*مدينة سودانية بالفطرة على عاتق الحكومات..*
أبيي قضية دولية..إلى متى يستمر الصراع الطويل
تقرير: صديق البصيلي
أبيي تلك المنطقة المتنازع عليها بين السودان ودولة جنوب السودان منذ عقود طويلة والتي ظلت منسية و معلقة على طاولة الاتفاقيات الدولية التي لم تفصل في شأنها غير وضعها شروط إنها تعيش منزوعة السلاح ومحروسة تحت إمرة بعثات أممية تتبادل عليها في أماكن محدودة، ورغم وجود البعثة الأممية المؤقتة «اليونيسفا» المعنية بحفظ الأمن -الآن- المنطقة تعيش في اقتتال عبثي مستمر دون توقف لأسبوعاً واحداً بين قبيلتي «المسيرية» و«دينكا نقوك» بسبب الإحتكاكات خاصةً في فصل الصيف الذي يشهد تداخلات في مناطق واسعة ولاسيما في الجزء الشمالي من أبيي بين المكونات التي تتمد دائماً في سبيل البحث عن الكلأ والماء لرعاة المواشي بعد ان حصدت أرواحاً عديدة بين الطرفين وباتت هذه الأحداث المتكررة أمراً مُقلق للجميع، حاولت الإدارات الأهلية بين الأطراف بالتنسيق مع البعثة الأممية معالجة المشكلة في عدة مرات عبر مؤتمرات صغيرة تهدف لوقف العدائيات والتعايش السلمي لكنها لم تفلح في ذلك، بعد إن أستعصى الأمر وأصبح فوق طاقة المكونات المحلية ولازالت الاعتداءات متكررة بشكل وحشي الأمر الذي يستدعى تدخل حكومات الدولتين لوقف الصراع الذي يكمن سببه الأساسي ما بين الحدود والموارد.
قتل ونهب
لقي ثلاثة من رعاة الأبقار العزل من أبناء المسيرية حامد الرحيمة الحاج، وشقيقه أحمد الرحيمة الحاج، وأبكر جوك بخيت، مصرعهم وجرح عدد (٥) أخرين أمس الخميس بمنطقة «لوكي الأبيض» شمال أبيي في محاولة لنهب أبقارهم من قِبل حركة شباب مليشيات تسمى بـ(تيتباي) تتبع لدولة جنوب السودان تحمل عتاد من الأسلحة الخفيفة والثقيلة، وتم إبلاغ قوات اليونيسفا بالمنطقة في الحال وأجرت اللازم في تتبع الأثر وإسعاف مصابين المسيرية إلى مستشفى أبيي التابع للأمم المتحدة.
وأفاد محمد يعقوب ناني من منطقة الداير شمال أبيي لـ(الصيحة) إن رعاة الأبقار كانوا في غفلة وهدوء دون أن يشعروا بالخطورة في سيرهم وقعوا على (كمين) تم نصبه من قبل مليشيات تيتباي التابعة لجنوب السودان مما كبدهم خسائر فادحة في الأرواح والجرحى. وفي ٢٧ مارس المنصرم، تم الاعتداء على رعاة الأبقار -أيضاً- من أبناء المسيرية بمنطقة «فيض سليمان» بالقرب من منطقة قولي شمال أبيي في حادث مشؤوم راح ضحيته (٣) فرداً حلو بخيت ونافع هني وعلي كوكو وتم تأمينهم بأبشع صور التمثيل مع نهب كمية كبيرة من الأبقار. وفي ١ أبريل تم نهب (٤٠) رأس من الأبقار من المسيرية بمنطقة النقار ليلاً. وطالب عدد من أهالي شمال أبيي حكومة السودان بالتدخل لتأمين المنطقة التي شهدت أحداث متكررة هذا الموسم خاصةً في فصل الصيف.
