نائب أمين سر البعث عثمان إدريس أبو راس في حديث لـ(الصيحة): تكوين الحكومة المدنية لا يعني انتهاء الانقلاب
نائب أمين سر البعث عثمان إدريس أبو راس في حديث لـ(الصيحة): تكوين الحكومة المدنية لا يعني انتهاء الانقلاب
العملية السياسية استندت على شرعنة الانقلاب
ما يجمع البرهان وحميدتي أكبر مما يفرِّق بينهما
التهديدات المبطَّنة لمعارضي التسوية تعبِّر عن الجوهر اللاديموقراطي للتسوية
حوار: مريم أبَّشر – نجدة بشارة
بلا سابق مواعيد أو تخطيط، قادتنا الصدفة لزيارة مقر حزب البعث العربي الاشتراكي بشارع الجمهورية، جذبتنا جداريات صور الشهداء بسيماهم الباسمة، المكان يشعرك بالفرح وبالإلفة، وكأننا نتوسطهم نتحدث معهم ونسمع حكاياتهم .. وبالحزن، حد اليأس من عدم اكتمال العدالة،وأخذ حقوقهم،رغم مرور 4 سنوات، على انتصار ثورة ديسمبر،في الإطاحة برأس النظام الشمولي، وبالأمل في ذات الوقت بإمكانية أن يكتمل الانتقال الديمقراطي يوماً .
هنا، في وسط “الدار” توسطت طاولة حديدية جلس عليها نائب أمين السر “حزب البعث العربي”، الأستاذ عثمان إدريس أبو راس، وبجانبه الصحفي المخضرم والمهموم بقضايا الوطن، الأستاذ عبد الله رزق، الذين رحَّبا بنا بأريحية، وبلا سابق ميعاد انخرطنا في نقاش عن هموم الوطن، والأزمة السياسية منعطفاتها ومنعرجاتها، وعن الحكومة المزمع تشكيلها . كانت فرصة للحوار مع القائد البعثي المخضرم، حيث طرحنا عليه العديد من الأسئلة، عن تكوين الحكومة القادمة،وهل ستكون حكومة تأسيس أم تصريف أعمال؟ وهل سيشكِّل تكوينها إنهاءً لحالة للانقلاب؟ وعن فرص الحكومة في النجاح…الخ..
فإلى مضابط الحوار:
* الدعم السريع وجه رسالة للسلطة ..تسليم الحكومة إلى المدنيين بلا لف أو دوران .. تعليقك؟
– هذه التصريحات تعيدنا إلى حديث سابق وجهه “حميدتي” من قبل للشارع، قبل الانقلاب بفترة وجيزة، قال فيه: “أنتو عايزننا نرجع للثكنات… نرجع كيف وأنتو “قاعدين تسنوا لينا في السكاكين” .. وقال، أيضاً، بشأن فض الاعتصام: ” ..هؤلاء خدعونا أو ورَّطونا ” وهو يعني أن هناك من انتحل صفتهم، أو ارتدى زياً مثل زيهم .
ومع تاريخ علاقته بالإسلاميين، رغم أنهم كانوا وراء صناعة الدعم السريع، لكن الواضح هذه الأيام، ومن تصريحاته المتواترة، أن “حميدتي ” أخذ موقفاً حدياً من حلفائه السابقين. أو حتى من بعض شركائه في السلطة الحاكمة. واتجاهه نحو الابتعاد بضع خطوات منهم،وتمييز مواقفه عنهم، ومن رئيس مجلس السيادة، تحديداً. ويمكن النظر إلى رحلاته المكوكية للخارج ولدولة الإمارات، في هذا الإطارـ إطار التمايز والاختلاف…لا اعتقد أن هنالك نائب رئيس مجلس السيادة يبقى أكثر من عشرة أيام في رحلة خارجية.
