“نحن نساء مع رجالنا، رجال مع غيرهم” .. علية بنت المهدي ..!
حصَلتْ المرأة السودانية على حقها السياسي في مطلع ستينيات القرن الماضي، أي بعد بضعة عشر عاماً من حصول نظيرتها الفرنسية واليابانية والإيطالية على ذات الحق، وأيضاً قبل بضعة عشر عاماً من حصول نظيرتها السويسرية والبرتغالية على ذات الحق. ولعل الأهم من ذلك – في تقديري – هو أولويتها الإقليمية في العمل بمهنة القضاء، فهي قد سبقت رصيفاتها القانونيات في كل الدول العربية والإفريقية في ذلك، بتعيين مولانا “إحسان فخري” – رحمها الله – في العام 1965م كأول قاضية سودانية، وعربية، وإفريقية. أي قبل بضعٍ وأربعين سنة من السماح بأن تعمل المرأة المصرية في مهنة القضاء..!
وقد توالت نجاحات القاضية السودانية حتى جلست على رأس المحاكم العليا. ثم ها هي نجاحات المرأة القانونية في السودان تتوالى – بعد انتصار الثورة – ابتداءً باختيار د. “ابتسام سنهوري” من قبل قوى الحرية والتغيير على رأس لجنة الصياغة، وليس انتهاءً بتعيين مولانا “نعمات عبد الله محمد خير” – قاضية المحكمة العليا – رئيسةً للقضاء، وهي أول سيدة تتولى هذا المنصب..!
فضلاً عن أيقونات الثورة السودانية من مختلف النساء اللاتي حَمَلن مشاعل الشجاعة والقيادة والتغيير، واللاتي وقفن إلى جانب الرجال كتفاً بكتف، ويداً بيد. لكن معظم الناشطين في مجال حقوق المرأة في العالم الغربي – أو الأول “كما يحلو للبعض” – لا يفرقون بين الحقوق السياسية والنجاحات المهنية من جهة، والعادات والأعراف الاجتماعية من جهةٍ أخرى، عند الحديث عن حقوق المرأة في السودان ..!
فالمرأة السودانية لم يكن ينقصها نجاح مهني، ولم تكن تعوزها القيادة ولا الريادة في مجال العمل العام، وبانتصار هذه الثورة يأخذ التغيير شكل التطور الإيجابي في هذا الشأن، ليس إلا. لكن التغيير الحقيقي والتطور الجدير بالوقوف عنده حقاً هو تغيير النساء السودانيات لمواقفهن من بعض التقاليد والمفاهيم التي لا تمثل الإسلام في شيء والتي لا تواكب الواقع العصري في شيءٍ أيضاً ..!
ومن مظاهر التغيير تلك، موقف الكثير من السيدات والفتيات من شائعة ترشيح أحدهم لمنصب قيادي. بعدها انبرت الكثير من الفتيات وتدافعت الكثير من السيدات للحديث عن مواقف لذلك الشخص المرشح معهن، مواقف قوامها التحرش. وما بين ليلة وضحاها ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بقصص وحكايات بطلها ذلك المتحرش، وضحاياها نساء كثُر، أسكتهن الخوف من أحكام المجتمع في حينه، وأنطقهن انتصار هذه الثورة، وما أعقب ذلك الانتصار من آمالٍ عظام بغدٍ اجتماعيٍ أفضل، لكل نساء ورجال هذا الوطن ..!
الجديد أيضاً – في تقديري – هو تَبنِّي أولئك الفتيات والسيدات لدعوات جادة وصارمة لفتح ملفات قضايا التحرش تلك، والسعي لمحاكمة ذلك المتحرش، وإبداء استعدادهن للادعاء عليه، والشهادة ضده. وعند ثبوت كل تلك التهم على الرجل المذكور وصدور حكم قضائي ضده، تكون المرأة السودانية قد حققت ثورتها الاجتماعية الخاصة والخالصة، في مواجهة الكثير من صور الوصائية والاستعلاء الذكوري، والقهر والظلم والعَضل الاجتماعي، وكل ذلك ليس من الإسلام في شيء ..!
كل رجل متحرِّش هو مجرم، وهو مشروع مغتصب، وهو في رواية مشروع قاتل إن هو خشي من افتضاح أمره. كل رجل متحرِّش هو كتلة من الجُبن والخِسَّة والنذَالة ووضاعة النفس وقلة المروءة وانعدام الضمير. وعليه فإن كل رجل متحرِّش يستحق فضيحة اجتماعية، ومحاسبة قانونية تليق بخبثه ودناءته..!
الحمد لله أن نساء السودان المُستنيرات قد رفعن شعار “لا سكوت بعد اليوم” في مواجهة التحرُّش، والحمد لله أن “زمن الغتغتة والدسديس انتهى”. إذ لا يستقيم – بأية حال – أن تتولى المرأة السودانية رئاسة القضاء في بلادها، ثم تعجز عن إرسال رَجل مُتحرِّش إلى قاعات المحاكم، ومن ثَمَّ إلى غياهب السجون، التي يستحق أن يقبع فيها طويلاً . و”كُلُّه بالقَانون” ..!
منى أبوزيد