ودا الجنّن عبد القادر
كان عبد القادر محمد أحمد قابعاً مُنتظراً حتى أتَاه وجدي المحامي من قِوى الحُرية والتّغيير ليبلِّغه بشكلٍ رسمي عن ترشيح (قحت) له رئيساً للقضاء.. وفجأةً ملأ اسم عبد القادر الأسافير وتدفّقت سيرته العطرة برغم البمبان واستقالته المُدوية رغم أنف الزمان، وبذات التوقيت وعلى حين غفلةٍ، تذكّر الناس محمد الحافظ وتفجّرت صورته وتناقل الناس صولاتهما والجولات…
جولة أخرى غير ضرورية من التجاذُب و(النقة والرغي) مَشَينَاها مع هذا المنحى الخطير الذي اختطته بعض الأيدي لتُحاول – بينما الناس في شغلٍ فاكهون – أن تدنو أكثر الحصول على وسيلة سهلة لإحكام السيطرة على القضاء وإخضاعه بشكلٍ كاملٍ لقِوى سياسية بعينها.. ربنا عمي بصيرتهم عن إدراج الوثيقة لمسألة الأخذ بترشيحات القوى السِّياسيَّة لهذيْن المنصبيْن الحساسيْن، أو أن اللجنة القانونية المُكلّفة بصياغة الوثيقة اتّخذت موقفاً مُغايراً يتّفق فعلاً مع مطلوبات تطبيق مبدأ سيادة القانون وتعزيز الفصل بين السلطات.
نحن الآن أمام مشهد الطريق الواحد المُغلق ما عداه (بالضَبّة والمُفتاح) وهو طريقٌ ليس به عوار أو عيب، ثُمّ أنه مُتّفق عليه وتم في النور و(الزيطة والظمبريطة) وفي يومٍ مشهودٍ لبس له الأصم كل جديدٍ، وحمدوك جانا بعدها مع السيدة الأولى بثوبها الجميل والتعايشي وقف متواضعاً في صف الجمارك.
جفت الصحف ورُفعت الأفلام وشوفوا ليكم (شغلة تانية).
وحسناً فعلت (قحت) بتعبيرها عن خبايا النوايا والضمير وهي تفتش عن شخصيات بمُواصفات (ميدان الاعتصام) لتصبها في ساحة العدالة، وتلك شخصيات (على العين والرأس) ونرفع لها القبعات والطواقي، لكنها لا تفي (المُواصفة الاستاندر) لشاغلي تلك المناصب.. فالقضاء سُلطة مُستقلة لا يجوز لقُضاتها مُمارسة أيِّ عملٍ أو نشاطٍ لا يتّفق مع واجبات الوظيفة القضائية أو استقلال القضاء.. أمّا شخصيات (قحت) المُقترحة فقد كانوا (صابِّنها) أمام القيادة وبكامل زَي القضائية، فكيف لهم أن يعودوا ليحكموا بيننا فيما اختلفنا فيه؟!
وحتى نمضي إلى فهمٍ مُشتركٍ، أرجو أن أحيلكم ذلك الموقف المُشرف الذي اتّخذه مولانا عباس علي بابكر رئيس القضاء الخلوق، حينما رفض اجتماع (وحدث ما حدث)، بل وبشجاعة لا تُليق إلا بفارسٍ، وبجسارة يحسد عليها، أصدر بياناً جهيراً نفي فيه تَصريحات المجلس العسكري، ويومها كانت الدنيا مُحتقنة والقلوب حناجر.. هنا تجسّدت على نحو راسخ كيف يكون استقلال القضاء, وكيف يجب أن يكون قُضاته، وذلك موقفٍ أصيلٍ يشبه روح هذه الثورة في قيم العدالة والانتصاف دون حوجة لأن تجرفه العاطفة الجياشة فيكتب في صفحته على الفيس:
(الله يحرق حشاكم يا مجلس يا عسكري)، أو ليخوض في البمبان والهتاف، وفي كل خير ولكل ميدان.
ولأنه يعرف أن الذي لا يتم واجب العدالة إلا به فهو واجبٌ، تجاسر على مظلمة الأيام الفائتة وقاد خطوته الوطنية والمُستقلة للقصر الرئاسي، حيث مَراسم أداء القَسَم، بينما كان بالإمكان تعقيد الوضع المعقّد أصلاً والتقدم باستقالته.
لسنا بصدد استبقاء مولانا عباس، ولكننا وعن حَقٍ نرغب في حماية مُؤسّساتنا من التغوُّل.. أحموا الوثيقة الدستورية ولا تجعلوها للسابلة.. فما أن تمتد أيديكم بالتعديل إلا وتتناهشها الصقور… الحايمة وقريبة.