* هل تربط ذلك بوجود تباينات في وجهات النظر بين البرهان وحميدتي؟
– اعتقد أن البرهان وحميدتى لهما ما يجمعهما معاً. وهو الخوف من المساءلة، والمصالح المشتركة. فما يجمع بينهما أكبر مما يفرقهما..كما أن لكل منهما صلات وتحالفات في الخارج مرتبط بتوسعة المصالح أو حمايتها.بدلالة التكالب الإقليمي والدولي على البلاد والذي تشهده حالياً، وبصورة خاصة، في المساعي المبذولة لتفكيك الأزمة التي تعيشها البلاد منذ 25 أكتوبر 2021.
لذلك أظن أنه طبيعي أن يكون هنالك تباين في وجهات النظر بين الفريقين لكن ..اعتقد أنهما قادران على التعايش مع هذه التباينات لفترات طويلة جداً ..وما ردَّده البعض وضحك عليه الناس، من أنه (مافى بلد محترمة فيها جيشان). يجدر التذكير بأن هذين الجيشين موجودان من زمان بعيد. هم يعلمون ذلك، حتى حين جاءوا بحميدتي نائباً لرئيس المجلس العسكري، رغم أنف الوثيقة الدستورية.
* إذن، كيف تفسِّر تغيير مواقف بعض قادة الجيش تجاه الدعم السريع؟
– اعتقد أن المقصود من هذه التغييرات في المواقف هو سحب الأضواء عن مسرح الصراع الحقيقي..وهو صراع الانقلابيين بكل فصائلهم، فيما بينهم، بمن فيهم الذين التحقوا بهم تحت أي عنوان أو لافتة عملية سياسية، أو غيرها .هم يريدون شخصنة الصراع، وتعديل المشهد السياسي، ووضع الاتفاق الإطاري، في قلبه، في حين أنهم يشكِّلون كتلة واحدة، وأن تعددت لافتاتها، تصطف مع الانقلاب، في مواجهة مناهضي الانقلاب، باعتبار أن ذلك هو الوجه الصحيح للصراع الرئيس.
وقد تحدث محمد الفكى سليمان، عضو مجلس السيادة السابق، وقال في مرات متعدِّدة : ” لقد تمكَّنا من معالجة ٨٥% من القضايا، لكن (حاجتين غلبونا)، هما إبعاد العساكر من المشهد وقضية الحصانة، وكرر ذلك، مرات، بصيغ مختلفة .. ثم خلص إلى القول بأن “فلاناً و فلاناً- اللذين غلبهما الاتفاق معهما- حيمشوا معانا حماة للتحوُّل الديموقراطي . ”
* ولكن ألا تعتقد أن الدعم السريع وقياداته ..أصبحوا يدعمون التحوُّل الديموقراطي على الأقل بتمسُّكهم” بالإطاري”؟
-أنا شخصياً، أرى أن حماة الديموقراطية الحقيقيون هم الذين أكتووا بنيران أنظمة الفساد والاستبداد، الأنظمة التي كان استمرارها خصماً على حرياتهم وكرامتهم، وخصماً من أرواح أبنائهم.هؤلاء هم المدافعون الحقيقيون عن الديموقراطية .ولذلك نحن لا نراهن على أي شخص آخر، دون تخوين هذا أو ذاك، فالذين احتضنوا الفلول، وهم يهتفون “الليلة ما بنرجع إلا البيان يطلع”، هؤلاء لن يكونوا حماة للديموقراطية ولايمكن أن يؤتمنوا عليها، لربما قرأ البعض، من أولئك العساكر، في فترة ما، نبض الشارع قراءة صحيحة، ورأى بأن الشارع لن يرجع أو يتراجع، ويمكن أن يقدم عشرات الضحايا، من أجل إسقاط نظام البشير. فاتخذ مدفوعاً بإيثار السلامة، موقفاً صحيحاً، يومئذ، لا ننكره لك، بعزل رئيس النظام الشمولي، غير أن مايجب أن يتلو ذلك.ولكن الذي كان ينبغي أن يحصل، هو تسليم السلطة، كامل السلطة للشعب، وليس شراكة مع العسكر في الجهاز التنفيذي .
