سعد محمد عبد الله الناطق الرسمي باسم الحركة الشعبية لتحرير السودان- شمال (الجبهة الثورية) في حوار لـ (الصيحة):
سعد محمد عبد الله الناطق الرسمي باسم الحركة الشعبية لتحرير السودان- شمال (الجبهة الثورية) في حوار لـ (الصيحة):
أعداد من الجيش الشعبي دمجناها في الأجهزة العسكرية “جيش، شرطة، جهاز الأمن”
الاستنصار بمكوِّنات مسلحة من قِبل البعض ضد الآخر سيحوِّل البلاد إلى ساحة معارك
الصراع الحالي بنسبة 100% هو صراع حول السلطة
خروج ياسر عرمان لم يؤثر كثيراً في الأداء السياسي والتنظيمي للحركة الشعبية
هنالك من يعملون في الظلام لتصفية حسابات سياسية مع الحركة الشعبية
سنطبِّق مشروع السودان الجديد أن وصلنا إلى الحكم
حوار: محيي الدين شجر
قليلة هي المعلومات التي تبوح بها الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال (الجبهة الثورية) خاصة وكثير من الأفعال تحتاج إلى إجابات من قيادتها.
مياه كثيرة مرت تحت جسر الحركة الشعبية شمال منذ تكوينها الأوَّلي وحتى الآن.
(الصيحة) وضعت الأستاذ سعد محمد عبد الله، الناطق الرسمي باسم الحركة الشعبية لتحرير السودان-شمال (الجبهة الثورية) في كرسيها الساخن وحاروته في كثير من القضايا التي تشغل بال كثير من المراقبين.
فماذا قال: –
كيف ترى سير العملية السياسية الجارية؟
– العملية السياسية تسيير بخطوات سريعة نحو حل الأزمة الوطنية القائمة والمستمرة، والتي أضرت بمصالح البلاد وشعبها في كل مناحي الحياة، ونحن نشجع جميع الأطراف للمضي قُدماً في الحوار السياسي والتوافق على برنامج سياسي واقتصادي وخارطة طريق لإدارة الفترة الانتقالية، ولكن هذه العملية السياسية محفوفة بتحديات ومخاطر كثيرة أهمها انتشار خطاب التخوين والتخندق حول المواقف السياسية وكيفية ضم المجموعات التي لم توقع على الاتفاق السياسي الإطاري حتى لا يتكرر الوقوع في الأخطاء السابقة، ونأمل أن تكون الحلول شاملة وموضوعية، وهذا هو الطريق الأمثل لبناء دولة السلام والديموقراطية والمواطنة المتساوية.
الحركة موقفها ضبابي منذ أول يوم لانقلاب 25 أكتوبر.. أنتم مع الحرية والتغيير ومع العسكريين؟
– أولاً للرد على هذا السؤال المهم، ومن أجل التذكير والتوضيح وتبيان الحقيقة، أودُ الإشارة إلى لقاء الرفيق مالك عقار رئيس الحركة الشعبية “الجبهة الثورية” في أكتوبر 2021م عقب وقوع الانقلاب مباشرةً على قناة الجزيرة، والذي تحدث فيه بوضوح عن موقفنا وتوصيفنا لما حدث في 25 أكتوبر، وطرح رؤيتنا لحل الأزمة عبر الحوار السودانوي، وبالتالي هذه “الورطة” التي وقع فيها الجميع أتت نتيجةً أخطاء جسيمة في الممارسة السابقة على مستوى العلاقة بين المكوِّن المدني والمكوِّن العسكري، وتحتاج منا البحث عن أسلم طرائق الخروج منها، وقد أخترنا مناداة جميع مكوِّنات الشعب السوداني للحوار السودانوي والتوافق على مشروع وطني جديد يؤسس لمرحلة مختلفة من الانتقال السلس نحو الديموقراطية التشاركية، وقد تقدَّمنا بالعديد من المبادرات السياسية منها مبادرة الجبهة الثورية السودانية وتلتها مبادرة رئيس الحركة الشعبية مالك عقار وآخريات من قوى وطنية سودانية، ونحن نقف مع حل مشكلة السودان عبر إجراء حوار سودانوي موضوعي وديموقراطي، وظللنا نعمل لتحقيق ذلك بكل طاقاتنا، وتعلمون كيف تأثرنا كغيرنا من التنظيمات بما حدث في 25 أكتوبر، لكننا نضع كل هذا جانباً لنتحدث عن مصلحة ومستقبل السودان وشعبه، ولا ننحاز لطرف من أطراف الأزمة بل انحيازنا للسودان فقط.
