اجرِ يا نيل الحياة …
اقترحت ذات موسم خريفي مترع، متزامناً مع حالة اقتصادية مأزومة ونقص في الثمرات، ما أشبه الليلة بالبارحة ..
اقترحت حظر قصيدة (عجبوني الليلة جو ترسو البحر صددوه) !! التي نقابل بها دائماً موسم الخير والبشارات وتدفق الأنهر والفيضانات.
على أننا (بثقافة المقاومة) هذه، كما لو أننا نحوّل نعمة الخريف إلى نقمة، فلا يرى (تلفزيوننا الرسمي) وفضائياتنا غير الرسمية، إلا برمجيات حشد الوجدان الشعبي بأدب مقاومة فيوضات المياه، لا يرون في موسم الخريف إلا فصلاً للكوارث والمخاطر !! … حتى قال صديقنا الصحفي أحمد عبد الوهاب ذات مقال مترع متدفق، نحن لا نرى في نهر النيل إلا عابر سبيل !!
* وتكمن خطورة هذه الثقافة في أننا لا محالة، سنهلك كل إمكانات دولتنا الشحيحة أصلاً، من خيش وآليات وأناشيد في عمليات المقاومة هذه، حتى إذا جاءت لحظات الإنتاج والحصاد لا يجدون ما يخيشون عليه، تولوا وأعينهم تفيض من الحسرة والندم حزناً ألا يجدوا ما يحرثون ويزرعون ويحصدون !
* الآن يتكرر السيناريو المحزن، بحيث تطغى مفردات المقاومة في المشهد الخريفي على كل المشاهد الأخرى، فلا مفردة تعلو على مفردة المقاومة !!
وللذين يقرأون بتسعف وأجندة مسبقة.. نحن لم نقل بإهمال التحوطات، وعمل وقايات لحماية ممتلكات الأهالي، بشرط ألا يكون ذلك غاية جهدنا، فلا نرى أبعد من المياه التي تحت أرجلنا، ولما تنحسر المياه ويعود القاش إلى غمده، كما لو أنه سيف استل ذات معركة، تزداد حسرتنا بأننا لم نستثمر موسم الخير كما ينبغي !!
* إلى متى نظل تلك الأمة التي تبكي الجفاف والتصحر عشرة أشهر من العام، وفي المقابل نبكي شهرين مترعين من احتدام تدفق المياه!! ألا يوجد عبقري سوداني يوجِد لنا مقاربة بين الحالتين المتناقضتين !!
* على أية حال، نحتاج أن نزرع في أفئدة ناشئة وتلاميذ المستقبل، عبر منهج علمي متسق مع تطلعنا الاقتصادي، بأن الخريف موسم خير يجب أن نقابله بالفرح والأناشيد والأهازيج، وليس موسم شر وكوارث وتوجس، نقابله بالسيوف والدفوف والمقاومة !!
فلماذا أصلاً توجد مساكننا على سفح الأنهر ومكامن الخيران!! .. حتى يصير كل همنا في الخريف الدفاع عن (بيوت الجالوص) التي بُنيت في المكان الخطأ !!
* يا جماعة الخير.. فليس أقل من أن ننتخب بالإجماع قصيدة (اجرِ يا نيل الحياة لولاك ما كانت حياة)، قصيدة للموسم، فنجعلها قصيدة يوليو وأغسطس، ونضعها على شفاه الفضائيات وقارعة الأسواق والمقاهي ولسان الإذاعات.. هذا .. أو اليباب والفقر ومزيد من تقهقر الجنيه السوداني !!
* سادتي دعوا النيل يتدفق في تلك السهول العطشى الحيرى.. وردّدوا معه اجرِ لولاك ما كانت حياة.. ثم وفّروا ما بأيديكم من معاول وآليات وخيش للزراعة والإنتاج .. فباكر يروح القاش والخريف .. ويكون حصادنا العدم !! .. تصبحون على خير