تقرير: عبد الله عبد الرحيم
بُعيد أدائه القسم رئيساً لوزراء الحكومة الانتقالية في السودان، شرع الدكتور عبد الله حمدوك ــ القادم لتوه من العاصمة الاثيوبية أديس أبابا لتحمّل أثقل أعباء حكومة ما بعد التغيير الانتقالية ــ شرع في تلمّس الطريق نحو تشكيل الحكومة الانتقالية التي سوف يديرها لمدة ثلاث سنوات من الآن، وذلك بزيارته لدار تجمع المهنيين أمس، كما أجرى د. عبد الله حمدوك، لقاءات وصفها بـ”المشاورات الأولية” بغرض تشكيل الحكومة المرتقبة جمعته مع زعيم حزب الأمة القومي الصادق المهدي، وقادة في قوى إعلان الحرية والتغيير في منزل الصادق المهدي بمدينة أمدرمان.
وأشار حمدوك إلى أنه بدأ في مهمة اختيار وزراء الحكومة الانتقالية المقبلة بحسب المعايير التي تم الإجماع عليها، وهي الكفاءة والقدرة على إحداث التغيير، مع الوضع في الاعتبار القيم التي توافقت عليها قوى الثورة السودانية.
وبحث حمدوك مع قيادات قوى الحرية التغيير، ملامح المرحلة المقبلة ووضع البلاد الاقتصادي والسياسات الجديدة في اجتماع مغلق ناقش أيضاً قضية السلام، باعتبارها أولوية المرحلة المقبلة. وحضر الاجتماع كل من صديق يوسف، وعمر الدقير وصديق بولاد، ومريم الصادق المهدي. وكان حمدوك قال عقب اليمين الدستورية الأربعاء إن أولويات الفترة المقبلة في السودان هي إيقاف الحرب وبناء السلام وحل الأزمة الاقتصادية الطاحنة.
من جانبه، أكد المهدي أن قوى الثورة ستدعم الحكومة الجديدة بقيادة حمدوك لتحقيق الأهداف التي يتوق إليها الشعب السوداني في النهضة والازدهار دون إقصاء لجهة، مع تحقيق العدالة الانتقالية ومحاسبة المفسدين والمسؤولين عن الجرائم التي ارتكبت في حق الناس وفق القانون.
فهل ينجح الرئيس الجديد في إعلان الحكومة الجديدة كأول اختبار جدي لتجربة قوى التغيير، وهل سيخرج من معركة إعلان تشكيل الوزارات بالصورة التي ترضي طموحات الشعب السوداني؟ وما مدى التزامه بالمعايير في عملية اختيار الوزراء؟ أم إنه سيكون لقوى الحرية والتغيير تدخلات قد توقف معاييره في محطة رغبة قوى الثورة وليست الكفاءة التي يؤمن بها؟
المواطنة والكفاءة
مطالبات هي من نوع الاعتماد على الكفاءة والمقدرة على التغيير، دفع بها دكتور السر محمد علي الأكاديمي والمحلل السياسي لمنضدة رئيس الوزراء الجديد عبد الله حمدوك، مُزِيداً بضرورة تفريغ حكومته للاهتمام بملفات زيادة المدخولات لخزينة الدولة عبر التنمية الاقتصادية والزراعية والإنتاجية، وقال إنه طالما تواطأ الجميع على تشكيل الحكومة وفقاً لمعايير الكفاءة والقدرة وتحقيق العدالة الانتقائية، فإنه من أهم أولويات المرحلة المقبلة الاهتمام بالتنمية الكلية، وما لم يتحقق ذلك، فلن تستطيع الحكومة التي تحمل أحلام الملايين من الشعب السوداني أن تلبي تلك الطموحات. وقال: يجب ألا يرفع السيد رئيس الوزراء آمال الناس أكثر من الواقع، لأن المشاكل التي تُحيط بالبلاد كبيرة جداً، وقد تجعل الأمر عصياً على الحكومة تجاوزه فهي قديمة ومتشعبة، ويجب الاعتراف بأن الحكومة الانتقالية لن تتمكن من إنجازها كلها. وقال السر إن خطوة نجاح حمدوك تكمن في السعي والعمل على إقناع قيادات الحركات المسلحة بوضع السلاح والعودة إلى البلاد للمشاركة في تحمل الأعباء والمساهمة في بناء سودان جديد. الحقوق فيه على أساس المواطنة والكفاءة والقدرة على العطاء.