أنتم مع الاتفاق الإطاري وضده وأنتم في الحكومة وفي المعارضة؟
– ربما هذا الخلط يتسرَّب إلى أذهان الذين لا يتابعون مواقف الحركة الشعبية بدقة، ولا يحلِّلون الأشياء بمنطق، ولكن في كل الأحوال نحن وقعنا على الاتفاق الإطاري بدافع دفع السودانيين والسودانيات إلى منضدة الحوار السياسي وحل أزمة شائكة قد تؤدي إلى انهيار الدولة إذا استمرت، وككل التنظيمات السياسية لدينا ملاحظات وآراء حول بعض المسائل المهمة المرتبطة بقضايا السلام والديموقراطية وتنظيم آليات الحكم والإدارة والمشاركة المتساوية في السلطة ولم نخفها آنذاك، وقد انخرطنا مع الجميع في عملية الحوار طبقاً لرؤيتنا وبإرادة حرة، وكان وجودنا في الحكومة أمر طبيعي جداً ومن أجل المساهمة في منع انهيار الدولة وتنفيذ اتفاقية جوبا لسلام السودان والتي فيها مسائل إنسانية وأمنية معقدة وواجبة التنفيذ ولا تحتمل التراجع إطلاقاً ومن بينها قضايا العودة الطوعية للنازحيين واللاجئين والترتيبات الأمنية ومشكلات الرحل والرعاة والمزارعين وإعادة بناء ما دمرته الحروب وكلها تستدعي منا أن نواجهها بمسؤولية كاملة، وقد فعلنا ذلك.
الحركة لم تستطع الصمود أمام الانقسامات … هي 3 كيمان؟
– الحركة الشعبية حالها كحال كافة التنظيمات السياسية السودانية التي واجهتها مشكلات تنظيمية مختلفة في مراحل تاريخية مختلفة، وأكيد انقسامات التنظيمات واحدة من أمراض السياسة السودانية التي تنتجها الممارسات الخاطئة ومنها رفض الاستجابة لقرارات المؤسسات التنظيمية وتجاهل الدستور وغيرها، ونعم تعرضنا لهزات وانقسامات كانت بمؤثرات داخلية وخارجية، لكنها في الحقيقة زادتنا قوة ومناعة واستفدنا منها الكثير في تقييم تجربتنا الطويلة ومعالجة مكامن الخلل التنظيمي بتحويل الكارثة إلى منفعة، وهذا الأمر مفيد وصحي وسيمكننا من بناء تنظيم مستقر وفاعل ومتطوِّر يستطيع التموضع بحجم تاريخه النضالي على المسرح السياسي السوداني، وبعد كل تلك المتاريس تمكنت الحركة الشعبية من إعادة توازنها وتماسك أعضائها وجماهيرها وقطارها سيمضي نحو السودان الجديد.
إلى أي حد أثَّر خروج ياسر عرمان وتكوينه جسم خاص به؟
– خروج الرفيق ياسر عرمان بحكم موقعه التنظيمي وغيره كان نتيجةً لأسباب الانقسامات في التنظيمات السياسية السودانية كما ذكرنا، وكذلك الحركة الشعبية بحكم الخلل التنظيمي الذي أدى للانقسام، وقد ذكرتها آنفاً في معرض الحوار، وأرى من الضروري معالجة الاختلالات داخل الحركة الشعبية وفي جميع التنظيمات عبر الآليات الديموقراطية المتعارف عليها، لكن هذا الانقسام لم يؤثر كثيراً في الأداء السياسي والتنظيمي للحركة الشعبية، بل الافتراق الودي الذي تم يمكن أن يضاف لأدبيات الاختلاف في السياسة المعاصرة، وتشجع الرفاق للعمل بمسؤولية للمحافظة على هذا التنظيم وتقديمه للسودانيين بشكل لائق يتناسب مع تاريخه باعتباره من أقدم وأكبر التنظيمات التحررية في السودان وافريقيا.
