مطلوبات السلام.. بين المُمكن والمُستحيل
الخرطوم: شادية سيد أحمد
معلومٌ أنّ قضايا الحرب والسلام هي من أكثر القضايا التي تستنزف موارد الدول، وتحديداً في السودان كادت الحروب والبحث عن السلام أن تقضي على الأخضر واليابس من موراد مادية وبشرية، وتم التوصل إلى سَلامٍ جُزئي حتى الآن، ويُمكن أن نطلق عليه سلاماً منقوصاً إن صح التعبير، وباعتبارها قضية ذات أولوية نجد أنّه ما تَمّ الجلوس إلى أيٍّ من الموائد إلا وكَانت هذه القضية حاضرةً، وبعد إنجاز الثورة السودانية وإسقاط النظام السابق ومن ثَمّ الجلوس للاتفاق حول المرحلة المُقبلة، تَرَبّعَت قضية السلام في المرتبة الأولى وخُصّصت الفترة الأولى فيها لتحقيق السلام والاستقرار، إلا أنّ لهذا السَّلام مَطلوباتٌ يجب أن تتوافر ومن ثَمّ يتأتى السلام وهل الأشهر الستة التي حدّدتها الأطراف كافية وكفيلة بأن تُحَقِّق السلام في السودان أم أنّ هناك عقبات ومتاريس قد تقف أمام
مطلوبات أساسية
أمّا البرلماني المُستقل بالبرلمان المحلول مبارك النور نائب دائرة الفشقة، يرى أنّ للسلام مطلوبات أساسية تتمثّل أولاً في التّوصُّل إلى تسويةٍ سياسيةٍ شاملةٍ لا تستثني أيّاً من القِوى السِّياسيَّة من حركات مُسلّحة وأحزاب سِياسيّة وطُرق صُوفية ومُنظّمات مُجتمع مدني وغيرها من المُكوِّنات، وأكّد النور في حديثه لـ(الصيحة) على ضرورة نشر ثقافة السلام والتعايُش السلمي ونَبذ القَبليّة والعُنصرية والجهوية التي مِن شأنها إثارة النعرات التي تقود الى الحروب وعدم الاستقرار، وأضاف أنّ تحقيق السلام أيضاً يتطلب العمل على تأسيس سُودانٍ يسع ويَحتضن الجميع من خلال مُؤتمر دستوري يتساوى فيه الجميع ويتداعى له أبناء السودان كافة من الداخل والخارج العاملين بالمُؤسّسات الإقليمية والدولية والعالمية للاستفادة من تجاربهم لتأسيس عمل متكاملٍ سياسياً واقتصادياً وقانونياً ودستورياً وثقافياً واجتماعياً، هذا فَضْلاً عن إعادة ترتيب العلاقات الاستراتيجية مع دول الجوار والإقليم والعالم أجمع وفق المصالح المشتركة، مُشيراً إلى ضرورة أن تكون الفترة الانتقالية قصيرةً ويحكم فيها الجيش فقط، ويتم تكوين مفوضية للانتخابات حُرّة ومُحايدة وفق أُسسٍ علميةٍ يتراضى الجميع على أن يكون مَن يحكم، مُفوّضاً من الشعب تفويضاً كاملاً، وقال انه في حَال توافر هذه المطلوبات يُمكن أن يتحقق السلام الدائم المُستدام وفق أُسسٍ عدليةٍ، ومُساواة بين الجميع، وتوزيع عادل للسلطة والثروة والتنمية المُتوازنة، وقال إنّ القضية ليست قضية ستة أشهر أو تحديد زمني، القضية تتمثل في التّوافُق السِّياسي الشامل بين المُكوِّنات كافة والتراضي والتّعايُش وفق القوانين والدستور.
