ننتظر الكفاءات المستقلة القوية الأمينة
والمُنتظر في التعيينات التي ستكون في الأيام القادمة للوزراء والولاة وغيرهم، أن يكون أصحابها (غير حزبيين) (مُستقلين) (كفاءات)، شخصيات ذات كفاءةٍ من أهل السُّودان تجتمع فيهم (القوة والأمانة)، ولا بُدّ من اجتماع الأمرين (القوة والأمانة)، فقد يُكَلّف بالعمل من هو أمينٌ، إلا أنّه ضعيف الشخصية لا يستطيع الضبط وليس لديه من الحزم مَا يجب؛ فتضيع الحُقُوق بضعفه أو قد يكون ضعيف الأداء ولا يعرف الإنتاج ولا البذل فتكون ثمرته (لا شيء)، وقد يُكَلّف القوي ذو الحزم، إلا أنّه لا يكون أميناً فيتلاعب بالمهام والصلاحيات أو الأموال أو المُمتلكات وغيرها، ومن عدم الأمانة وتضييعها أن يكون دينه رقيقاً لا يَخاف من الله ولا يخشى من أكل المال بالباطل ولا يهمه رضا الله تعالى وإبراء الذمة والكسب الحلال وكذلك سترة الحال، ويُؤكِّد هذا المعنى ما ورد في قول نبي الله يوسف عليه السلام عندما قال للعزيز: (قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) فقد ذكر الحفظ وهو من الأمانة، فإنّ الأمين هو الذي يحفظ الحقوق ويُؤدِّيها، وذكر العلم وهو المعرفة بالأمور وخبرتها وإدراك مَا يَجب حفظه، وهذا من الأمانة لأنّ ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجبٌ، فإنّ أداء الأمانة يُوجب مَعرفة كيف يكون أداؤها وحُدُود ذلك، وأيضاً العلم يَتَضَمّن الإشارة للقُوة عَلَى التّنفيذ، فهو يَعلم أنّه أهلٌ لتحمُّل الأمانة ولحفظها وقادر على أداء ما يجب عليه فيها.
إنّ الوظائف هي بمثابة عُقُودٍ بين المُوظّف وصاحب العمل، سواء كان صاحب العمل هو الدولة أو شركة أو مُؤسّسة خَاصّة، أو شخصاً، والإسلام قد أوجب الالتزام بالعقود قال الله تعالى: (أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) وإن مما سيسأل عنه المرء يوم القيامة: (وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه؟) رواه الترمذي وقال حسن صحيح وصححه الألباني، فإنّ كل من يأخذ أجراً على أيِّ عملٍ يُؤدِّيه يجب عليه أن يؤدِّي العمل بما (يحل له) الأجر الذي يأخذه، وذلك بأدائه كَمَا تَمّ الاتفاق عليه، بل إنّ الإسلام يأمر بإتقان العمل وتجويده، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إِنَّ اللهَ تَعَالَى يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلًا أَنْ يُتْقِنَهُ” رواه البيهقي وحسنه الألباني.
إنّ واقع كَثيرٍ من الناس في أداء الأمانة التي تحمّلوها في وظائفهم وأعمالهم واقعٌ مُؤسفٌ ومُحزنٌ، بل إنّه واقعٌ مُزعجٌ جداً!! فقد ضُيِّعَت الأمانة لدى كثيرين إلا من رحم الله، والأدهى والأمر أنّ بعضهم لا ينزعج من تضييعه لها! بل تَرَاه فرحاً مَسروراً، وهو يحسب أنّ بذلك قد حَقّقَ شيئاً من التوفيق بدهائهٍ ومكرهِ، فهو بذلك قد أعطى نفسه راحتها! وحقها! وقد تكسب وأخذ الراتب أو الأجر بدون تعبٍ أو جهدٍ!!
والأمر المُؤسف حقاً أنّ بعض الذين يلتزمون أدَاء الأمَانَات ويحسنون أداء أعمالهم ويجتهدون لإبراء ذمتهم ينقلب حالهم بتقليدهم من يضيعون الأمانات! ويصبح للمُضيّعين الأثر السيئ على آخرين.
إنّ من أعظم صُور تَضييع الأمانة فيما يتعلّق بالوظائف أن يُوسّد العمل إلى غير ذوي الكفاءة، مَع وُجُود من يقوم به خَيرَ قيامٍ، لمصالح شخصية أو مُحاصصات حزبية أو تكتيكات سياسية أو غيرها من الأغراض الدنيوية فينتج عن ذلك ضياع عظيم وفساد عريض، وقد جاء في الحديث الذي رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة) قال: ما ضياعها يا رسول الله؟ قال: (إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة).
إن المأمول والمبتغى والواجب المتحتّم هو العمل بما دل عليه الكتاب العزيز وسنة الرسول عليه الصلاة والسلام، فقد قال الله تعالى في كتابه الكريم: (قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ ۖ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) إنّ القوة والأمانة هما من أعظم ما ينبغي تحققهما في الوزير أو المُوظّف أو العامل، والقوة يُراد بها قدرته على إنجاز وأداء ما يُكَلّف به من أعمالٍ، والأمانة يُراد بها أداؤه للأعمال كما يجب، وحفظه لها، والآية قد وردت في قصة نبي الله موسى عليه السلام عندما سقى للمرأتين وقد ظهرت قوته في رفعه للصخرة أو الحجر عن البئر، وظهرت أمانته في تعامله مع المرأة عندما طلب منها أن تمشي وراءه وهو أمامها وفيما ظهر لها في الموقف من حديثه وسمته وخُلقه.
نسأل الله تعالى أن يُوفِّق القائمين – في هذا الوقت الحرج – على أمر بلادنا لإبراء ذمتهم وأداء أمانتهم بتكليف ذوي الكفاءة والأمانة، فإنّ اختلال أحدهما وَبَالٌ على الفرد والحكومة والمُجتمع خَاصّةً وأهل بلدنا يعيشون أوضاعاً مأساوية في هذه الفترة، والفرج من عند الله سبحانه وتعالى يسخّر له من يشاء من عباده.