أنتم حركة إقليمية لا تعتنون بغير النيل الأزرق ما رأيك؟
– هذا الاعتقاد غير صحيح، وفيه تحامل وإجحاف بحق تنظيم ظل يمثّل واجهة الاحتفاء بالتنوُّع والتعدُّد وأصبح مراءة للسودانيين جميعاً، والحركة الشعبية تنظيم سياسي وثوري يحمل مشروعاً عملاقاً للتحرر من قيود العنصرة والكراهية وإقامة السودان الجديد الديموقراطي القائم على قيم العدالة والمساواة، وأبواب الحركة الشعبية منذ تأسيسها في العام 1983م بقيادة الدكتور جون قرنق دي مبيور، وحتى اللحظة، كانت وما تزال مفتوحة لجميع أبناء وبنات السودان من الذين يؤمنون برؤيتها وبرنامجها ويسعون لتطبيقها عبر الآليات التنظيمية المتعارف عليها.
ماذا تريد الحركة أن تفعل إن هي وصلت إلى الحكم؟
سنطبِّق مشروع السودان الجديد.
هل انقطعت شعرة معاوية بينكم والقائد عبد العزيز الحلو؟
– طالبنا وعملنا كثيراً في السنوات الماضية من أجل وحدة الحركة الشعبية ولم تفلح جميع المبادرات التي طرحت لتحقيق ذلك نسبةً لرفض الطرف الآخر، ولكن الآن نحن نتعامل مع الواقع بواقعية، وكل تنظيم اتخذ موضعه وذهب لحاله، وفي هذه الحالة نتمنى أن تجمعنا شعرة الوطن الديموقراطي الموحد وأداء شعائر الديموقراطية والعدالة والسلام طالما هي الأسس التي تقوم عليها رؤية السودان الجديد.
أنتم متهمون بتأجيج الصراعات القبلية في النيل الأزرق؟
– مشكلة النيل الأزرق لا تنفصل عن مشكلات السودان ككل، ويجب علينا جميعاً البحث عن وسائل إيجاد حلول سودانوية لمشكلات السودان، وعند اندلاع هذه الصراعات أصدرت حكومة إقليم النيل الأزرق ومكتب الحركة الشعبية بإقليم النيل الأزرق بيانات واضحة شرحت أسباب هذه الأزمة، ولكن هنالك من يعملون في الظلام لتصفية حسابات سياسية مع الحركة الشعبية وهؤلاء يروِّجون لقصص من صنع خيالاتهم المريضة “أعينهم تبصر الفيل ويطعنون ظله برماح الأكاذيب” أي أنهم يسعون لتشويه صورة الحركة الشعبية وعن قصد يلوون عنق الحقيقة بصنع وتصدير الشائعات وتلفيق الأكاذيب، ولكن الحقيقة أن مجتمعات النيل الأزرق والآخرين أيضاً يعرفون جيِّداً أسباب الصراع الاجتماعي الذي حدث هناك وكذلك الذين أشعلوا نار الفتنة، والأيام ستثبت الكثير والمثير حول هذه القضية، ونحن نتمنى أن يعمل العقلاء والحكماء من أبناء وبنات السودان في النيل الأزرق لرتق النسيج الاجتماعي وترسيخ قيم السلام والتعايش السلمي كما أنه لابد من الاهتمام بتحقيق الاستقرار والتنمية ورفاه الشعب.
أنتم جزء من الحكومة إقليمياً ومركزياً … ولم تحققوا شيئاً لقواعدكم التي ساندتكم وقت الحرب؟
– لا أعلم المعايير التي تتحدث بها عن هذا الموضوع، لكن أعتقد من أهم مكاسب شعبنا هو تحقيق السلام الذي أوقف دمار الحرب، وتنفيذ هذه الاتفاقية كما تم وضعها سيعود بالخير الكثير لشعوب الريف والمدن المريَّفة وكل السودان، وهذا الأمر قطعنا فيه أشواط على مستوى سن جملة من القوانين المرتبطة بالحكم الذاتي في النيل الأزرق وهنالك حركة لعودة النازحين واللاجئين وفي جنوب وغرب كردفان أنجزت الكثير من مشروعات التنمية في الكهرباء والمياه والطرق ونِسب اقتسام الثروة بين غرب وجنوب كردفان والمركز، وهذا يحتاج لعمل كبير لإتمامه، وكل ذلك يتابعه نواب الحكام هناك رغم تأخر تشكيل الحكومات، وأعتقد أن هذا حقق شيئاً من حقوق شعوب تلك المناطق، وترتبط المسألة بتنفيذ اتفاقية السلام بشكل صحيح، وهذه مسؤولية مشتركة بين الحكومات الإقليمية والاتحادية، وسنواصل العمل لإنزال ذلك على أرض الواقع.