مطلوبات السلام
من جانبه، تساءل الفريق خليل محمد صادق عضو لجنة الأمن والدفاع بالبرلمان السابق حول الأسباب التي أدت إلى عدم تحقيق السلام وجاءت بالحرب، ومن ثَمّ قادت إلى التمرد في أنحاء كثيرة من السودان، نجد أنّ هذه الأسباب تتمثل في الإقصاء وعدم العدالة والتنمية غير المُتوازنة، واتّباع سياسات فرِّق تَسُد وكل ذلك يدل على تمسُّك النظام بالحكم لأطول فترة واستمراره، وأوضح لـ(الصيحة) أنّ مطلوبات السلام تتمثل في إزالة هذه العوائق والعَقبات بإذكاء رُوح الحُريّة والعدالة وارتفاع الروح الوطنية للأطراف والمُكوِّنات السِّياسيَّة كافة، مع ضرورة توافر الإرادة السياسية والالتزام بنهجٍ مُتكاملٍ للخروج بالسودان من الوهدة التي يعيش فيها الآن، مؤكداً أن ذلك لن يتأتى إلا بوعي كاملٍ من المُكوِّنات السياسية كافة والشعب والشباب من خلال استغلال الحاضر لإرساء قواعد المُستقبل مع وجود نظرةٍ عميقةٍ للاستفادة القُصوى من الإمكانات المُتاحة حتى تعود بالخير لكل أهل السودان، ودعا صادق إلى النأي عن الصراعات والنزاع من أجل السلطة وأن يكون الصراع حول التنمية المُستدامة، وقال إن الوصول الى سلام أمر سهل ومتاح للجميع ، وان السودان في عهده الجديد يجب أن يسمو الجميع دُون استثناء فوق المطالب الضيقة والشخصية، على أن تتضافر الجُهُود كافّة بين القِوى الداخلية والخارجية لبناء السُّودان، حَيث لا مَكانَ للإتيان بالسلام عبر الحل العسكري، وأضَافَ أنّ السلام لا يحتاج إلى زمنٍ مجرد التوافُق عليه “أرضاً سلاح” يصبح السلام واقع ويكون الزمن المطلوب هو لإعادة الترتيبات والكوادر الخارجية وإعادة تَوطينها، وبالتالي توطين السَّلام لا يحتاج سقف زمني بقدر ما هو يحتاج إلى قناعاتٍ من الحركات المُسلّحة وارتضاء الأطراف كافة للسّلام، الوصول إلى سلامٍ أمر سهل، إلا أنّ التعقيدات الحالية ربما تجعله صعباً بالرغم من ان الوقت مَتاحٌ للسلام، ومن السهل أن ينهض السودان، وقال صادق إن كل ذلك لن يتأتّى إلا في ظل وُجُود قُوّات مُسلّحة قوية مُوحّدة تستطيع الوصول إلى المناطق كافة لفرض هيبة الدولة.
قضية شائكة
من جهته، اعتبر القيادي بالمؤتمر الشعبي كمال عمر، أنّ قضية السَّلام قضية شائكة ومُعقّدة مُتعلِّقة بنظام الحُكم في السُّودان والحُرُوبات في السُّودان منذ حَرب الجنوب كانت مُركزة على شكل الحكم بالسودان، ومطالب الولايات وقسمة الثروة والسُّلطة مجملاً هذه هي القضايا التي كانت سبباً رئيسياً في الحروب التي قامت بمرور الأيام وأصبحت مُرتبطة بالدستور والوضع الاقتصادي في أنحاء السودان كافة، وقال إنّ هناك حركات مُسلّحة لها جوانب سياسيّة مُشاركة في نداء السودان وغير ذلك قامت بطرح رؤيتها السِّياسيَّة، وبالتالي فإنّ ستة أشهر غير كافية في تقديري لتحقيق السلام في السودان، وأن جروح الحروب تحتاج لفترة حتى تدمل، وبالتالي نحن نحتاج لعامٍ كاملٍ على الأقل حتى نتوصل من خلالها إلى سلام، ناهيك عن القضايا المُتعلِّقة بالنازحين واللاجئين التي تحتاج لفترة زمنية لتتم مُعالجتها، وفترة العام يُمكن أن تكون مُناسبة لمعالجة هذه القضايا، وأضَافَ عمر خلال حديثه لــ(الصيحة) أنّ زوال نظام الحكم السابق جاء بفُرصةٍ جادة لتحقيق السلام والبَحَث في هذا المَلف بصُورةٍ أكثر جديةً، خَاصّةً وأنّ البلد أصبحت مَفتوحة للرأي والرأي الآخر، وأصبح هُناك وعيٌّ في الشارع، مُشيراً إلى أنّ الثورة جاءت بحيثياتٍ جديدةٍ والضحايا في هذه الثورة كانوا من عُموم أبناء السُّودان وليس من جهة بعينها، وبالتالي فإنّ القضية تُعتبر قضية سُودان وليست دارفور وحدها، وإنّ هذه الثورة أنتجت منتوجاً وطنياً وهو الحرص على السودان عامة .