توقيعات سياسية واقتصادية على دفتر (حمدوك)
تقرير ـــ هبة محمود سعيد
لم يكن للشارع السوداني ولجميع وسائل التواصل الاجتماعي، مساء أمس الأول سوى الحديث عن تصريحات رئيس الوزراء د” عبد الله حمدوك” عقب أدائه القسم، وتأكيداته على أن إيقاف الحرب وتحقيق السلام الشامل والعادل من أهم أولويات الدولة خلال الفترة الانتقالية، فضلاً عن معالجة الاقتصاد والنهوض ومحاربة الفساد وتحقيق دولة القانون وخلق علاقات خارجية متوازنة تراعي مصالح البلاد، كما شدد على معيار الكفاءة في اختيار أركان حربه من الوزراء ليعبروا بالبلاد إلى مرحلة الأمان.
حمدوك الذي استطاع أن يلفت النظر بشخصيته الجذابة وكاريزمته القوية، بحسب الكثيرين ربما بدأ أكثر واقعية وهو يبدأ حديثه بأنه لا يحمل عصا موسى، وأن التركة مثقلة، قبل أن يعود ويقول إننا سنعبر بالبلاد إلى الأمام مسلحين بالإجماع.
وبحسب مراقبين فإن حمدوك أراد بذلك القول ليخفض من سقف توقعات المواطنين ويرسل رسائل على ضرورة العمل الجماعي.
(الصيحة) وقفت على خطاب رئيس الوزراء مع بعض المحللين السياسيين والاقتصاديين خلال الأسطر التالية..
بيت القصيد
المحلل السياسي البروفسير “حسن الساعوري” اعتبر في حديثه للصيحة أن أول تحديات رئيس الوزراء عبد الله حمدوك تتمثل في تكوين الحكومة عقب تصريحاته أمس، بأنه سيعتمد على معيار الكفاءة في التعيين، ويمكن رفض الترشيحات المقدمة له من قبل إعلان قوى الحرية والتغيير، وقال: هذا هو بيت القصيد، وأضاف: هذا الأمر بدوره يطرح تساؤلاً حول عمل حمدوك تحت مظلة الحرية والتغيير ام بعيداً عنها، وإلى أي مدى يمكن أن ينجح، وماذا عن إمكانية عزله من قبل التغيير حال تعامل بشخصية مستقلة بعيداً عنها، سيما أن مستقبله السياسي مرهون باستطاعته العمل بمهنية.
الساعوري مضى أيضًا في حديثه إلى أن أول تحديات حمدوك خلاف مستقبل علاقته مع إعلان قوى الحرية والتغيير، تأتي أيضاً تحديات السلام والاقتصاد والعلاقات الخارجية، وقال: من الطبيعي كان أن يذكر أنه لا يحمل عصا موسى، لأن الحل لا يكمن في شخصيته وإنما في تكوين مجلس وزراء متناغم يعمل معه.
محاسبة الجماهير
أستاذ العلاقات الدولية الرشيد محمد إبراهيم وصف خطاب رئيس الوزراء بالمتوازن والموفق الذي ترجم أشواق الثورة وامتاز بالشفافية، لافتاً إلى أنه استطاع ترتيب الأولويات بإيقاف الحرب وإحلال السلام، وقال: أتوقع أن يواجه حمدوك قرارًا صعباً من قبل صندوق النقد الدولي الذي سيصدر قراراً برفع الدعم عن السلع والخدمات، وهذا القرار من ناحية اقتصادية مقبول جداً، ومضى قائلاً: من التحديات الأخرى التي يمكن أن تواجه حمدوك هي القرارات الفنية الخاصة بإعادة الهيكلة والإصلاح الاقتصادي والتي يمكن أن تؤدي إلى حدوث تصادم بين قوى الحرية والتغيير وبينه، وزاد: من المآخذ على خطاب حمدوك أنه ما كان عليه الحديث عن مجانية التعليم والصحة، لأن هذه سياسيات تقررها ظروف الدولة، ومثل هذا التصريح يمكن أن يجعله أمام محاسبة من قبل الجماهير.