ما هو مستقبل الحركة في ظل الانقسامات التي حدثت وستحدث؟
– الحركة الشعبية تجاوزت أزماتها التنظيمية والسياسية بفضل حنكة قادتها وانضباط أعضائها، ورؤية السودان الجديد التي تمثّل روح الشعب السوداني الذي تغنى لها ما تغنى في لحظات التغيير بساحة اعتصام القيادة العامة، ونذكر جميعاً هتافات الشباب والنساء والشيب “حرية سلام وعدالة، والشعب يريد بناء سودان جديد”، وهذا يؤكد أن رؤية الحركة الشعبية تعبِّر عن ضمائر وأحلام الجماهير، وقد اكتسبنا من شعبنا الصبر والصمود وتعلمنا كيف نمشي على الأشواك ونعبر الطرقات الوعرة وأعيننا مفتوحة لا تخطئ الأهداف أبداً، وستعمل الحركة الشعبية على تعزيز وحدتها وتماسها بقيادتها وعضويتها المستنيرة والتي تدرك حجم التحديات وعلى كامل الاستعداد للعمل في كافة المواقع لنشر رؤية السودان الجديد.
بدأتم مشروعاً لدمج قواتكم في الجيش إلى أي مدى وصلتم؟
– لقد قطعنا أشواط كبيرة في عملية الترتيبات الأمنية وهنالك لجان تعمل في هذا الملف، وأعداد من الجيش الشعبي لتحرير السودان-شمال دمجناها في الأجهزة العسكرية “جيش، شرطة، جهاز الأمن” وزيارة الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة الانتقالي والرفيق مالك عقار عضو مجلس السيادة الانتقالي إلى منطقة أولو أعطت الجيش الشعبي روح معنوية كبيرة وأكدت إرادة الدولة والقوات المسلحة في بناء جيش مهني وقومي متنوِّع وشرطة صديقة للشعب وجهاز أمن وطني ماهر ومتطوِّر، ومن جانبنا سنواصل العمل مع شركائنا في الحكومة السودانية بغية تنفيذ اتفاقية جوبا لسلام السودان حسب المصفوفة المُحدّثة وكذلك المراحل المتبقية من الترتيبات الأمنية.
مدى تأثير استقالة مبارك أردول من الحركة وهل مشاركته بالحكومة – حالياً- بوصفه تابع للحركة وفق اتفاق جوبا؟
– بالطبع كل الانقسامات لها تأثيرها، وكل رفيق له موقعه الخاص بين رفاقه ورفيقاته وداخل التنظيم، وإذا غادر سيترك فراغاً، وحتماً سيتم ملء الشواغر من الرفاق الملتزمين، ولكن ما أود التنبيه له أن التنظيمات ذات التاريخ قد تمرض لكنها لا تموت، وأن الانقسامات مرتبطة بالعقلية السياسية السودانية، وهذه مسألة يجب التوقف عندها وتحليلها وتقديم نقد نوراني برأي شجاع من أجل إصلاح التنظيمات السياسية، واستقالة الرفيق مبارك أردول كانت معلومة الدوافع والأسباب لدينا في الحركة الشعبية وكذلك الرأي العام الذي كان يتابع ما يحدث في الحركة الشعبية، وقد شرح أردول ذلك الأمر في نص استقالته المنشورة على الوسائط الإلكترونية، والرجوع إليها سيجاوب على السؤال بشكل أسلم، واستقالته ومشاركته في الحكومة أتيا بعد خروجه من الحركة الشعبية وقبل توقيع اتفاقية جوبا لسلام.