استقطاب الخبراء
فيما أقر الأستاذ عبد الجليل أحمد المحلل السياسي، بأن أحد نجاحات حكومة حمدوك القادمة يكمن في أن تتفرغ لاستقطاب الخبراء والكفاءات لوضع خطط اقتصادية وتنموية، بجانب معالجات عاجلة للأوضاع المعيشية اليومية شديدة الهشاشة بأن تجعل الحد الأدنى للأجر النقدي مرناً بحيث يكون قادراً على الدوام على استيعاب الزيادات التي تطرأ على السلع والخدمات من وقت لآخر، وهذا بالطبع أمر شديد الصعوبة، لكن يمكن تحقيقه، وقد سبقتنا إلى ذلك دول أفريقية كثيرة. وقال إن التنمية المعنية التي يمكن أن تعمل على نجاح الحكومة الانتقالية هي التي تشمل أيضاً تطوير القيم والمعايير والهياكل الاجتماعية، والبنى الخدميّة كالتعليم والصحّة والترفيه، بجانب الاستغلال الأمثل للموارد الإنتاجية الموجودة، النادرة والمعطلة، وتعزيز القدرات الاقتصادية من أجل تحسين المستقبل الاقتصادي ومستوى المعيشة، فهي عبارة عن عملية يقوم خلالها الشركاء من القطاع الحكوميّ وقطاع الأعمال بالإضافة إلى القطاع غير الحكومي، بالعمل بشكلٍ جماعيٍّ من أجل توفير ظروفٍ أفضل لتحقيق النمو الاقتصاديّ وخلق فرص العمل، وتحقيق النمو الاقتصادي. وزاد بأن حكومة حمدوك سوف تبدأ من حيثُ انتهى الآخرون، من أفكار جديدة ومعرفة وتقنيات وبنى تحتية مناسبة ومؤهلة في كافة المجالات، وتطوير آليات عمل القطاع الخاص. وأبان أن أكبر المعوقات التي ستواجه الحكومة الانتقالية هي عدم توفّر القوى العاملة ذات المهارة العالية. وطالب حمدوك بأن تعمل حكومته في صمت، دون حجب المعلومات عن وسائل الإعلام، درءاً ودحراً لتشجيع الفساد والمحسوبية والعمل بالشفافية، على أن يشمر وزراء حمدوك سواعد الجد والعمل، لأن المرحلة للبناء والإعمار.
المحاصصات السياسية
ويوجه حزب التحرير الإسلامي اتهامات لقوى إعلان الحرية والتغيير بأن الحكومة الانتقالية التي بدأت هذه القوى في تشكيلها قد سقطت في مستنقع المحاصصات السياسية والجهوية، ويقول بأن هذه القوى تواجه منزلقاً سيئاً في خطوتها لتشكيل الحكومة الانتقالية، مما تترتب عليه مخاصمات ومشاكسات تكشف حقيقة الفراغ الفكري والسياسي الذي تحمله هذه المجموعات لحكم السودان، وقال الحزب: لا محالة أن أي تنظيمات اتجهت إلى اختيار حكامها ومتنفذيها على أسس جهوية أو محاصصات سياسية، دون النظر إلى أساس فكري، لن تحقق التغيير الحقيقي الذي يعبر عن إرادة أهل البلد وعن عقيدتهم، وستكون بالتالي مدخلاً للأجندة الاستعمارية، التي دمرت بلادنا وأوردتها موارد الهلاك.
خيارات حمدوك
فيما يرى دكتور أبوبكر آدم أن الحكومة الانتقالية القادمة لن تبنى على المحاصصات بناء على توجهات الرجل القادم بقوة (حمدوك) لقيادة الحكومة الانتقالية.
وزاد أبوبكر أن الكفاءة والمقدرة على العطاء والذهن المتفتح بجانب الخبرات العملية هي المعيار الحقيقي لعملية اختيار الوزراء وليس الاتجاه السياسي كما يشير إليه البعض، مؤكداً بأن قوى الحرية والتغيير حتماً ستكون لها الفرصة في رفع أسماء من تثق في مقدرتهم وكفاءتهم لرئيس الوزراء، ولكن الأمر الأخير حتماً بيد السيد رئيس الوزراء ولا أحد يمكن أن يجبره على اختيار لم يجد فيه المعيار الحقيقي الذي رسمه. مزيداً بأن الظن هو أن حمدوك وضع اشتراطات لقوى الحرية للقبول برئاسة الوزراء في هذه المرحلة الحرجة والحساسة خاصة وأنه قد تم عرض منصب وزير المالية له خلال العهد البائد ولكنه رفض لقناعته بأنه لن يستطيع تقديم ما يفيد تلك الحكومة وهي قد تم تكوينها بأصابع غيره ولم يراع الجوانب المعيارية من الكفاءة والقدرة وغيرها من الحياد والوطنية والتجرد، وإلا لما وافق الرجل لقبول المنصب في عهد أكثر تهالكاً.
وقطع د. أبوبكر بأن الحكومة القادمة سوف تقدم من الكفاءة ما يجعل برنامجها القادم مقنعاً لكل القوى السياسية بما فيها القوى المعارضة لقوى الحرية والتغيير والذين يرون باستحالة الأمر لحمدوك في ظل هذه الظروف البالغة التعقيد.