أن يكون متصالحاً مع نفسه… ومع الحياة..
أو بيده هو أن يكون في حالة تجاذب مع نفسه فتتجاذبه… ومع الحياة فتجذبه..
تجذب راحته… فصحته… فعمره..
ثم حين يُسأل عن عمره – وقد بدا أكبر من عمره – لا يراه سؤالاً وجيهاً..
بل ربما يُجيب عن السؤال بتساؤل (أين عمري؟)..
وبلادنا لها من العمر ما يقرب من عمر الفلسطيني – السبعيني – ذاك..
ثم هي مثله ممنوعة من الدخول..
ليس من باب المسجد الأقصى… وإنما من الباب المؤدي إلى أسباب الحضارة..
وما ذاك إلا لأنها تسقط – دائماً – في امتحان الأسباب هذه..
مثل سقوط زميلنا ذاك في امتحان الرياضيات – دوماً – جراء لعب البلي..
أو جراء تبديد عمره – الدراسي – في البلي هذا..
ونحن نبدِّد لبلدنا – وذواتنا – عمراً نقضيه في الانشغال بلعب البلي السياسي..
فنحن – على الدوام – في حالة لعب..
فمن لدن الاستقلال – وإلى يومنا هذا – كلٌّ من سياسيينا يلعب لصالح ورقه..
ويمضي العمر، والتاريخ يسجل على ورَقِهِ..
يسجل أعمارنا – المحسوبة علينا تبديداً – ويسألنا من وقتٍ لآخر عن عمرنا؟..
والتي هي من عمر وطننا كذلك..
وبما أننا نشابه زميلنا ذاك – مدمن البلي – فسوف نردد مثله: سؤال وجيه..
نردده بكل سماجته… وثقالته… وبلادته..
ونوغل في مسيرة الحياة حتى بلغنا سبعين عاماً… وما زلنا نلهو بالبلي..
فنحن – في الحقيقة – أطفالٌ، رغم مظاهر الشيخوخة..
ولا أدري متى سننتبه إلى عمرنا المبدَّد – لهواً – ونسأل أنفسنا سؤالاً وجيهاً..
نسألها عقب كل جلدة (وجيهة) بسياط المصائب..
أين عمري؟