ازدادت حدة الخلافات بعد قرب تشكيل حكومة كما يحدث عادة فمن في رأيك يحرِّك الأحداث وينشر الدسائس لتسميم الأجواء؟
– الفضاء السياسي مُسمم في الأصل بسبب التناطح الحاصل بين القوى السياسية بمختلف مشاربها من جهة ومن جهة أخرى هنالك محاولات من بعض الأحلاف السياسية لاستقطاب أجزاء من المكوِّن العسكري لمناصرة مواقفها السياسية ومواجهة المكوِّنات التي تنازعها سياسياً على الساحة، وأعتقد أن الشد والجذب والاستقطاب والاستنصار بمكوِّنات مسلحة من قِبل البعض ضد الآخر تُعد من المعضلات الخطيرة التي ستحوِّل البلاد إلى ساحة معارك لا تفيد شعبنا ولا حتى المتنازعين أنفسهم، وستهزم وتنسف العملية السياسية نفسها، والأسلم والأفيد أن تبتعد كافة المكوِّنات السياسية عن استخدام ورقة العساكر في الصراع السياسي، والعساكر -أيضاً- عليهم أن لا ينخرطوا في هذا الصراع للحفاظ على مؤسساتهم التي تمثّل صمام أمان البلاد خاصةً أن لديهم تجارب مريرة مع مسألة تسييس المؤسسات العسكرية، وأمامهم فرصة للإصلاح العسكري واستعادة مؤسساتهم وتقوية بنيتها لتعمل بمهنية من أجل الدفاع عن شرفها العسكري وشعبها المتطلع للأمن والاستقرار، والسودان دولة محورية وتمتلك ثروات طائلة وتتجاذبها المطامع الدولية وتتوسط شريط إقليمي مضطرب من القرن إلى الساحل الأفريقي، وهذا يتطلب إيلاء العمل على استقرار السودان اهتمام خاص، وإذا انهارت هذه الدولة فإن دول كثيرة من حولنا سوف تنهار بسبب الفوضى التي ستحدث، ونتمنى أن لا تحدث.
الجيش مؤخرًا أشار إلى خلافات قد تؤخر التوقيع النهائي للاتفاق؟
الجيش السوداني لديه رؤية خاصة لتحقيق الإصلاح والتصالح والخروج من هذه الدوامة المظلمة، وقادة الجيش هم أجدر بالإجابة على ماذا يريدون في هذا الاتجاه، ولكن أعتقد أن الحديث عن الحوار لحل الأزمة السودانية دون وضع اعتبار لمكوِّنات سياسية ذات وزن وإبعادها والأتيان بمجموعة معينة هو تكوير للأزمة بشكل آخر، وقد ظللنا نناضل ونعمل وما زلنا ضد أي فكرة تميل للإقصاء والتخوين والاستعلاء، وهذه جزء من الممارسات التي أشعلت الحروب وقاومناها طوال سنوات الصراع مع النظام الإنقاذي الإسلاموعسكري، ونعتقد أن الواقع السياسي يتطلب أن نخاطبه بواقعية لا الأمنيات التي يتحدث بها بعض “قصيري النظر”، فلا يمكن حل أزمة السودان دون حوار شامل وموضوعي يشارك فيه كافة ألوان الطيف السياسي والمهني والاجتماعي، والفرمانات السياسية المضادة للحركة السياسية الأخيرة تظهر بجلاء حاجتنا لإعادة النظر في العملية السياسية الجارية، وهذه من التحديات الكبرى التي ذكرتها سابقاً، وهنا أتوجه بدعوة جميع المكوِّنات السياسية للتعامل مع الواقع بواقعية وعدم التخندق والتمترس في مكان واحد هو أبعد ما يكون من تطلعات شعبنا للمستقبل، ويجب قبول الآخر المختلف والحوار بروح الديموقراطية لإنتاج حلول سياسية واقتصادية وأمنية تمثلنا جميعاً وتكون مرءآة لتطلعاتنا وآمالنا، واستدامة الحلول لا يكون إلا إذا مثلتنا بحق وحقيقة.
