إذا كان الغراب دليل قوم
نقبل على مرحلةٍ مفصليةٍ مُهمّة جداً من تاريخنا، ولا نبالغ إذا قلنا إنّها من أعقد وأكثر منعطفاتنا غُموضاً ومُخاطرةً.. ولأنّ الفُرص الحَقيقيّة لا تتخلّق إلا في أوان الضيق والمُخاطرة والقلوب الحناجر، فإنّ الاستبشار ضروريٌّ أن تنتج كل هذه (الخجة) خيراً وبركة وعلى الجميع.
نُحاول الآن تغيير نظام الحكم، ومعه ينبغي إحداث تغييرٍ في الخريطة السِّياسيَّة، فهل يُمكن أن ينجز شعبنا ذلك بلا مَشَقّةٍ وأخطاءٍ؟!.
قالت الجموع كلمتها وعَبّرَت الجماهير عن رغبتها في التّغيير وظمأها للمشاركة في إحداث ذلك التغيير، لكن النُّخبة التي أدمنت الفشل تَرَاجَعت عن لِعب ذلك الدّور المأمول، بل أسهمت في أن تتحوّل تلك الروح الشعبية الإيجابية إلى نحوٍ سالبٍ يجر الدنيا إلى حيث الصراخ المُتواصل المُتوتِّر والذي سيصل بلا شك إلى إصابة الكل بالشلل العارم الراعف.
هُم الآن يجهدون في إنبات إحساسهم بالمواطنة وأنهم من يملك كل شئ، وأن كل شئ سيعود إليهم عائداً مُستحقاً وغير منقوصٍ، يفتقدون منذ زمنٍ لذلك الشُّعور بالانتماء ويبحثون عن تحقيقه بين أظلاف تلك الأزمات، (فيعملون من الحبّة قُبّة)، بَينما ينتظرون من النُّخبة أن تحيل (فسيخهم إلى شَرباتٍ).. ولكن يبدو أنّ ما جرى فعلاً: (قد عد كلب الصيد في الفرسان).
الجماهير تحتاج إلى نخبٍ تثق بها لقيادة المرحلة الانتقالية، لتطمئن أنّ كل (صَبّتها) لم تمضِ سُدىً ولم ترح هدراً، وستعود على غبطةٍ وتفاؤلٍ إلى الكيانات السِّياسيَّة المُحترمة لتُمارس عبرها التعبير عن أحلامها والطُّموحات، ذلك إذا تهيأت تلك الكيانات واستعدّت لاستيعاب المُتغيِّرات الجارية وأصبحت جَاذبةً وفَاعلةً.
افعلوا ذلك وسترون بعدها كيف يُمكن أن تُساهم تلك الجماهير في ضخ مَزيدٍ من العافية والدماء في شرايين الوطن بدلاً من (حراق الروح) والنزيف الذي نشهده في كل لحظة!!
لا تأبه الجماهير إلى أين يذهب خراج جُهُودها وخُرُوجها والهتاف.. فهذا كل ما يعتمل فيها وهذا ما تجيد فعله و(اليلومني خلي اليلومني).. و(مقدودة الرهيفة) حتى ينبري لها أولئك الذين صرفنا عليهم (دم قلبنا) ليصبحوا نخبنا والذين تغاضينا عن امتيازاتهم وهم (يُمزِّقون الليل في الحانات في دنيا الفتون) كما حكى محيي الدين فارس (في اللا شعور حياتهم فكأنهم صم الصخور)!!.
كل تلك الجماهير وبذات مشاعرها التي تملأ الشوارع نعمة لا يحس بها إلا الفلول، وثروة لا تُقدّر بثمنٍ، ولكنه المثل المصري اللعين والمُتحسِّر (أدى الحلق للي مالوش ودان).. حتى إذا أتته دراسة جدوى وانضم لمشروع البناء الوطني عاد بئراً ضاخة وقصراً مشيداً.
*مرافعة ختامية*
هرع الفريق أول حميدتي والفريق أول دمبلاب والفريق أول جمال عمر والفريق أول بشائر والفريق يوسف البلولة في نفرةٍ مشهودةٍ نحو الريف الشمالي.. كُنت أتمنى أن يَصطحبوا معهم (حمدوك) وأسرته الكريمة – وبدون (طرحة) – إلى الجيلي ليخوضوا معنا في أزماتنا على نحو رمزي قبل تَسلُّم مهامه بشكل رسمي.. ونحن كجماهير تفرحنا مثل تلك المُشاركات و(الطبطبة) وتبسطنا فـ(الخريف من رشّتو).. ثم أنها فرصة مُواتية لهم للمواكبة والاندماج بعد الغياب الطويل و(غربة وشوق).
على كلٍّ، نُحيي بعضاً من تلك القائمة الجميلة التي سرّت بالنا وهي تسهر في مُراقبة وتتريس (السيل والبحر) مع أهلنا في نكبة الجيلي.. وعلى رأسهم الفريق أحمد عابدون والي الخرطوم والفريق خالد بن الوليد مدير شرطة الولاية واللواء عثمان العطا مدير عام الدفاع المدني برغم أنّها مدنياااااو…
ولك الله يا شعبي ويا تلك العيون، مجروحة الأغوار ذابلة البريق.