كامل عبد الماجد ..
( عندما صعد الرئيس سلفاكير إلى المنصه ليلقي كلمته يوم توقيع الوثيقة الدستورية هتف الحاضرون (الليلة ما بنرجع إلا الجنوب يرجع).
كتبت هذه القصيده عشية انفصال الجنوب، وظللت منذ يومها أحلم بعودة الجنوب مرة أخرى لاحضان الوطن.
كان شارس دفعتي في جامــــعه الخرطوم، وكان اجتماعياً حفياً بكل زملائه محباً للفن والأدب وكــــــــان يحفظ كل قصائدي. بعد التخرج عمل سفيراً للســـــــــودان حتى يوم الانفصال، ثم شغل منصب وكيل الخارجية في دولة الجنوب.
إلى صديقي شارلس مانيانق …
استهلال :
ضمخت نسرين بالعطر الدروب
ولنسرين أريج دون عطر وطيوب
ولها قد وغصن أسر الحسن خلوب
غير أن الناس في شغل
عن الوجد وتبريح القلوب
بعد أن نادى مناد:
(أيها القوم هلموا ننقذ الغرب
فقد ضاع الجنوب(
*******
يا صديقي في غد ترحل
يا خوف فوادي من غد
(لست أدري كيف ألقاك ولكني صدي)
في غد يفصلنا عن بعضنا
صبح وليل وحدود
وأذونات سفر
وجواز رسمه غير الذي كان لنا
أهلاً وربعاً وجدود
في غد ينشطر الغاب عن الصحراء
والفرقة تنمو وتسود
في غد تصبح توريت كموسكو
وكبرلين النهود
في غد نصبح أغراباً
وينصدع انصهار الناس
مذ ماضي العهود
فلماذا جعلوا من حولنا
هذي السدود
ولماذا منعوا تجوالنا في أرضنا
ولماذا أحكموا في خطونا
الحر القيود
ولماذا وعدونا بالتئام ووئام
ثم جاروا بالعهود
هكذا تمضي ولا ندري
أمن يمضي يعود..؟
*******
يا صديقي شاءت الأيام
أن نشهد عصر الانفصال
واقتسام النهر والأرض
القديمة والجبال
والجباريك الصغيرة والمراعي
والعصافير الطليقة والتلال
نسأل الآن وهل يجدي السؤال
ما الذي أفضى إلى هذا المآل
ما الذي فرقنا غرباً وشرقاً
وجنوباً وشمال
ما الذي قاد إلى هذا الوبال
ما الذي قزّمنا
وقد كنا عمالقة طوال
ما الذي أورثنا
ضعفاً وجهلاً وخبال
يا صديقي في غد ترحل عنا
كيف من بعد الوصال
*******
هلل القوم وغنوا
انتهى الظلم الطويل
وتناسوا أننا أهل وربع
ضمنا وطن وتاريخ ونيل
وتناسوا أننا في الهم شرق
كلنا صيد لأطماع الدخيل
وتناسوا إرثنا الزاهي
وأمجاداً بنيناها سوياً
صاغها التاريخ جيلاً إثر جيل
وتناسوا إذ تغنوا بالأناشيد
الفتى عبد اللطيف
كيف ثار على العدا
وتلاه في الفدا عبد الفضيل
في غد تذهب عنا يا شقيق
ما الذي حتم بالله الرحيل
***
ما الذي خض العصافير
وكانت كلها حول الغدير
باختلاف الريش والألوان
تلهو وتغني وتطير
ما الذي أضحى بنا اليوم يصير؟؟
******
ضمنا السودان أدياناً
وأعراقاً وأهلاً منذ تاريخ عتيق
ما الذي صار بنا اليوم يحيق
وطن رحب فسيح
كيف بالناس يضيق
***
أه كم يحزنني بعدك عنا يا صديق
يا زميلي في فصول المدرسة
وشريكي في الصبا الغض الوريق
يا أخي في الوطن المكلوم
يا زادي إذا طال الطريق
ورفيقي في اندياح العمر
أفراحاً وضيق
كانت الأحلام أن نبقى
على العهد سوياً في الوطن
وأفقنا ليت أنا لا نفيق