الاتفاق النهائي.. في “كف عفربت”
الاتفاق النهائي.. في “كف عفربت”
الخرطوم- مهند عبادي
تمضي الأوضاع نحو مزيد من التعقيد بسبب تباين الموافق والآراء ما بين الكيانات السياسية فيما بينها والأجهزة العسكرية فيما بينها والذي بموجبه ربما تأجيل جديد للتوقيع على الاتفاق النهائي المحدد بيوم السادس من أبريل، فبعد فشل اللجان العسكرية الفنية في الوصول لحل لمسألة دمج الدعم السريع بحسب ما أشارت إليه بعض الأنباء واستمرار عملها في مناقشة القضية فإن الأيام تتسرَّب من بين يدي المراهنين على اكتمال العملية السياسية وتشكيل حكومة مدنية تعيد البلاد نحو المسار المدني الديموقراطي وحضن المجتمع الدولي، بينما عملياً فإن الأيام الخمس بحسب خبراء ومراقبين لم تكن كافية لحسم القضية المعقدة، وأمس الأول قال الناطق الرسمي باسم العملية السياسية خالد عمر، في حديث بثته قناة “الجزيرة” إن الاتفاق النهائي يجب أن يكون عقب الفراغ من كافة القضايا، ومما يزيد من فرص تأجيل التوقيع مرة أخرى تأكيدات الجيش بأن التوقيع مرهون بتحديد جداول الدمج، حيث قال الناطق الرسمي للقوات المسلحة العميد ركن نبيل عبد الله في تصريح صحفي إن التوقيع النهائي للعملية السياسية بالبلاد لن يتم ما لم يتم وضع جداول لدمج قوات الدعم السريع في الجيش بصورة واضحة، وهو ما يجعل عملية دمج الدعم السريع والخروج من الأزمة الراهنة والوصول إلى ميس العملية السياسية بالتوقيع على الاتفاق النهائي في كف عفريت.
جوهر الأزمة
اللواء دكتور أمين إسماعيل مجذوب، خبير إدارة الأزمات والتفاوض بمركز البحوث الاستراتيجية يقول: إن الاجتماع الأخير بالقصر الجمهوري لم يناقش مسألة دمج الدعم السريع والذي يعتبر أصل المشكلة والخلاف، واكتفى فقط بمناقشة تحديد مواقيت جديدة للتوقيع على الاتفاق النهائي، ويضيف مجذوب في تصريح لـ(الصيحة) إن الوثائق ووجهات النظر ورؤية الطرفين وطلباتهما توضح بأن البون شاسع جداً مما يحتم تقديم التنازلات في سبيل الوصول إلى التوقيع النهائي، وشدَّد أمين على أهمية عقد اجتماع آخر لمناقشة قضية الدمج باعتبارها جوهر الأزمة يتناول كيفية تنفيذ عملية الدمج ومراحلها، مشيراً إلى أن هذه المسائل لا يمكن أن تناقش في خمسة أيام، فقط، وتحتاج لوقت أطول، ويرى مجذوب أن مسألة دمج الدعم السريع حساسة جداً وتواجهها عقبات كثيرة أولها أن الدعم السريع قوة مساندة للجيش تم إنشاؤها بواسطة قانون ودمجها يستدعي إجراءات قانونية لا يمكن تنفيذها في الوقت الحالي لغياب المجلس التشريعي الذي عبره يمكن إلغاء القانون الذي بموجبه تشكَّلت قوات الدعم السريع، ومن بين التحديات أيضاً.
عملية فنية
ويؤكد مجذوب أن تحديد الجداول الزمنية لعملية الدمج تتم وفقاً لعملية فنية عسكرية مستمرة لا يمكن الجزم بإنجازها في أعوام محدَّدة ولا يمكن تنفيذها في فترة تقل عن أربعة أعوام بأي حال من الأحوال، لافتاً إلى أن فكرة إكمال عملية الدمج خلال عامين المرحلة الانتقالية وقبل الانتخابات سببها عدم الرغبة في وجود جيوش يمكن أن تؤثر على العملية الانتخابية، ويتابع أمين أن هناك تحديات أخرى تتعلق بالطلبات والتوصيات الجديدة التي دفع بها الطرفان والتي تجعل البون شاسعاً جداً خاصة وأن هناك نقاط إدارية تتعلق بمراجعة الشهادات وإحالة الضباط الذين تم تعيينهم عقب أبريل 2019، فضلاً عن مطالب الدعم السريع بشروط الدخول للكلية الحربية وتجريم الانقلابات وغيرها من المطالب، وهذه شروط يصعب حلها في فترة الأيام الخمسة، وفي تقديري إذا لم يتم إنهاء الملف بشكل كامل فلن يكون هناك اتفاق وهو ما يعني بحسب مجذوب أن التسوية وتشكيل الحكومة المدنية في “كف عفريت”، وبالتالي سوف تضيع فرصة الاندماج في المجتمع الدولي ومهلة البنك الدولي ومساعدته، وشدَّد أمين على ضرورة إيجاد آليات تنفيذية ومعنوية للخروج من الأزمة تتمثل في تنازل الأطراف وتوفر الثقة مع الأخذ في الاعتبار أن الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق السلام ترهن دمجها بدمج الدعم السريع وهذا الأمر يؤثر على السلام بدارفور، وبخلاف ذلك فإن الخيار الآخر المتوفر هو القبول بالأمر الواقع ومعالجة قضية الدمج مستقبلاً، وإدخال قوات الدعم السريع بوضعها الحالي ومن ثم تجفيف المنابع المالية وإجراء مراجعات مرحلية فيما يتعلق بتوزيع الضباط وعدد الوحدات العسكرية وفقاً لمصفوفة تراكمية تعالج قضية دمج الدعم السريع وقياداته والاستعانة بخبراء الأمم المتحدة لمعالجة هذه القضية الحساسة والتي تحتاج إلى عمل وجهد كبير.