مؤتمر أم بلايل
وفي ٢٣مارس نظمت البعثة الاممية المؤقتة المعنية بحفظ الأمن بمنطقة أبيي(اليونيسفا) مؤتمراً للتعايش السلمي بمنطقة «أم بلايل» استمر لأربع أيام واختتم أعماله في أول رمضان الجاري بين المسيرية ودينكا نقوك والتأم المؤتمر في جلسات التفاوض من أجل الوصول إلى اتفاق ينهي الصراع الدائم بمنطقة أبيي عموماً وكان ذلك بمشاركة أطراف التفاوض من الإدارة الأهلية والشباب والمرأة والاعيان من الجانبين وخرج المؤتمر باتفاق الأطراف على توقيع وثيقة للتعايش السلمي أهمها وقف العدائيات، وحرية الحركة والتنقل داخل حدود أبيي، دون قيود اضافة إلى سحب المليشيات والمجموعات المسلحة داخل صندوق أبيي، تكثيف الدوريات من بعثة اليونيسفا المعنية بحفظ الأمن والسلام، بجانب مناشدة شركاء السلام بدعم المجتمعين وتوفير الاحتياجات الانسانية واقامة الورش والندوات عن ثقافة السلام. وطالب الأمير اسماعيل حامدين وكيل نظارة المسيرية العجايرة، الحكومة بتوفير إدارة مشتركة لحفظ الأمن وتحقيق العدالة إلى جانب توفير الخدمات الصحة والتعليم والمياه وقال حامدين لـ(الصيحة) انهم جلسوا بنفوس مفتوحة ونية خالصة للسلام، وعبَّر جوزيف مون ممثل شباب دينكا نقوك، عن سعادته بهذا المؤتمر الذي ناقش قضايا السلام وتحسين علاقات الجوار وقال هذه فرصة ذهبية للتفاكر ومعالجة المشكلات آملاً ان تترجم التوصيات على أرض الواقع. فيما عبَّر إدريس حميدان النزل، عن ارتياحه لهذا التوقيع مُبيِّناً الفرصة التي تم إغتنامها تؤكد تحسين العلاقات وتناسي مرارات الماضي نسبةً للمصالح المشتركة وبناء المستقبل والسلام المجتمعي.
اجتماع بالقصر الجمهوري
وفي ٢ أبريل الجاري رأس نائب رئيس مجلس السيادة الإنتقالي الفريق أول محمد حمدان دقلو بالقصر الجمهورى اجتماع اللجنة العليا للإشراف السياسي والإداري على منطقة أبيي لمعالجة الأوضاع الأمنية بالمنطقة. وأوضح الأكاديمي والمحلل السياسي الدكتور محمد عبد الله ودابوك مقرر اللجنة في تصريحات صحفية لوسائل إعلام مختلفة ان اللجنة وقفت من خلال الاجتماع على الأوضاع الإنسانية والأمنية بمنطقة ابيي ووضعت موجهات تتعلق بحفظ الأمن والاستقرار وأمّنت على ضرورة خلق بيئة طيبة للتواصل بين قبيلتي دينكا نقوك والمسيرية وان تراعي الحلول السياسية رغبات الأطراف المعنية بمستقبل المنطقة. وأكد مقرر اللجنة ان السودان يتبنّى اتجاه تحقيق تواصل إيجابي مسؤول لاحداث اختراق يصب في تعزيز الأمن والاستقرار ويدعو دولة الجنوب لمواصلة الجهود المشتركة لتحقيق التنمية وتوفير الخدمات الأساسية وبناء السلام. ولفت سيادته الي ان منطقة ابيي تحتاج لملء الفراغ الإداري الحكومي وإيجاد سلطة للتواصل مع المواطنين مشددا علي ضرورة تنفيذ إتفاقية الترتيبات الإدارية والسياسية المتفق عليها بين البلدين والمدعومة من المجتمع الدولي من أجل مصلحة المواطن.
قضية في مهب الريح
ويرى الكاتب الصحفي بصحيفة (الصيحة) شاكر رابح، إن منطقة أبيي المتنازع عليها بين السودان وجنوب السودان والتي تتبع اداياً إلى ولاية غرب كردفان قادت إلى أجواء الصراع والاحتراب بين مكونات المنطقة بسبب عدم إحتراف إحدى القبيلتين المسيرية ودينكا نقوك بالأخرى كمواطنيين أصليين، وأرجع رابح تاريخ النزاع في المنطقة منذ العام ١٩٦٥ عندما وضعت المنطقة ضمن حدود شمال السودان فكان للجنوب في ذلك الوقت رأى آخر ومؤخراً أحتدم الصراع بين السودان ودولة جنوب السودان الوليدة لأسباب اقتصادية ولوجستية، وأضاف: إن ورفع قضية أببي لمحكمة العدل الدولية التابعة للأمم المتحدة فاقم القضية، حيث لم يحسم الحكم الصادر من المحكمة الحدود الجغرافية التي سوف يجري فيها الاستفتاء الذي يحدد فيها السكان البقاء في الشمال أو التبعية لدولة الجنوب، ونبَّه إلى عقب ثورة ديسمبر المجيدة انشغل الساسة والحكام الجدد بقضايا مركزية وملفات داخلية بحتة تاركين قضية أبيي وقضايا أخرى كثيرة شائكة في مهب الريح دون متابعة، مُبيِّناً إن حكومة دولة الجنوب أنشغلت -أيضاً- بقضاياها ونزاعها الداخلي غير إن الاجتماع الذي التئم بقادة حميدتي قد يفتح الباب أمام وضع حلول لهذه القضية المنسية وقد فعل خيراً القائد بتأكيده على إنه حلها إلا بالحوار والتفاهم والتعايش والتعاون المشترك بين سكان المنطقة وايقاف التحريض القبلي الذي لا يؤدي إلى لاشعال الفتنة وأعمال العنف والنهب.