* كأنك تعني أن الشراكة مع العسكر كانت غلطة القوى السياسية التي قبلت بها؟
– أنا لا أقول غلطة .. ولكن أرى أنه جزء من غياب وعي القوى السياسية لحظة ١١ أبريل، كمثال: في ٢٢ ديسمبر من العام 2019م، خلال اجتماع في دار “البعث” في العرضة، قدَّم الأستاذ عبد الله محمد الحسن (المشهور بجيش) عضو لجنة المعلمين اقتراحاً بالدخول في إضراب سياسي وعصيان مدني يوم ٢٦ ديسمبر، وكان هناك اجتماع موازي في مكان آخر، أبلغ شخص ما، من حزب يساري، أنه حصل اجتماع وطرح الاقتراح وتمت تثنيته. ولكن لم يكتمل الاجتماع، بسبب أن فاروق أبو عيسى أصيب بكومة سكري فيما كانت قوات الأمن تحاصر الدار ..وبدأ كأنه لم يصدر قرار، الذي كان يمنح القوى السياسية (ميزة) المبادرة باتخاذ الموقف التاريخي الصحيح، في الزمن الصحيح للإضراب السياسي . لكن مرَّ يوم ٢٦ أكتوبر، مرور الكرام،ولم ينفذ قرار الإضراب العام والعصيان المدني. ومرة أخرى، وفي اجتماع تم يوم ٢٧ ديسمبر، في دار تجاني مصطفى، في الحلة الجديدة، تم تجديد تبني قرار الإضراب السياسي والعصيان المدني، وتكرر نفس الشيء، أو التخلف عن اللحظة الحاسمة، عن اتخاذ الموقف التاريخي المطلوب.
* هنالك تصريحات من قبل قوى الحرية والتغيير بقرب تشكيل الحكومة قبل رمضان، حسب فولكر.. إلى أي مدى تتوقعون أن تحل الإشكالات وتخرج البلاد من الأزمات؟
يمكن أن تتشكَّل الحكومة في أي وقت من الأوقات..لأن من يحل ويربط هو مجلس السيادة ، وهو من يعزل القضاء، ويشكِّل النقابات، إلى آخره ..سيما وأن التشكيل مرتبط “بفزاعة” البنك الدولي، المتعلقة بإعفاء السودان من الديون، رغم أننا دفعنا “359” مليون دولار، في جريمة (المدمرة كول) والتي لم يرتكبها السودان .قد تتشكل الحكومة، ولكن،هل يمكن أن نصدِّق أن تكون حكومة ديموقراطية بينما المتحاورون بشأنها الأن من القوى المدنية، يرون بأم أعينهم جريمة قتل متظاهر سلمي، ترتكب في وضح النهار من قبل نظامي، ومع ذلك يستمرون في المناقشة حول طلب حصانة لقيادات عسكرية،بأن لا يسألوا، وأن لايصابوا بسوء..كما قال اللواء فضل الله برمة ناصر.
* هل تملك القوى المدنية هذا الحق.. حق إعطاء الحصانة أو إسقاط المساءلة أو العفو.. في رأيك؟
– مامن جهة تملك هذا الحق، ولا حتى أسر الشهداء..لأن جريمة قتل الشهداء متعلقة بالوطن، بالانقلاب، والتعدي على الديموقراطية.
ومن ملاحظتنا أنه، ومع كل جريمة ترتكب بحق المحتجين السلميين، يزيد من غليان في الشارع. وسمعنا أحاديث وخطب أسر الشهداء، التي تعزز المطالبة بالقصاص.
هنالك مستجدات، تدفع بالمسيرة الثورية للأمام. ومن ذلك انتزاع الصحفيين حقهم الديموقراطي في تكوين نقابة تجسد إرادة القاعدة الصحفية، فاسحين بذلك المجال أمام قيام المزيد من النقابات الديموقراطية. ثم الوقفات الاحتجاجية والإضرابات المطلبية، من قبل موظفي الدولة والقطاع العام، والتضامن الواسع الذي تستقطبه.وامتد الأمر للقطاع الخاص،حيث الركود في الأسواق، لتعم الأزمة الخانقة كل جوانب الحياة، وما من حل في المدى المنظور، كما قال عمر المختار، سوى أن ننتصر أو نستشهد.
* المرحلة القادمة كيف تنظر إلى سيناريوهات المشهد القادم…والحالة السياسية للبلاد؟
– البلاد الآن في حالة شتات وتفرُّق ..يستحيل معها الحصول على حلول غير شاملة وجذرية. وفي الواقع أن هنالك هرولة من بعض المجموعات السياسية، حيث أصبح الوصول إلى السلطة الانتقالية غاية في حد ذاتها، في حين يفترض أن تكون وسيلة لتحقيق برنامج متفق عليه ومحدود يعبر إلى انتخابات عامة، ولكن الشاهد أن هنالك حالة تحد وتنازع، وتحاول كل مجموعة، من المجموعات المتنافسة، إقناع الجيش بتسليمها السلطة، اعتقد أن عمق المشكلة أن القوى المدنية لاتؤمن بأهمية التوافق فيما بينها، ونحن كنا نقول هذا الحديث حتى قبل انقلاب 25 أكتوبر، في غياب آليات متفق عليها لاختيار الأشخاص المؤهلون لتحمُّل مسؤولية الحكم، في كل مستوياته، إبان الفترة الانتقالية.
* على أي حال سوف تتشكَّل الحكومة؟
– سوف تكون حكومة عرجاء باهتة.. وذات قاعدة شعبية ضعيفة..نحن نتحدث عن حكومة في الفترة الانتقالية، أي في وضع استثنائي، وحساس لابد أن يكون حوله توافق، لكن المدنيين يتعاملون بحدة واتخذوها حالة للتنافس، بدَّدوا معها عدة فرص تاريخية، بتكوين حكومة انتقالية توافقية.
ليس صحيحاً ما يقال بأن تشكيل الحكومة يعني نهاية الانقلاب.فالعملية السياسية، التي ستكون الحكومة أحد نواتجها، قد استندت، ابتداءً على شرعنة الانقلاب،كمنطلق لإعادة إنتاج الشراكة مع المكوِّن العسكري الانقلابي من جهة، وتحالف قوى الحرية والتغيير،أساساً، من الجهة الثانية. لذلك لن تكون هناك نهاية للانقلاب وإنما عمر جديد، وشكل جديد، من الشراكة المموَّهة بالخداع السياسي. لذلك سيظل شعارنا المتعلق بإسقاط الانقلاب مرفوعاً في مواجهة هذا الطور من الردة، التي تتلبَّس بالتسوية.
* …لكن، كيف يحدث التوافق وأنتم وغيركم قفزتم من مركب الاتفاق الإطاري؟
– يحدث ذلك التوافق المأمول بالتخلي عن أي صراع ومطامح للسلطة، بالاتفاق على برنامج انتقالي وبالتوافق على كيف نحكم، وليس حول من يحكم، هذا هو المخرج.
* القائمون على العملية السياسية هدَّدوا بعدم التسامح مع من يعارضون العملية السياسية، أو يخرِّبونها.هل هذا نذير تراجع في الحالة الديموقرتطية؟
-إن تلك التهديدات المبطَّنة تعكس الطبيعة المعادية للديموقراطية لعملية التسوية كصفحة من صفحات الردة، وكامتداد للنهج الذي ظلت تشهده البلاد منذ انقلاب 25 أكتوبر 2021، وهو نهج، أثبت فشله، في مقابل صمود الحركة الجماهيرية وبسالتها وقدرتها على إسقاط التسوية وكل مايترتب عليها.