منى أبو زيد تكتب: أدوار مواكِبة
منى أبو زيد تكتب: أدوار مواكِبة
هناك فرق
منى أبو زيد
أدوار مواكِبة
“مستلزمات العدالة أول مستلزمات الحضارة”.. سيجموند فرويد ..!
يقولون إن المغترب السوداني لا يجيد فن الإقناع في مواجهة الآخرين، وتلك حقيقة نسبية وأولى أسبابها أنه يحتاج إلى أن يقنع نفسه أولاً. والأمر يعود إلى تلك النزعة الصوفية في سلوكنا الجمعي وإلى متلازمة “المَسكنة” السودانية في حضرة الغرباء “مزيج مُحيِّر من المبالغة في تقييم الآخر والتواضع المُخل في تقدير الذات”.
معظم الإشكالات المهنية للمغترب السوداني – مقارنة بتوفيق وسداد زملائه من الشعوب الأخرى – ترجع إلى ذلك العيب الأصيل “لا تجيد معظم كوادرنا المقيمة في بلاد الناس فنون التسويق لإمكاناتها وبالتالي فهي تخفق في تقديم الصورة الإيجابية اللازمة للتقييم العالي الذي تستحق”.
نحن شعب مصاب بنقص حاد في فيتامين الفهلوة وقصور في مهارات التواصل العصري، ومعظمنا يعامل أرباب العمل في بلاد الناس بمفاهيمه الخاصة وبعقليته هو وليس وفقاً لمناهجهم وأعرافهم، لذلك تجدنا دوماً أكثر من يعمل بإخلاص في الخارج وأقل من يحصد المكافآت والمناصب.
أما الحقيقة الأخرى – العارية عن المجاملة – فهي أن تفاعل الإعلاميين المغتربين في مؤسسات الخارج مع أحداث وقضايا الداخل يعاني من شح العاطفة والتواصل، وأن غرق معظمهم في الانتماء إلى الهوية العربية يجيء على حساب انتمائهم لهويتنا الخلاسية شديدة الخصوصية والتي تدلل على أن عروبة السودان هي عروبة ثقافية في المقام الأول، وأن خصوصيته الإثنية والجغرافية وتنوع انتمائه القبلي والديني يجعل بعض القضايا العربية لا تتصدر قائمة “أولوياته الجمعية” – إن جاز التعبير – ويعطي أولوية قصوى لشؤوننا الداخلية غير العربية وغير الإفريقية.
الكثير من إعلاميينا بالخارج يناصرون تطورات القضية الفلسطينية والأحداث في سوريا ولبنان ومصر واليمن أكثر من نصرتهم لقضايا بلادهم الداخلية، ويشعرون بانتماء حقيقي إلى قضايا جنوب أو شمال هذه الدولة أو شرق أو غرب تلك الدولة أكثر من شعورهم بالانتماء إلى قضايا ومشكلات شرق وغرب السودان. وهذا عرف ثقافي فاسد وخلل منهجي في أبجديات الولاء ومقتضيات البراء، وهو ما يزال متوارثاً على مجالبه ومصائبه.
أما الدولة فلا تجتهد بالقدر – الذي تتطلبه ضرورة المرحلة – في استقطاب الكفاءات الإعلامية العاملة بالخارج ولا تعطيها حقها الواجب من التقييم والمكانة والفرص التي تيسر عودتها واستقرارها، ولا تحاول إطلاقاً الاستفادة من خبراتها المتراكمة، لسبب أوحد لا شريك له إلا وهو الولاء السياسي الذي كان ومايزال مقدماً على الكفاءة المهنية.
أهم المناصب الوطنية المؤثرة مقتسمة بين أبناء وأتباع وأشياع الحكومة ورموز الضغط في صفوف المعارضة، وبين هؤلاء وأولئك تضيع المهنية وتضمحل الكفاءة ويقف الحال، ويتفاقم العائد الأفقي الكمي على حساب الرأسي والكيفي، والله المستعان .