تقرير: صلاح مختار
فكرة المحاصصة المطروحة في مسودات الاتفاق السوداني، كما يراها الكاتب العربي محمد الرميحي، أن الشرق الأوسط يؤسس كما يعتقد لا محالة لتغييرات جديدة، فلا يسير المركب برأسين!
خلاف المحاصصة
يبدو أن الخلافات بين مكونات التغيير القت بظلالها على الثورة وبدأت أصوات تخرج تتهم الطرف الآخر بأنه خرج عن خط الثورة، وبينما كان الجميع ينتظر تسمية أعضاء السيادي من بين مكونات قوى التغيير وتسمية رئيس الوزراء وإعلان تشكيل الحكومة الجديدة, بدأ الملل يتسلل إلى قواعد الثورة عندما وضعت قوى التغيير متاريس أمام مشاركة الجبهة الثورية بينما هي تتمترس وتتكالب على المواقع وتوزيع الغنائم وبالتالي ينتظر الجميع كرسي الحكومة والوزارات ليبدأ الصراع على أصوله.
وبحسب مصادر مؤكدة لـ(الصيحة) أن قوى الحرية والتغيير والجبهة الثورية كانت قد أرجأتا مراراً الإعلان عن اتفاقهما بسبب خلاف يتعلق بتقاسم السلطة عبر المحاصصة في هياكل الحكم الانتقالية، في وقت تنفي فيه قوى التغيير أن تكون محادثات أديس أبابا ناقشت مبدأ المحاصصة.
المربع الأول
نفس المصادر كشفت أن الجبهة الثورية طالبت بمقعدين في المجلس السيادي، والحصول على حصة بمجلس الوزراء، وعلى رأسها منصب نائب رئيس الوزراء وحقائب سيادية أخرى. وتضمن الاتفاق السياسي الذي وقعته قوى الحرية والمجلس العسكري قبل أسبوع آليات تشكيل كل من المجلس السيادي ومجلس الوزراء. كما طالبت الجبهة الثورية بحصة في المجلس التشريعي، وأن تقوم بتسمية الولاة بمناطق النزاعات، وهي دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان. وهو ما اعتبره مراقبون بأنه يأتي في ظل المحاصصة إذا تمت الموافقة عليه.
بيد أن وفد قوى الحرية والتغيير بحسب المصدر، رفض مبدأ المحاصصة وتقاسم السلطة مما أعاد العلاقة بين مكونات قوى التغيير إلى المربع الأول.
عرقلة المسار
ولعل ما اتفقت عليه مكونات التغيير بشأن تقسيم المواقع والمناصب بحسب المناطق أضعف فرص الحديث عن الكفاءات، وبالتالي كما تراه بعض المصادر خروجاً على مطالب الشباب الثورية التي نادت بإسناد الوزارات في الحكومة المقبلة إلى الكفاءات مما قد يقود إلى عرقلة مسار الثورة ووضع متاريس أمامها.
لقد بدا واضحاً من خلال الأسماء التي طُرحت لشغل مقعد المجلس القيادي، وبدا واضحاً أن القاعدة قد كسرت مما حدا بمكونات التغيير ممثلة في تجمع المهنيين أن يصدر بياناً يرفض فيه تسمية أحد أعضائه في المجلس القيادي وانتقدت في ذات الوقت الخطوة التي اعتبرتها خروجاً على ما اتّفق عليه.
أهداف خفية
وكشفت مصادر قريبة من قوى التغيير عن اتجاه جديد لبداية حوار مع الجبهة الثورية لإقناعها بالاتفاق واعتبرت تلك المصادر أن القضية اصبحت تسويفاً وضياعاً للوقت على حساب المصالح الوطنية التي تعطلت لأكثر من ستة أشهر وأن الشعب السوداني بدأ يعاني الأمرّين جراء ذلك، ما دعا لخروج مجموعات معادية للاتفاق ولقرارات الحرية والتغيير، وأثارت بذلك شكوكاً بين قواعد الثورة والشعب.
