امتحان ديمقراطي..!

ليتنا جئنا إلى العالم قبل اختراع التلفزيون والسينما لنعرف هل هذه حقائق أم أننا نتقمّص ما نراه”.. خالد أحمد توفيق..!

قبل سنواتٍ، قرأت مقالاً لأحد كُتّاب صحيفة “الجارديان” البريطانية، تناول فيه استباحة مجلة “فانيتي فير” الأمريكية ذائعة الصيت لخُصُوصية مخرج هوليوودي شهير، تمّت إدانته بجريمة أخلاقية قبل سنواتٍ من خُضُوعه – من جديد – لمُحاكمةٍ قوامها تُهمة شبيهة بسابقته تلك، لم يكن قد صَدَرَ حُكمٌ قضائيٌّ بشأنها، وعليه فقد استنكر كاتب المقال استباحة المجلة لخُصُوصية الرجل بانتهاجها نشراً لمعلوماتٍ خَاصّةٍ تضر بسُمعة مُتّهم لم تثبت إدانته، مُدافعاً عن عدم المَسَاس بحق الرجل القَانُوني والإنساني بناءً على صُورةٍ ذهنيةٍ تَشَكّلت وفقاً لإدانة سابقة له في ذات السياق..!

قراءتي لذلك المقال تزامنت – وقتها – مع أوار معركة أدبية شهيرة اندلعت بين كاتبين شهيرين.. وقد كان البعض يرى أنّ ألفاظ أحدهما الخادشة للحياء، وأنّ قلة أدبه في مُخاطبة الرموز سببٌ كافٍ للوقوف موقف المُتفرِّج على اتّهام الآخر إيّاه بسرقة فكرة عمل أدبي..!

يومها استشهدت – في معرض تأكيدي على وجوب الوقوف مع حق المُتّهم في افتراض براءته حتى ثُبُوت إدانته – بموقف كاتب صحيفة “الجارديان” من استباحة مجلة “فانيتي فير” لخُصُوصية المُخرج الهوليوودي، في مُواجهة الذين كانوا يرون أنّ الروائي الشاب قليل أدب وقليل حياء، لذا فهو وإن كان لا يَستحق الاتّهام بالسّرقة فهو – على الأقل – لا يَستحق الدفاع عن حَقِّه في البَرَاءة من تُهمة لا دليل عليها..!

وجه الشّبه الحَاضر والمَعلوم بالضّرورة، يكمن في أنّ إحقاق الحق واجبٌ ديمقراطيٌّ، لا يخضع لموقفك من صاحب الحق أو رأيك في أحقيته بتأييدك أو تعاطفك بقدر ما هو مسؤولية أخلاقية تتطلّب حياداً عادلاً ونزاهةً مهنيةً لا تَشُوبَها شَوائب الآراء الشّخصية والمَواقف الخَاصّة..! 

تُناقش مواقع التواصُل الخاصّة بالصحفيين هذه الأيام خبر حادثة اعتداء زميل صحفي على زميلٍ آخر، على خلفية مقال صحفي، كان المُعتدى عليه قد عرض بالمعتدي من خلاله، وقد لاحظت أنّ تبايُن الآراء بشأن مثل هذه المواقف يتأثّر أحياناً بالموقف الشخصي أو السياسي من كل طرفٍ..! 

نحن ننتمي إلى مهنةٍ مَن كان منا بلا خطيئة مهنية في نظر آخر ينتمي إليها فليرمِ غيره بحجرٍ.. وعليه فإنّ الوقوف مع حق الكاتب الزميل في حرية التعبير هو امتحان الديمقراطية الحق الذي يجب أن يجتازه الصحفيون بنجاحٍ، قبل أن يُطالبوا السِّياسيين بأن ينجحوا في اجتيازه..!

وعلينا – دوماً – أن لا ننسى أنّ قيمة الإنسان هي شجرة وعي، وأنّ الديمقراطية هي أهم عناصر تمثيلها الضوئي..! 

منى أبو زيد

[email protected]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى