أبو عاقلة أماسا يكتب: الوليد عجبنا.. قائدٌ قوميٌّ كامل الدسم.. نجح في حسم أحداث بورتسودان وأقنع الأطراف بأهمية التعايش السَّلمي..
* قبل عامين من الآن كانت مدينة بورتسودان تغلي جرّاء أحداث أسيفة تسبّبت فيها فتنة مُتجدِّدة بين قبيلتي النوبة والبني عامر، استمرت خامدة منذ سنوات، ولكن في اللحظة التي أعلن فيها أنّ اللواء الوليد عبد القادر عجبنا سيتولّى أمر قيادة منطقة البحر الأحمر العسكرية أخذت فيها الأزمة منحىً جديداً، وسيلٌ من التوقُّعات أحاطت بالمشهد بأنّ الملف سيشهد اختراقاً لافتاً، ليس بسبب الانتماء العرقي للوليد، بل نظراً لأنّ الرجل كان وما يزال من القيادات العسكرية المُميّزة، والتي استطاعت أن تقدم نفسها كنموذج للشخصية العسكرية القومية والواعية بقضايا الوطن الأمنية والاجتماعية، وما لا يعرفه الكثيرون أيضاً أنّه يتمتّع بقُدرات كبيرة في التواصل الاجتماعي، فضلاً عن قدر من القبول يصنعه بلغته المتزنة والحازمة والحكيمة، لذلك كان سهلاً على شخصية بهذه المُواصفات أن تُحقِّق نجاحاً غير مسبوقٍ في هذا الملف الحسّاس خلال عام ونصف قَضَاها هُناك، لم يكتفِ بدور القائد العسكري الحاسم فقط، بل سار بين الناس بالكلم الطيب، تارةً في اجتماعات مغلقة تحوي قدراً من التوعية والتثقيف، وتارةً أخرى بالخُطب الرشيدة والمُحاضرات التي تحمل من القيم أغلاها وأنفعها، فانصاعت الأطراف التي كانت مُتصارعة ومُتناوشة في بورتسودان إلى السَّلام طائعةً ومختارةً ومُقتنعة، وكانت أهم اللحظات في البداية، في كيف يصنع فترة الهُدنة والصّمت والتأمُّل بين الأطراف المُتنازعة، وقد تمكّن من تحقيق تلك الهُدنة، واستطاعت قيادات القوى المدنية من كافة الأطراف أن تُنبِّه القواعد إلى ضرورة التأمُّل في أصول الفتنة ومدارستها وتفاصيلها ونتائجها على الأفراد والمُجتمعات، بعد أن راح ضحيتها نفرٌ عزيزٌ من أبناء الوطن من الطرفين ومن أطراف لم تكن جزءاً من المُشكلة في الأصل.. وبالفعل أثمر ذلك النّشاط في أن تُخضع بورتسودان إلى حالة من السَّلم والأمن بقناعة تامة بضرورة التعايش وسيادة ثقافة السلام.
* الوليد عبد القادر، رغم أنه حفيد السلطان عجبنا، القائد الأعظم لثورة جبال النوبة ضد المستعمر ١٩١٧، وإنّه ورث كل صفات القيادة والحنكة والحكمة، إلاّ أنّ الجانب المُكمّل كان في أنه وُلد ونشأ بمدينة شندي، وأخذ من مُجتمعها أفضل الصفات، ثم تنقّل في شتى بقاع السودان ليأخذ من كل ثقافة ومجتمع ويتشكّل قائداً قومياً مميزاً، ثم قائداً في سلاح المظلات المعروفة بالكفاءة والحسم..!!
* لم تقدم الحكومة المركزية على مراجعة ملفات أحداث البحر الأحمر، ولم نطّلع نحن على مبحث أو تقرير تولى مدارسة للأمر من زاويا المسببات لها، والخطوات التي فُرضت عليه السلام والأمان والتعايش كخيار تحتاجه كل الأطراف ولكنها كانت تضل الطريق إليها.. ولكنّنا بحاجة إلى ذلك، لكي نقطع الطريق على تكرار مثل تلك الأحداث، ولكي نأخذ الدور الإيجابي الذي قام به القائد الوليد ومُحاولة تعميم التجربة على المناطق المُلتهبة..!!
* للقائد الوليد فلسفة خاصة في إدارة مثل هذه الملفات الحسّاسة.. ووعي كامل بما يجري في مناطق الأحداث، بخبرات السنين المُتراكمة.. وله قُدرات وخبرات أيضاً في المزاوجة بين دوره كقائد محنك وإنسان اجتماعي فاعل يتمتّع بقدر من القبول في كافة المجتمعات التي مَرّ بها.. لذلك كان من الصعب قراءة الشخصية من زاوية الانتماء العرقي الضيِّق، وإهمال أهم مكونات شخصيته التي أخذت من ثقافة الوسط والوسط الشمالي، فأصبحت أنموذجاً للإنسان السوداني كامل الدسم..!!