سيف الدين حسن يكتب: الدراما والواقع
سيف الدين حسن يكتب: الدراما والواقع
أرض السمر
سيف الدين حسن
الدراما والواقع
تابعت الجدل الثائر في الفيسبوك حول شخصية إمام مسجد في مسلسل سوداني رمضاني رأى فئام من الناس أنه مسيء بشكل أو بآخر، وأحاول سريعاً وبحكم خبرتي في صناعة الدراما أن أعلق من ثلاث زوايا:
أولاً: ينازع المسلسل في عملية تشكيل (الصورة الذهنية) عن الشيخ أو خطيب المسجد، ويحاول أن ينحو بالعقل الجمعي منحى معيناً أراه امتداداً لهتافية شعارات كان لها رنين في فترة زمنية بعينها، وهو باختصار يرى الخطيب مجرَّد محتال نهم قبيح الخلقة وسييء الهندام يركض خلف شهواته.
هذا النزاع أتى في هذه اللحظة تحديداً بسبب عودة التدين للواجهة مرة أخرى وبقوة بعد أن ظن كثيرون أنه اندثر، انتشرت مجالس القرءان وفعاليات التلاوة والبرامج الدينية المختلفة، وفتح الشعب صدره للعلماء والمشايخ وتحلّق حولهم هاشاً باشاً، ولو كان هذا الإقبال عادياً لكان الأسهل عليهم التجاهل ولكن طفحت صدورهم وضاقت فكانت هذه المحاولة اليائسة التي لم تزدهم إلا عزلةً على عزلة.
ثانياً: عملية صناعة الكوميديا من أصعب وأعقد الفنون، فمن السهل على الفنان أن يبكي الناس عشر مرات ولكنه يقف حائراً ليضحكهم مرة واحدة.
لاحظت مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي أصبح بمقدور كل شخص أن يقدم للناس محتوى يظن أنه مضحك على ابتزاله، وقد يقبل الناس منه عباطة عابرة أو نكتة سخيفة أو تقليداً سمجاً باعتباره مجرد فرد يمرون عليه لماماً، ولكن بسبب الكسل الإبداعي المنتشر انتقلت سخافات تيك توك ومقالب الشوارع ونكات الفيسبوك لتصبح هي المحتوى الذي يقدِّم على التلفزيون بواسطة متخصصين يائسين بائسين عسى ولعل أن يلفتوا الانتباه أو تصيبهم الشهرة ولو لربع ساعة.
ثالثاً: لمحت بعض الردود تقول هذا فن ودراما وهذه شخصيات موجودة في المجتمع والدراما تعكس الواقع، وهؤلاء بلا شك ذاهلون عن حقيقة الأمر، ما حمل الناس على هذه الضجة هو معرفتهم بمن يقف خلف المسلسل، أولئك الذين يؤدلجون كل شيء، ويستخدمون أدوات محايدة في الإصل لإسقاط خصومهم، فقد يقبل عمل ما ويحاكم في أطره الفنية لو جاء من شخص معروف بحياده المهني، ولكن من أنفق جل وقته ليسقط أئمة المساجد فلا يظن به إلا ظناً يحاكي سيرته السابقة في ذات السياق.