اليبئة ملائمة
من جانبه، أكد المحلل السياسي د. صلاح الدومة أن أجمل ما لفت انتباهه هو حديث حمدوك عن أن البيئة ملائمة للإصلاح السياسي والاقتصادي، وقال: عندما يصرح رئيس الوزراء هو والذين سبقوه بأنهم لا يملكون عصا موسى، فأنا أقول إن الأمر لا يحتاج لعصا، وإنما لإرادة سياسية، وليس الأمر معجزة، وأضاف: بالنسبة للاقتصاد، فإن الأموال المهدرة التي تذهب للأمن إذا تم توجيهها للطريق الصحيح فستكون إضافة غير عادية. وزاد: ما يمكن قوله إن التحدي الأول والأخير هو الإرادة السياسية ومقدرة مجلس السيادة في التعاون لكنس الإنقاذيين والإتيان بكفاءات.
الدول الراعية للإرهاب
بدوره أكد الخبير الاقتصادي د. “محمد الناير” أن التحديات التي تواجه الاقتصاد تعتبر تحديات كبيرة، لكن يمكن التغلب عليها، وقال: إذا اختار رئيس الوزراء طاقماً سليماً ذا كفاءة عالية، فإنه يمكن أن يعالج قضايا الاقتصاد، وفي خطابه ذكر أشياء إيجابية عن القطاع المصرفي، والذي يجب أن يكون رأس المال الموضوع مليار جنيه، وزاد: يجب على حمدوك الاستفادة من علاقاته الإقليمية والدولية لمعالجة القضايا الدولية وأهمها رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، لأنه بذلك يمكن للسودان التعامل مع البنوك الخارجية.
عاطفي وسابق لأوانه
الخبير الاقتصادي د. عبد العظيم المهل قال إن خطاب حمدوك كان إيجابياً ومتوازناً، في وقت تحفظ فيه على حديثه عن مجانية الصحة والتعليم، وإنه عاطفي وسابق لأوانه، وقال: الإنقاذ كانت تردد ذلك، والمواطن يعلم أن التعليم والصحة لا يمكن أن تكون فيهما مجانية.
وذكر أنه كان يتوجب على رئيس الوزراء الاطلاع على الملفات لمعرفة التكلفة، ومن ثم يقرر ما إذا كان يمكن أن تكون هناك مجانية أم لا، وزاد: المدارس الخاصة تمثل نسبة 66٪ من التعليم العام، فضلاً عن وجود قبول خاص داخل المدارس النموذجية، وأضاف: الكثير من المدارس تفرض الرسوم بسبب فقر المحليات وعجزها عن سداد أي استحقاق للمدارس، وهذا الأمر بدوره ينطبق على قطاع الصحة، أما بالنسبة للتعليم العالي فهناك 35 جامعة حكومية و120 جامعة وكلية خاصة، وبالتالي عندما يتحدث حمدوك عن مجانية فهل تستوعب ميزانية الدولة هذا العدد الكبير من الجامعات والكليات!
في العام 2015 أوردت أن عدداً من الجامعات والكليات الخاصة حققت حوالي 500 مليون دولار عبارة عن عائد الطلاب الأجانب، ولذلك كنا ننتظر من رئيس الوزراء أن يطلع على الأرقام قبل أن يصرح، لأنه من المحتمل أن يقوم بتطبيق تجربة القبول الخاص في الخبز والوقود وغيرهما.
رجل متعقل
وفي الأثناء قال الخبير الاقتصادي “عبد الله الرمادي” إن حمدوك بدا من تصريحاته رجلاً متعقلاً أراد من خلال تصريحه أنه لا يملك عصا موسى، إن المواطنين لا تتوقع منه المستحيل، وحديثه عن وقف الحرب هو الأهم لأنها تستنزف موارد البلاد، وأضاف: حديث رئيس الوزراء عن مجانية التعليم والصحة يعني أنه أولى هذين القطاعين أكثر من اهتمام، وهو بيت القصيد ومن الأدوار الرئيسية للحكومة.
الرمادي طالب بضرورة توفير العلاج لكل شرائح المجتمع، ودعا إلى تأميم الجامعات والمستشفيات ودفع حقها على أقساط لمالكيها، وقال: التكسب على حساب الناس لا يجوز في هذا العصر، وزاد: ينبغي أيضاً على رئيس الوزراء فك الاختناقات التي يعيشها المواطن وتوفير السيولة بسبب أخطار غير مبررة من القائمين على أمر البنك المركزي، ولابد من تصحيح الخدمة المدنية والاستعانة بكفاءات.