الحركة الإسلامية.. هل تَبني قارباً للعودة؟
تقرير- نجدة بشارة
أعلنت الحركة الإسلامية عن شروعها في الإعداد لإقامة المؤتمر العام العاشر خلال الأيام القليلة المقبلة.
وكشف رئيس مجلس شورى الحركة بالإنابة عبد الله إبراهيم فكي، عن انطلاق فعاليات البناء للمؤتمر العاشر للحركة الإسلامية واكتمال كافة الترتيبات لانطلاق المؤتمرات القاعدية وصولاً بالمؤتمر العام خلال الفترة المقبلة.
وأبان بحسب صحيفة سياسية، أنّ الحركة الإسلامية عكفت على مراجعة تجربتها بالحكم والتركيز على مشروعات الدعوة بالمجتمع والاهتمام بقضايا معاش الناس وعافية النسيج الاجتماعي.
فوق وتحت الأرض
ولعل في الوقت الذي تصطرع فيه قوى الثورة بين الرفض والقبول للعملية السياسية..وتشكيل حكومة تمكِّن من كسر طوق العزلة وإزالة الشقاق والقطيعة الممتدة بينها، ووسط حالة الانغلاق لأفق الحل، نشطت في مقابلها الحركة الإسلامية وانخرطت في مراجعات فكرية نقدية محمومة لمسيرتها عبر تحركات من فوق وتحت الأرض لإعادة إنتاجها مجدَّداً كقوى سياسية فاعلة بعد سقوطها المدوي في الحادي عشر من أبريل، بثورة زلزلت عرشها واقتلعت جذورها.. ومع ذلك تنفس الإسلاميون الصعداء بعد أحداث 25، ومؤخراً حذَّر مراقبون من
ظهور الأمين العام للحركة الإسلامية المحلولة علي كرتي، في ولاية الجزيرة مشاركاً فعالية سياسية، وذلك في أحدث تطور بالمشهد السياسي.
ووصفت أوساط سياسية ظهور الأمين العام للحركة الإسلامية في محفل علني بالنادر والمفاجئ .
وشارك كرتي في الملتقى التنظيمي الثاني لمنظومة العمل الموحد بمنطقة “بدينة” شرق ولاية الجزيرة وسط البلاد.
ويقول محلِّلون إن ظهور كرتي العلني ينبئ بحدوث وقائع جديدة.
فيما يتساءل متابعون على منصات السوشيال ميديا عن شرعية التأسيس للحركة الإسلامية وهل هذه التحركات خطوات لملمة قواعدها والعودة مجدَّداً للابتعاث تحت مسميات أخرى؟ وهل هذه المراجعات خطوات لتُبني بها قارباً للعودة إلى الواجهة مجدَّداً؟
أيادٍ بيضاء ولكن!
في السياق سبق وحذَّر ياسر عرمان من محاولات يبذلها الإسلاميون لخلق فتنة بين القوات المسلحة وقوات «الدعم السريع»، على أمل إضعافهما والتسلل إلى داخلهما للسيطرة على الدولة، مشيراً إلى أن حدوث ذلك قد يهدِّد الأمن الإقليمي
في حديث سابق للقيادي بالحركة الإسلامية أمين حسن عمر، قال : إن الحركة منخرطة في مراجعات نقدية لمسيرتها منذ مدة، وكتب أمين في تدوينة على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”: “السودانيون قوم كرام، ذوو أنفة وهذه صفة تورث الكرم والشجاعة وكراهية كل ما يشين، ولكنها تورث -أيضاً- افتخاراً بالذات وتحيُّزاً لها، يجعل المحاسبة العلنية من المرء لذاته أمراً عسيراً نادر الحدوث”.
وأضاف “الحركة الإسلامية مُنخرطة منذ مدة في مُراجعات نقدية لمسيرتها ولن يصلح الأمر إلا بالمراجعة الصريحة الصادقة.. وإذا صارت المُراجعات أدباً فذلك السبيل لإصلاح الحال.. لذلك نُثمِّن عالياً كل كلمة صريحة واعترافاً شجاعاً بالخطأ”، وتابع “نمد يداً بيضاء لمن مد يداً بيضاء، ولكننا في دارنا لن نستأذن أحداً مدنياً ولا عسكرياً في المُطالبة بحقوق المواطنة كاملة وأخذها كاملةً غير منقوصة مهما كانت تمنعات واعتراضات الخارج والداخل، فالبلد بلدنا ونحن أسيادها في ملكية عامة على الشيوع لكل مواطن حُر في بلد حُر”.
من جهة أخرى دعا عضو مجلس السيادة الفريق ياسر العطا إلى ضرورة “عمل ما” مع التيار الإسلامي الذي وصفه بالقوى المبعدة من الثورة.
وبرر العطا دعوته استصحاب الإسلاميين في المرحلة القادمة لإبعاد التطرُّف وجلبهم للسير المعتدل في طريق الديموقراطية وعدم الانقلاب عليها مجدَّداً.
وجاءت تصريحات ياسر العطا خلال فعالية “نفرة دار بيري” لتعزيز السلام والتنمية جرى تنظيمها أمس الأول بالخرطوم.