سياسية بامتياز
أما بالنسبة للخبير العسكري عمر أرباب، فإنه يرى بأن قضية دمج قوات الدعم السريع هي قضية سياسية في الأساس وليست عسكرية، وقال: إن هذه العملية لا تخضع للمسائل الفنية ولكنها سياسية خاصة وأن هناك أطراف تستقوى بالجيش وتريد التخلص من الدعم السريع وفي الجانب الآخر تقف أطراف -أيضاً- ترى أن الدعم السريع هو الرادع لمحاولات التغوُّل على السلطة مستقبلاً، وبالتالي فإن القضية هدفها المزايدة السياسية والابتزاز فقط لا أكثر ولا علاقة لها بتشكيل جيش مهني، وأشار أرباب إلى عدة تساؤلات تتعلق بإثارة هذه القضية بالتزامن مع موقف الدعم السريع المساند للعملية السياسية، وقال لماذا لم يتحدث الجيش طيلة السنوات الماضية عن الدمج، وماذا كان ينتظر، ويقول أرباب لـ(الصيحة) إن المسألة سياسية بامتياز وكل طرف من الأطراف هذه يسعى لتحقيق أكبر قدر من المكاسب عبر التفاوض الجاري حالياً، واستبعد عمر اتجاه الأوضاع نحو المواجهة العسكرية، وقال اعتقد أن هذا الخيار مستبعد تماماً لجهة أن لكل طرف جوانب قوته وضعفه ولكنهم لن يتحملون ما تقود إليه المواجهة وليس بمقدور أي طرف تأكيد مدى قدرتهم للسيطرة على الأوضاع، وفيما يتعلق بكيفية الخروج من المأزق الحالي يؤكد عمر أرباب أن الأمر سوف يتم حسمه بمزيد من الضغوط التي يمارسها المجتمع الدولي سيما وأن هذه الأطراف لا تأبه لشئ سواه، ويضيف يمكن -أيضاً- أن يتم ترحيل المسألة لما بعد الانتخابات ولكن ذلك مشروط بعملية إجرائية واضحة الجداول الزمنية ومعلومة النهاية.
ومن جهته قال مسؤول الإعلام في التجمُّع الاتحادي والقيادي بتحالف الحرية والتغيير محمد عبد الحكم: لابد من وضع مصفوفة متدرِّجة ومنطقية لتنفيذ دمج الدعم السريع وفقاً لتوقيتات موضوعية، وحذَّر من محاولات الفلول المستمرة لزرع الفتنة بين الجيش والدعم السريع وإشعال الحرب الأهلية، مشيراً إلى أن نشوب الحرب سيقضي على الأخضر واليابس، وأضاف: ” إن تصريحات الناطق الرسمي للجيش حول وضع المصفوفة تتفق مع مطلب المدنيين، وأكد عبدالحكم في تصريح لـ(لصيحة) ثقتهم في قدرة اللجان الفنية في إنهاء المهمة بأسرع وقت، وقال: إن اللجان تضم خبراء أكفاء، وتابع : نأمل أن لا تتعطل لجهة تأثير ذلك على الشعب السوداني، وزاد: إن حدث ذلك فعلينا التباحث مع العسكريين لإيجاد مخرج لتوقيع الاتفاق واستعادة المسار المدني الديموقراطي لوقف الانهيار الأمني والاقتصادي، وشدَّد على أهمية التعامل بحزم مع السيولة الأمنية والمظاهر القبلية، وقال: إن قضية دمج قوات الدعم السريع وتشكيل جيش وطني مطلب القوى المدنية والدليل عدم وجود أي مطالب خلال السنوات الماضية من الجانب العسكري تدعو لدمجها، وأضاف: إن دمج كافة الجيوش والجماعات التي تحمل السلاح ضرورة وإنجازه سوف يكون سابقة تاريخية لاعتبارات كثيرة بالنظر إلى أعدادها وعتادها.