يحكى في قديم الزمان أيام الانتفاضة وبينما كان الطلبة في الشارع يهتفون (نحنا نموت ويحيا الشعب) كان بعض الناس في أرصفة أم درمان التي يحزنها أن تحصد كل هذه (الثروة القومية)… يرددون وهم يتأملون الطلاب في حسرة و(شفقة): (بريه الطلبه.. يموت الشعب)!!
لم يكن (الشفاتة) وقتها إلا جهاز إنذار مبكر لمنع (لغيلان) من التهام مسقبلهم المدخر…
في حقبة سابقة- أيام ثورة أكتوبر- ارتفع هتاف الخرطوم بعد استشهاد القرشي:
(مقتل طالب مقتل أمة..)، وسرعان ما سرى الشعار الهتاف في بقية مدن السودان المناصرة حتى وصل إلى مدينة بورتسودان بوجدانها العجيب وبلسانها المختلف والمحبب فحوّلته الي:
(تكتل طالب نكتل أمك).
ولا شك أن الهتاف في نسخته الأصلية والمعدلة لا ينأى بعيداً عن غرضنا، فكلهم يفصح عن الفجيعة و(حرق الحشا) بهذا الموت النوعي..
رغم أن المقام مقام فجيعة وموت إلا أنني تذكرت على نحو ضاغط تلك الطرفة لأحد أقربائي (الحلفاويين) الذي انخرط في نوبة بكاء هيستيري طويل في ابنه الشاب المتوفى لتوه… لم يستطع كل المعزين أن يفلحوا في جعله يتوقف عن البكاء ليرفع معهم (الفاتحة) حتى جاءه جاره وكان من مريدي الشيخ البربندي ومحبيه فقال(يا عثمان .. استهدي يالله.. الموت علينا حق ..هو الشيخ البربندي مات!!)، هنا ولدهشة الناس توقف بكاء عم عثمان ليرفع رأسه ويعاجل الجميع ساخراً وملتزماً بأسبابه وتبريراته للبكاء:
(هو الشيخ البربندي كان عندو ماجستير!؟).
ثمة من يجوس خلال الديار.. ويجهز المشهد لنسمع مجدداً هتافات الأطفال اليافعين في رياض الأطفال بتريد شعارات مثل:
(الدم قصادو الدم)
سيهتف الأطفال في طابورهم الصباحي ويتم تصويرهم وبث الفيديوهات على أوسع نطاق في تطبيع نوعي سالك مع الموت والدم والانتقام… ويا له من تطبيع.. تطبيع مع المستقبل حتى إذا ما ما متنا جميعاً واصل أطفالنا مسيرة الكفاح والموات السفاح.
وسفوح الدم المهراق في بلادنا تقول إن الموتُ يأتي على موعدٍ مضروب تكتبه جداول المواكب والمليونيات متى ما أزنِق الشيوعيون سياسياً… حتى إذا ما مات الناس في عروس الرمال اشتاقت للموت جداول (دبروسة) وتجار سوق ليبيا الذين أقفلوا متاجرهم واستعدوا للأسوأ..
بالله عليكم أيهما أجدى.. تسيير مواكب الموت..أم توقيف آلته وجرها من الشوارع… احتمالية الموت تتوفر فرصها عندما نرسل المواكب التي يصادف انها لا تساعد أحداً سوى الحزب الشيوعي.. فلماذا إذن نرسل إليها كل تلك الأرواح البريئة التي تقع مسئولية حفظها وحقن دمائها على الجميع.. وأكاد أجزم أن رحوع المواكب دون خسائر هو خبر سيئ لبعض الساسة ويا للأسف..
أنزنقوا في جدل تعيين رئيس القضاء والنائب العام وخار منطقهم فذهبوا إلى (التزوير) مع تحضير الجماهير للخروج متى ما انكشف المستور وعرف الناس بالمُستخبّي..
حاولوا أن يرغموا المجلس العسكري على تمرير تجاوزاتهم ليبدوا (مدنيتهم) المنتظرة بتكريس مرسوم (عسكري) يقضي بتعيين عبد القادر وعبد الحافظ!! فإن استحال تنفيذ مخططهم اختاروا التزوير واستدعوا احتياطي الدماء المتوفر دوماً.. شوية بوستات وشوية صور زايد كم قصة مفبركة ويكتمل الخروج وتبدأ المساومات..
وااا أسفاي من أن لا حل قريب، رغم حضور (حمدوك) المبشر.. فلا أمل في استعدال المشهد (المقلبن) وإنهاء حالة التطبيع الجارية ما بين الموت والجماهير، إيقافاً للنزيف وإعلاءً لقيمة الحياة، فمتى يتم استعادة شبابنا من أحضان الذئاب.. ليعودوا مرة أخرى (أفراحنا البنمسح بيها أحزان الزمن).. طفح الكيل وعيل اصطبارنا انتظاراً لمن يفعلها، لنغني له ونشكّره :
يا خدرة الليمون..
ياضو الرفاقه الـ (للعروض) مأمون
سموك اللزوم القاطع المصنوم…
قضاي الغروض الـ (للفقر صابون).