الكتلة الديموقراطية قرَّرت المضي في موقفها؟
– الكتلة الديموقراطية مكوِّن سياسي ككل المكوِّنات الموجودة -حاليًا- في الساحة السودانية، ولديهم أفكارهم ومواقفهم السياسية، وبالطبع أتابع مواقفهم كما أتابع مواقف غيرهم، وهم من يقرِّرون في أي اتجاه سوف يسيرون، ولكن المهم هنا أن نقول مرةً أخرى لا يمكن أن تُحَل الأزمة الوطنية الطاحنة إلا بحوار سودانوي شامل ومتكافئ بين الجميع، ونحن سنضع كل طاقاتنا للدفع في هذا الاتجاه، ونعلم جيدًا حجم التحديات لكننا على قناعة بأن مشكلة السودان لا يحلها إلا السودانيين، ولا أحد في العالم يستطيع حلها، ولا نتوقع حلاً مرضياً قد يأتينا من الخارج، لأننا ندرك أطماع الخارج والداخل، ولكن مصالحنا الوطنية العليا تقتضي منا التجرُّد من صغائر الأمور وتحمل المسؤولية الوطنية والتنبيه لخطورة الخنوع والخضوع للحلول الخارجية وتشجيع الجميع للسير نحو حلول سودانية لمشكلات السودان.
هل في تقديرك يمكن الوصول إلى اتفاق كما أعلن -سابقاً- في ذات المواعيد؟
– أنا متفائل بأن الأزمة السودانية لن تتجاوز هذا الحد في درجات الصراع الملتهب حاليًا، وأعلم جيدًا أن الكل لهم حساباتهم وشعب السودان في درجة عالية من الوعي والاستنارة رغم التهميش والتجهيل والإغراق في الفقر لسنوات طويلة، وهنالك عقلاً وحكماً يستطيعون أن يضعوا مقاربة جديدة لحل هذه الأزمات، ورغم ضآلة ثمار المبادرات التي تم طرحها واشتداد حالة الاضطرابات السياسية بين الفرقاء السودانيين إلا أن الحوار مستمر، وهذا أمر جيِّد، ونحن نأمل إيجاد الحل في القريب العاجل، لكني -أيضاً- لا أثق بالمواقيت المضروبة للتوقيع على الاتفاق السياسي، وحتى إن صدق ذلك وتم التوقيع بالشكل الحالي لا أتوقع انتهاء الأزمة كلياً، والحكومة القادمة ستواجه مقاومة من طيف واسع خارج الاتفاق المتوقع، والوسيلة الوحيدة التي تضمن عدم حدوث هذا التصادم هو تحصين العملية السياسية بالعمل على إحداث توافق شامل يؤدي لاستقرار الفترة القادمة من الانتقال نحو الديموقراطية، وكما قال الرفيق القائد مالك عقار اير “إذا لم تجمعنا المصالح سوف تفرِّقنا المطامع” ويجب أن لا نكرر الأخطاء، وأن لا نسمح البتة بأن يفترق شعب السودان بسبب المطامع السلطوية لبعض النخب حتى نحافظ وحدة واستقرار البلاد.
قال فولكر، إن الخلاف بين الحرية والتغيير المركزي والكتلة الديموقراطية حول السلطة؟
– قد اتفق مع ما قاله فولكر إلى حد كبير، وغض النظر عن وجهة نظره تلك وإن اتفقت معها إلا أنني لا أرى مؤشر واضح لخلاف حول شعارات الثورة أو قضايا الريف في الهامش السوداني بين القوى الصادقة في التغيير، ولا يوجد شخص عاقل وسوي يختلف مع الحرية والسلام والعدالة والديموقراطية، لكن هنالك اختلاف في آليات الوصول إليها وهذه مسألة طبيعية يمكن حلها عبر حوار سوداني وديموقراطي، ولكن إن رجعنا لسؤالك حول الصراع الحالي فهو بنسبة 100% صراع حول السلطة، واستخدم فيه كل أشكال الأسلحة السياسية المشروعة وغير المشروعة، وهنالك بعض المجموعات تحاول تشويه وإقصاء الآخرين للانفراد بالسلطة، ولا أعتقد أنها ستفلح في تحقيق مطامعها لأنها حين تقصي أندادها وخصومها من دائرة السلطة سوف تواجه الحكومة بمقاومة شرسة، وبالتالي لا يضيع إلا السودان، ولا حل إلا بتحقيق شراكة استراتيجية وديموقراطية تضع الكل أمام مسؤولياتهم الوطنية، وهذا هو الاتجاه الصحيح.