منى أبو زيد تكتب: الجرئ والجميلة
هناك فرق
منى أبو زيد
الجرئ والجميلة
“جئنا لينتصر الجمال أمام آلاف الخطوب، والحب راية روحنا ضد المذابح والحروب، ونضوج عاطفةُ المحبةِ بدءُ تحرير الشعوب، وتساقُط الطغيانِ مرهونٌ بتحرير القلـوب”.. الشاعر أحمد بخيت .
في أيام الجامعة كنت “سينيراً” خطيراً، مشهودٌ له بالوسامة والكفاءة العالية في طرق قلوب “البرلومات”، ومن الآراء الشهيرة التي كانت تنسب لي – كدون جوان شهير – مقولة طريفة كنت أطلق عليها بكثير من الحذلقة مصطلح “نظرية”. كنت أقول إن السر في جمال معظم زميلاتنا – الفاضلات – من بنات الشهادة العربية يرجع إلى اغتراب آبائهن قبل أن يتخذوا قرار الزواج.
فالمغترب الذي يتمكَّن من جمع أكبر قدر من المال يعود ليختار أجمل فتاة في العائلة أو أجمل بنت في الحلة، ولهذا السبب فإن معظم زوجات المغتربين هن من الجميلات وبالتالي بناتهن. وكان الجميع يؤمنون على نظريتي تلك بشيء من الحماسة باستثناء برلومة “مفعوصة” قادمة من الخليج، كانت ترى نظريتي تلك متهالكة ومليئة بالثقوب، ربما لأنها فطنت إلى أن الغرض من طرحي لها بكل ذاك الحماس لم يكن لله في لله .
قبل بضعة أشهر وذات أمسية كئيبة من أمسيات الغربة وبينما كنت أتحايل على ضجري بالتسكع بين قنوات التلفاز شاهدتُ في برنامج ما، على إحدى القنوات السودانية باقة من النساء المغتربات وهن يتونسن في جلسة دائرية خلَّابة المنظر عن الحياة في بلاد الغربة، ليس عن معاناة الغربة وويلاتها، بل عن مقدراتهن الفذة على التأقلم مع حياة الغربة وعن طقوس الأعياد والأعراس والأتراح هناك.
وقد كنت أهم بمغادرة المحطة حينما قالت أجملهن بابتسامة راضية مُطمئنَّة وهي تلوِّح بأساورها الذهبية “والله يا جماعة نحن هنا لو جاتنا أي مناسبة ما بنحس بأي فرق كأننا في السودان بالضبط لأنو نحن هنا كلنا يد واحدة”. فما كان مني إلا أن تساءلت في دهشة حقيقية لا أثر فيها للسخرية، هل تتحدث هذه السيدة بلسان المغتربات فعلاً؟ إن كانت تفعل فيا للعجب. أما زوجتي فقد أولت اهتماماً بالغاً لنوع “كريم الأساس” الذي كانت تستخدمه تلك السيدة المغتربة، لأنه – وبحسبها – كان يعكس الإضاءة على بشرتها بشكل رائع طوال الحلقة.
بمنتهى الجديَّة كانت زوجتي تتمنى أن تقابل تلك السيدة المغتربة ليس لشيء سوى أن تعرف ماركة المكياج الذي تستخدمه، وهذا – بطبيعة الحال – جزء أصيل من اهتمامات النساء. على كلًّ، لقد عزز حديث تلك السيدة الفاضلة من إحدى قناعاتي والتي مفادها أن الاغتراب هو “اسم الدلع” الذي يطلقه المهاجرون السودانيون على هجرتهم. فهل أنا مخطئ؟
نعود إلى ونسة المغتربات الجميلات في ذلك البرنامج، كنت قد لاحظت أنَّهن على كثرتهن جميلات جداً، فالتفت إلى زميلتي البرلومة “المفعوصة” التي أصبحت زوجتي وأنا أسألها بابتسامة ماكرة “عن مدى انطباق نظريتي الشهيرة تلك – أيام الجامعة – على تلك الباقة من السيدات.
munaabuzaid2@gmail.com