نحن قوم نحب اللايوق بمشتقاته، ونكره اللياقة في صفات البشر
محمد علي التوم من الله يكتب :
نحن قوم نحب اللايوق بمشتقاته، ونكره اللياقة في صفات البشر
تعمل الكسرة والعصيدة والقراصة مع المفاريك بنظام الـ(تيم ورك).
لكل أمة من الناس عادات وتقاليد ولهجات خاصة بها، بل ولكل قبيلة مثل ذلك. وتقريباً فيما يجمع بينها ويميزها في مجال الوجبات ونظم تناولها قواسم مشتركة.
يتيح شهر رمضان المعظم مهرجاناً بديعاً تتجلى فيه موروثات متنوعة، ويحظى السودان منها بما يوطد حميمية التكافل والتجانس بين مختلف مواطنها الجغرافية وتمازجها المتين. ويجعل (السودانيوية) بموجبها ماركة مسجلة من بين الشعوب. والوجبات الشعبية السودانية العريقة ما يولف بينها كقاسم مشترك اعظم الكسرة والملاح. لذلك جرت أمثالنا الشعبية فيقال إن فلاناً (أكلت معه كسرة ملاح) . هذا ما يستوجب الوفاء له وتحريم الخيانة، فهو صديق إذن وحبيب.
ونقول اصطلاحاً لكل المتطلبات المعيشية (قفة الملاح).
والملاح الشعبي السوداني لمعظم أقاليم السودان ما يميَّزه هو الملاح المفروك، وله مسميات متنوِّعة ومواصفات لا تحصى، فمعظمها يجنح للطبيعيات من المتاح في البيئة السودانية من خضروات ولحوم وألبان وبقوليات، بل وأيضاً حتى بمنتجات أوراق بعض الأشجار التي تصلح لذلك.
ولكل ملاح اسمه الشعبي الخاص ومكوِّناته البسيطة سهلة الإعداد. وتوأمة الملاح في الوجبة السودانية الشعبية الأصيلة هي الكسرة والعصيدة والقراصة التي تكون من دقيق الذرة والقمح والدخن. أما ما يميِّز الملاح فيما يسمى بالوجبات البلدية فهو بطبيعة الحال الملحات التي تتصدر المائدة الشعبية من المفاريك كالويكا والبامية والملوخية والورق والويكاب واللوبا. هذا في الغالبية العظمى، ولكن كما أسلفنا هنالك ثمة ملحات كثيرة أخرى منتشرة خصوصاً في الأقاليم منها ما هو بسيط جداً في الإعداد لمكوناته (قدر ظروفك) كملاح (امتكشو) و(أم شعيفة) والقائمة تطول. والناس في حبهم لأكلاتهم وملحاتهم الشعبية أفردوا لها أشعاراً وأهازيج تمجِّدها كملاح أم رقيقة التي يقول شاعرها:
أم رقيقة بوخك طلع أنت أحلى من القرع
أم رقيقة أكل الملوك أنت أحلى من السجوك
أم رقيقة طعمك رهيب أنت أحلى من الذبيب
وهنالك روايات متعددة لقصيدة أم رقيقة.
أم رقيقة هي الأخت الشقيقة للتقلية، والكل ما يجمع بينهم الويكا تحت مظلة ملحات الويكا.
تعتبر الويكا هي العمود الفقري لمكونات أي ملاح يؤدي إلى ترابط وتجانس وقوام الملاح، ويدخل كل عنصر من الويكا في ملحات أخرى لزوم قوة اللياقة أمثال ملاح اللوبا والورق والويكاب وغيره.
ولعل البامية تفعل نفس صناعة اللياقة — بفتح اللام— المحببة للسوداني لأنها تعمل مع الكسرة والعصيدة والقراصة بنظام (التيم ورك)
إذاً فنحن شعب جبلنا على حب (اللايوق) هذا مع أننا نكره (اللياقة)— بفتح اللام— شبهت هذه الصفة الذميمة بمن يحاول أن يتملى على الآخر بالسماجة وهي مكروهة، فاقتبست الصفة هنا لقوة المشبه به، هذا أمر غريب. فكانت كالذي شبه الأمير بالكلب في الوفاء:
أنت كالكلب في الوفاء وكالتيس في مقارعة الخطوب.
المدهش أن لياقة الويكا أخذتنا في الإسهاب والإطراء فنسينا أننا محكومون بعدد من الكلمات للعمود أن نتجاوزه.
لذا نكتفي بهذا القدر.. وتصوموا وتفطروا بأشهى الوجبات البلدية السودانية.