بينما يصطرع الساسة حول المغانم والمكاسب المرتجاة وسوق السياسة عامر بالخيرات التي تساقطت على أحزابنا حتى الصفرية منها والحزب الصفري هو من خاض آخر انتخابات حرة متعددة الأحزاب عام١٩٨٦، وخرج منها بلا مقاعد في البرلمان مثل الحزب الاتحادي جناح علي محمود حسنين والحزب الاشتراكي الناصري وحزب البعث العربي الاشتراكي، وكثير من الأحزاب التي تملأ الساحة ضجيجاً وعواءً وهي في ميزان الجماهير لا تعدو كونها ظواهر صوتية.
كل هؤلاء هرعوا نحو غنائم السلطة وتركوا المواطنين تحاصرهم السيول وتراكمت المياه في الشوارع وتوالد الناموس والذباب وشح الدقيق في المخابز وتسرب الوقود للسوق الأسود وبات مألوفاً رؤية صاحب عربة يعبئ جركانات الوقود من محطات الخدمة ويذهب بهما حيث يشاء دون رقابة.
إذا كانت الخرطوم العاصمة الوطنية بلا حكومة تنفيذية وتعيينات المجلس العسكري لدفعة النافذين فيه ومجاملة الأصدقاء والمحظيين بالرعاية قد فشلت في سد الثغرات التي خلفها غياب الحكومات المسؤولة، فإن الدكتور عبد الله حمدوك رئيس الوزراء سيجد نفسه منذ اليوم أمام مسؤوليات كبيرة ومهام صعبة وإمكانيات شحيحة وأحزاب تشغلها المغانم والوظائف عن رؤية الواقع المزري الذي خلفه الفراغ التنفيذي في كل الدولة ولمدة نصف عام.
المدارس مغلقة والجامعات قد طالت بطلابها العطالة وتراكمت الدفعات ومشكلات عديدة تواجه الحكومة المدنية الانتقالية.
وإذا كانت قضايا عودة الطلاب لمدارسهم وجامعاتهم لا تمثل أولوية قصوى، فإن الواقع الصحي بولاية الخرطوم يهدد بكارثة صحية حقيقية جراء تردي صحة البيئة وغياب عربات النفايات لفترة طويلة جداً عن الأحياء بما يشبه الإضراب غير المعلن ووجود برك المياه في الساحات العامة والشوارع وبين البيوت يهدد حياة الناس بالغرق والأمراض .
وفي سنوات مضت كانت ولاية الخرطوم تستعين بعربات الشفط التجارية لتجفيف الشوارع الرئيسية من المياه في فصل الخريف، فاين الضباط الإداريون ومهندسو وزارة البنى التحتية هذه الأيام
رئيس الوزراء عبد الله حمدوك الذي تحدثت إليه قبل يومين وجدته واثقاً في نفسه بأن الأوضاع الحالية يمكن تغييرها للأفضل خلال فترة قصيرة، ولكنه يعتبر وقوف كل السودانيين أو أغلبهم دعماً للحكومة الانتقالية من شأنه تشييد جسر عبور لمحطة الانطلاق .
فحمدوك يقظ جداً لما سيحدث في الأيام المقبلة من قبل الاتحادات المهنية والنقابات التي بعد إنجازها للتغيير السياسي ستعود للمطالبة بتحسين أوضاع منسوبيها وتحقيق بعض المكاسب لهم مما يتطلب توفير أموال وإمكانيات كبيرة لمجابهة استحقاقات العاملين في الخدمة المدنية.
إذا كان هذا هو الواقع، فإن تعيين والٍ او حاكمٍ مدنيٍ بصفة استثنائية الأن وليس غداً يمثل ضرورة قصوى حتى لا يجد رئيس الوزراء نفسه أمام كارثة صحية في عاصمة البلاد القومية، ولن تواجه قوى الحرية والتغيير صعوبات كبيرة في الاتفاق على وضعية ولاية الخرطوم الاستثنائية.