هناك فرق
منى أبوزيد
القفص إياه
“الموسيقى التي تعزف في حفلات الزواج تذكِّرني بتلك التي تعزف للجنود قبل أن يخوضوا المعارك”.. هاينرش هاينة..
(1)
مفارقات طريفة في مجتمعنا أنتجها الاستلاب الثقافي، أولها وأولاها انتشار ظاهرة العنوسة من جهة وكثرة الأسباب غير الواقعية لرفض الزيجات من جهة أخرى. فكثيراً ما نسمع اليوم عن قصص طريفة لفتيات يرفضن الزواج من رجال يتمتعون بكل الصفات المناسبة، لأسباب تافهة جداً. وعليه فقد يجد العريس – الذي كان الزواج منه محل تفكير – أنه قد بات مرفوضاً، فقط لأنه قام بتغميس قطعة من الكيك الإنجليزي في فنجان الشاي باللبن، أثناء جلسة رومانسية مع زوجة المستقبل، أو لأنه قد تم ضبطه متلبساً بجنحة لبس حذاء غير مناسب ذات لقاء. وربما لأنه قد ارتكب جريمة أكثر بشاعة “تجشأ أو تمخَّط أمام إحدى صديقات العروس”، ولن يشفع له استخدام للمنديل، ولن يرق له قلب العروس – جراء ذلك – وإن تعلل بالزكام .
(2)
“بنات الجامعة” المصابات بالإحباط – من سلوكيات الشباب واستهتارهم بمواثيق “الريدة” – أصبح فارسهن المنتظر كهل جاد، “زول عَقِدْ”، لا وقت لديه يضيعه في “التسبيل” والتنهدات، رجل ناضج لا يغرق في شبر ماء كفتيانهن الحائرين. وإن لم يكن ذلك العريس “راجل مرة” فهو أعزب مقتدر من طبقة اجتماعية أو فئة أكاديمية أدنى، أو شاب لديه المال والجدية و”نية العقد” مع كونه غير كفؤ “لبت الجامعة” بمعايير مجتمعها التقليدي، لكنه بالطبع كفؤ جداً لغيرها التي هجرها هو لأجلها. وهكذا أصبحت بنات جامعات هذه الأيام مصدر خطر وتهديد دائم لزوجات تقليديات، أو حتى جامعيات سابقات ينتمين إلى زمن آخر، أو حبيبات أعيتهن محاولة مجاراة فنون بنات جامعات هذا الزمن .
(3)
“طيارة العين” جُنحة شائعة مكان ارتكابها “حدود العقل”، في المنطقة المتاخمة لشغاف القلب. ما أسكر كثيرُه فقليله حرام، عند هذه الفلسفة الشرعية تلتقي طيارة العين بشرب الخمر، فكلاهما يخرج بالعقل في نزهة محفوفة بالمخاطر، وكلاهما يلتقيان – في الإسلام – عند مبدئية الحكم الشرعي وفلسفة الأسباب، فكلاهما محرم من حيث المبدأ، وكلاهما ضرره أكبر من نفعه. شرب الخمر من كبائر الإثم التي تستوجب إقامة الحد في الدنيا واستحقاق العقاب في الآخرة، وطيارة العين ذنب يدخل في قبيل اللمم – أو صغائر الذنوب – وبعد وقوع كلاهما تذهب السكرة وتأتي الفكرة. الفيلسوف الألماني نيتشة قال إن من أراد أن يتذوَّق طعم الحياة، فيسعد، عليه أن يعيش في خطر، لكن عالم الزوجات هو الاستثناء الطريف الذي يؤكد تلك القاعدة الفلسفية، فما أن تدخل إحداهن من باب القفص إياه حتى يتوسَّدها القلق وتسكنها الهواجس، وتبدأ فصول أطول وردية حراسة في التاريخ. والتمرُّد على قيود مؤسسة الزواج هو هواية الشريك “المحروس” الذي يكره لا مبالاة المرأة لكنه يكره حصارها أكثر، أما الوضع الذي يرضيه ويسعدها في آن معاً، فهو إدمان الرقص على السلالم، ولعل هذا – الضبط – ما عناه الأخ نيتشة بمقولته “عش في خطر” .