وحذر المصدر من تأخير في تشكيل الحكومة، وقال إن أي تأخير سيقابله موقف صارم من المجلس العسكري الانتقالي، وأكد أن تأخير حل المجلس الانتقالي قد تكون له علاقة بالخلافات بين مكونات التغيير فيما يتعلق بشغل المواقع في الجهاز التنفيذي والسياسي.
إشاعة الفكرة
وكان المتحدث باسم وفد قوى الحرية والتغيير وجدي صالح، قد قال في حديث لـ”الجزيرة” بإثيوبيا إن هناك أصواتاً تحاول التشويش بإشاعة فكرة المحاصصة واقتسام السلطة والثروة. بيد أن القيادي بقوى الحرية والتغيير ناجي الأصم نحا نفس الاتجاه في تغريدة على تويتر، وهو ما روجته وسيلة إعلام عن اتفاق يقضي بمنح الجبهة الثورية مقعدين بالمجلس السيادي مقابل ثلاثة لقوى التغيير ما يشير إلى وجود محاصصة مطبوخة بين قوى التغيير والجبهة الثورية.
خطأ فادح
واعتبر المحلل السياسي د. عبده مختار لـ(الصيحة) أن قوى الحرية والتغيير وقعت في خطأ استراتيجي عندما وضعت معيار تمثيل كل الأقاليم في تشكيل مجلس السيادة، وأكد أن ذلك خطأ من البداية لأنه مدخل إلى المحاصصة ويعني أنها ألغت المحاصصة الحزبية والسياسية واستعاضت عنها بالمحاصصة الإقليمية والمناطقية والجهوية، وهذه المحاصصة تحمل مضامين إثنية أو عرقية أو قبلية، وبالتالي لها مدلولات أخرى وتفجر مشكلات في التمثيل، ومن يمثلنا، وهذا اعتقاد خاطئ واستراتيجي ما كان لقوى التغيير أن ترتكبه، وكان الأفضل لو أنها اعتمدت معياراً موضوعياً تتمثل في الشخصية القومية الوطنية التي تكون مقبولة للجميع بغض النظر من انتمائها الإقليمي أو الجهوي أو السياسي، وهذا معيار موضوعي مجرد يقفل هذا الباب الذي دخلنا فيه وأدخلنا في متاهات تؤثر على تشكيل الحكومة.
قلق الشارع
الأمر الآخر الذي يراه مختار أن قوى الحرية والتغيير عليها أن تقتنع برأي الخبراء والعلماء المختصين في القانون والعلوم السياسية، مشيراً إلى كثير من المبادرات المحلية التي طرحت أمامهم تحمل المعايير الموضوعية في تشكيل كل مؤسسات الحكومة الانتقالية، تلك كانت بعيدة عن المحاصصات التي أدخلت الشارع في نوع من القلق على مصير الثورة، والآن هناك غضب شعبي كبير لهذا التأخير من هذه المحاصصة التي أعادتها قوى الحرية بالشباك بعد أن خرجت بالباب.
مسار الثورة
وقال مختار: من الخطأ أن قوى التغيير حملت السيادي أكثر مما يجب، وهو ليس بالأهمية الكبيرة في اختيار الشخصيات، وهو رمزي أكثر مما هو حاكم فعلي أو تنفيذي جعلوا له قيمة وأرادوا أن يجعلوه محاصصة جهوية وإقليمية، ولن يؤثر على مسار الثورة، وإنما يؤثر على التأخير والجانب النفسي، ولكن يزيد من معاناة المواطن والتأثير على غياب المواطنين.
غير مفوض
كذلك يبدو أن القيادي بقوى الحرية والتغيير الأصم يصر على استبعاد مسألة المحاصصة التي بدأ الترويج لها وانتشرت وسط شباب الثورة انتشار النار في الهشيم، لذلك وضح أن المحادثات التي جرت في السابق بأديس أبابا لم تناقش تقاسم السلطة والمحاصصة، مضيفاً أن التحالف الذي ينتمي إليه لا يملك السلطة حتى يقوم بتوزيعها.