فرفرة مذبوح
يلاحظ مؤخراً، أن السلطات قد أطلقت سراح عدد من القيادات الإسلامية من المعتقلات، وبعد أحداث 25 أكتوبر، شرعت الحكومة في إعادة كوادر جماعة الإخوان المسلمين من الصف الثاني إلى الحكومة، وفتح المجال السياسي والاقتصادي أمام التنظيم المحظور عن العمل السياسي لـ10 أعوام، وإطلاق سراح جميع القياديين في الجماعة، بمن فيهم رئيس الحزب ووزير الخارجية الأسبق، إبراهيم غندور، كما رفعت قيود الحركة عن الأمين العام للحركة الإسلامية السودانية، وزير الخارجية الأسبق، وقائد ميليشيا الدفاع الشعبي (الجناح المسلَّح للجماعة)، علي كرتي، وسمحت له بالظهور علانيةً على الأجهزة الإعلامية.
ثم توالت سلسلة الاستقبالات الحاشدة لقيادات الحركة العائدين من عزلتهم الخارجية لاسيما عودة محمد طاهر إيلا، الذي عاد إلى السودان من مصر.
هذه الأحداث أثارت حفيظة الشارع السوداني وتصاعدت المخاوف بعودة الإسلاميين إلى واجهة الفعل السياسي، لا سيَّما وأن العملية السياسية أصبحت تمضي ببطء.
لكن في المُقابل، قلّل مُراقبون ومحلِّلون من تحرُّكات الإسلاميين، ومؤتمرهم العام ووصفوها (بفرفرة المذبوح)، وأكّدوا بأنّ وقتاً طويلاً سوف يمضي قبل أن يقر أو يعترف الشعب السوداني مُجَدّدَاً بالإسلام السياسي في السودان.
إعادة كنسهم
في الأثناء، قطعت الحرية والتغيير، الطريق أمام عودة الحركة الإسلامية للواجهة مُجَدّداً، حيث قطع القيادي بالتغيير أحمد حضرة، بعدم عودة الحركة الإسلامية إلى الواجهة مُجَدّداً، وقال في حديث لـ(الصيحة): إن الشعب السوداني سيعيد كنس الإسلاميين للمرة الثانية، ولن يجدوا القبول مُطلقاً مهما فعلوا أو حشدوا لمؤتمراتهم العامة، وأردف: لولا إجراءات الخامس والعشرين لما سمعنا أصواتهم مرةً ثانيةً، لأنهم بعد الثورة تواروا من هُم بالداخل وهرب بعضهم للخارج، وأخرجوا أموال البلد المنهوبة، وامتلكوا العقارات والاستثمارات، وزاد الآن عادوا ليتبجّحوا بكل (عين قوية)، ونسوا أن هذه الثورة العظيمة قامت لتكنس آثار ثلاثين سنة، ولكنس ما ارتكبوه في حق الشعب السوداني، وأردف ستزول الأوضاع السياسية وسيُعاد كنسهم ثانياً وحتى ذلك الحين لن يكون لهم قبول مُطلقاً.
ظاهرةٌ اجتماعيةٌ
لكن الخبير الدبلوماسي والأستاذ في المركز الدبلوماسي بوزارة الخارجية د. عبد الرحمن أبو خريس، قال في حديثه لـ(الصيحة) قد نختلف أو نتّفق مع الإسلاميين، لكن لا نستطيع أن ننكر أنهم كيان ليس سهلاً القفز عليه أو حتى إزاحتهم من الساحة السياسية، نسبةً لأنهم ظاهرة اجتماعية ينبغي التعامل معها بالواقعية، والاعتراف بكل الفاعلين سياسياً من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين دون تمييز. وأردف صحيحٌ أن الثلاثين سنة الماضية حدث فيها الكثير من التجاوزات والإخفاقات، لكن الاعتراف بالخطأ فضيلة ووجوب المراجعة مقبولٌ حتى مع كل الكيانات السياسية والعقدية، ينبغي أن تُجرى دورياً مثل هذه المراجعات.
جلد الذات
وشرح أبو خريس بأن المراجعات المقصودة ربما للمحاسبة وجلد الذات ومحاولة لإنتاج أفكار جديدة تتواءم والتغييرات الجيوسياسية التي أحدثتها ثورة ديسمبر والتماهي مع هذا التغييرات في حدود الإمكان.
وبسؤاله ما إذا كان إطلاق سراح القيادات الإسلامية قد فتح شهية الإسلاميين مُجَدّداً، قال أبو خريس إن إطلاق سراح الإسلاميين ليس مقياساً لإطلاق شهيتهم للعودة، بقدر ما هو رمزية لعدالة القضاء السوداني ونزاهة القانون، وتوقّع في ذات الوقت أن تجد اعترافات الإسلاميين ومُراجعاتهم القبول وسط نسبة كبيرة من الشعب السوداني، لأنهم كيانٌ سياسيٌّ ولهم حواضن، لكن قلّل من فرصهم في إيجاد ضربة حظ تُعيدهم إلى الواجهة مُجَدّدَاً.