الالتزام بالميثاق
وكانت دعوات وُجّهت من ناشطين لتنظيم مواكب تتوجه لمقر تجمع المهنيين بالخرطوم، للمطالبة بالالتزام بميثاق إعلان الحرية والتغيير إثر تداول أنباء عن ترشيح حزبيين لمناصب وزارية بينها رئاسة الوزراء. وشددت قوى التغيير على التزامها بميثاق إعلان الحرية والتغيير، والتأكيد على الالتزام بحكومة الكفاءات الوطنية. ورغم ذلك بدا واضحاً أن خروج الجبهة الثورية غاضبة على نكوص شركائها في قوى التغيير عن الاتفاق الذي يجسد معنى المحاصصة، بالإضافة إلى أن الفشل المستمر والتأجيل المتكرر لإعلان مرشحي قوى التغيير بسبب النسب والتناسب للمواقع التي تشغلها الأسماء المختارة بين مرشحي القوى المكونة لقوى التغيير.
لا مجال للمحاصصة
ورغم أن زعيم حزب الأمة القومي الصادق المهدي، أكد أنه لا مجال للقيام بالمحاصصة في المستقبل، وقال حول ذلك (يجب أن يكون أعضاء المجلس السيادي والحكومة ورؤساء الولايات من الخبراء). إلا أن موقفه هذا لم يمنع من دخول المحاصصة من بوابة التغيير وخروج موقفه من شباك الأغلبية الصامتة على الحق. والقبول بمبدأ انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً.
الكذب البائن
ويرى القيادي بالمؤتمر الشعبي، د. أبوبكر عبد الرازق لـ(الصيحة)، أن الاتفاق الذي تم بين قوى الحرية والتغيير والجبهة الثورية في أديس فيما يتعلق بالمجلس السيادي فيه محاصصة واضحة، بيد أنه قال (قوى التغيير مرات تكذب على قواعدها)، مشيرًا إلى الاتفاق السابق مع العسكري الذي ينص على العضو الـ(11) يكون مدنياً له خلفية عسكرية، ولكن قوى الحرية اخفتها عن الناس، وأضاف أنهم تنازلوا عن كل شيء، وقال: حتى اليوم يكذبون، وقال: حتى المظاهرات التي خرجت يوم (13) كانت ضدهم، وإن الشباب بدأوا يحسون أنهم يكذبون عليهم.
محاصصة إقليمية
ويبدو الانزعاج على المحلل السياسي بروفسير علي الساعوري في حديثه لـ(الصيحة) من التناقض الكبير بين مكونات الحرية والتغيير، ويرى أنهم لن يتفقوا أبداً لسبب بسيط أنهم رفضوا قيادة موحدة من البداية، كذلك رفضوا لجنة تنسيقية موحدة، وبالتالي كل له هدف مختلف عن الآخر، مبيناً أن شعارهم كان فقط (تسقط بس)، وعندما تحقق ذلك، لم يكونوا قادرين علىما بعدها، واعتبر ما يجري الآن يناقض الاتفاق الذي تم مع المجلس العسكري وأن ما تم من اتفاق يفتح الباب من جديد لمحاصصة إقليمية مثلاً اختيار ممثل من قوى كردفان أو دارفور، واعتبر تلك محاصصة إقليمية، وقال ما تفعله مكونات الثورية يمكن أن تصبح محاصصة وستصبح مشكلة في المستقبل.
إجماع لهدف
وتساءل الساعوري عن كيف ترضى قوى التغيير ببعض التوافق، وقال حتى إن جاء المهدي لن يرضى لأنه يعتبر نفسه من الأحزاب الكبيرة، وانتقد قوى الحرية، وقال إنهم لم يتغيروا وعجزوا في 2010 عن قيام جبهة موحدة، وكان بإمكانهم إسقاط الوطني في ذلك الوقت، وكذلك في انتخابات 2015، وقال: هؤلاء لا يجمهم جامع سوى إسقاط البشير، والبشير قد سقط.