البرهان في شمال كردفان.. رسائل في بريد هؤلاء (…)
تقرير- صبري جبور
العملية السياسية الجارية -الآن- تشهد تطورات متسارعة على مستوى التفاهمات بين العسكر والمدنيين حول الاتفاق الإطاري وكيفية الوصول إلى اتفاق نهائي يفضي إلى تشكيل حكومة مدنية خلال الأيام القادمة، حيث تم الاتفاق على وضع مصفوفة تتضمَّن توقيع الإعلان الدستوري في 6 أبريل المقبل، وتشكيل الحكومة المدنية في 11 من ذات الشهر.
لذا المشهد السياسي السوداني يشهد حراكاً هنا وهناك، وكل يريد أن يصوِّب بسهامه نحو الهدف الذي يحقق له وجوده خلال الفترة المقبلة، في وقت لازالت الكتلة الديموقراطية ترفض بشدة كل المساعي التي تفضي بالوصول إلى اتفاق وتوافق حول القضايا الوطنية والخروج بالبلاد إلى بر الأمان من خلال تكوين الحكومة، التي ترى أنها ستكون تحصيل حاصل، ولن تؤدي إلى حلول شاملة كما يرغب السودانيون في الاستعجال من أجل إنهاء الأزمة السياسية التي استفحلت لاسيما بعد قرارات رئيس مجلس السيادة في الخامس والعشرين من أكتوبر ٢٠٢١م.
فيما اتهم الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، خلال خطاب له في منطقة أم سيالة بشمال كردفان القوى السياسية بتدبير الانقلابات في السودان، من خلال العمل وسط عناصرها بهدف الاستيلاء على السلطة .. بينما يرى خبراء ومختصون أن حديث البرهان في شمال كردفان بمثابة رسائل في بريد الحرية والتغيير المجلس المركزي، بجانب القوى السياسية السودانية والوساطة الدولية، محذِّراً من مغبة المساس بالقوات المسلحة، ولن يسمحوا بذلك، كما أكدوا بأن الحكومة الجديدة تتطلب توسيع قاعدة المشاركة فيها.
تورُّط القوى السياسية
اتهم رئيس مجلس السيادة، الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، اليوم، القوى السياسية، بتدبير الانقلابات العسكرية، من خلال العمل وسط عناصرها بهدف الاستيلاء على السلطة،وقال البرهان في خطاب جماهيري، بمنطقة أم سيالة، بشمال كردفان: “الجيش ما بيعمل انقلابات، الانقلابات بيعملوها السياسيين”، وشدَّد البرهان على أن خروج الجيش من المشهد السياسي، رهين بتوقف الساسة عن العمل والاستقطاب في وسط عناصره.
وأضاف: “الجيش ما بيمرق من السياسة إلّا السياسيين يبعدو عنو”.
وجدَّد تعهداته بمخرجات الاتفاق الإطاري والعملية السياسية الجارية، وعلى رأسها العودة إلى الثكنات، وتمرير السلطة للمدنيين، جازماً بوقوفهم على مسافة واحدة من جميع الأطراف،وطالب البرهان بعملية فرز بين السياسي والعسكري، من خلال توقف العسكر عن الحديث في الشأن السياسي، بالتوازي مع إجراء ترتبيات أمنية، تحول دون امتلاك الأحزاب لأذرع عسكرية، واحتكار العنف في أيدي القوات النظامية، ما يمكِّن الجيش من التفرُّغ لحماية الدستور والبلاد.
استصحاب الجميع
ووصف البرهان القوات المسلحة بأنها صمام أمان السودان، متعهداً ببذل روحه قرباناً لتماسك الجيش، والحيلولة دون المساس باستقراره.
وفي سياق متصل، أهاب البرهان بالقوى السياسية باستصحاب الجميع في العملية السياسية الهادفة لنزع فتيل الأزمة المستمرة لقرابة عام ونصف،وقال: “ما دايرين انتقال فيه تنازع، فيه تشظي، فيه تشرذم”،ونبّه إلى أن الكرة -حالياً- في ملعب السياسيين، للعمل على استقرار البلاد، من خلال الاستماع للآخرين،وحذَّر من انهيار عملية الانتقال في حال إصرار بعض الأطراف على التمسُّك بالسلطة دوناً عن الباقين، وزاد: “والله هذا المسار إذا ما استصحب القوى الرئيسة، وكل السودانيين سيتعثر قريباً ولن يستطيع أن يمضي”، وتابع: “هذه العملية السياسية إذا مشت مبتورة وعرجاء ستتعثر وتسقط ولن تمضي إلى الأمام”.
رسائل إلى هؤلاء
ويقول المحلِّل السياسي الفاتح محجوب، إن مخاطبة الفريق أول عبدالفتاح البرهان لجماهير شمال كردفان جاءت محملة برسالة إلى قوى الحرية والتغيير المجلس المركزي، محذِّرة من عواقب تضييق المشاركة في الحكومة الانتقالية الجديدة، قائلاً إنها إن تكوَّنت من دون مشاركة بقية القوى السياسية السودانية فهذا يعني أنها ربما لا تستمر بفعل الاضطرابات التي قد تنتج عنها وهو في ذات الوقت تعمَّد عدم توضيح إن كان سيسمح بتكوين حكومة ضيِّقة التمثيل لإدارة الفترة الانتقالية أم أنه سيحول دون تكوينها وهو غموض عرف به الرجل دوماً، وأضاف محجوب ” أما رسالته الثانية فوجهها للقوى السياسية السودانية وللوساطة الدولية، محذِّراً من المساس بالجيش، مؤكداً أنهم لن يسمحوا قط لأي جهة بالمساس بالجيش السوداني، ومؤكداً في ذات الوقت انهم كجيش غير راغبين في دخول المعترك السياسي وهذا يعني أنه أراد أن يقول بأن إصلاح المنظومة الأمنية والعسكرية أمر يخص المؤسسة العسكرية أولاً ثم لاحقاً بقية المؤسسات المدنية، وهاجم تدخلات المدنيين في الجيش وحمَّلهم مسؤولية كل الانقلابات العسكرية في السودان.
آليات مقاومة
تعليقاً على خطاب البرهان، يقول المحلِّل السياسي أحمد عابدين، إن حديث البرهان مكرَّر ولا جديد فيه فقائد الجيش استخدم كل الإشارات ليستمر في السلطة، وأضاف: “اليوم أعلن آليات مقاومة الحكومة القادمة فحين يرسل حديثاً مبطناً عن فشل الحكومة القادمة وفق اتفاق صنعه هو وأقدم عليه وانقلابه في ٢٥ أكتوبر، لم يجف حبره يتحيَّن فرص القضاء عليه حين اكتشف خطورته عليه كما نبَّهه نائبه يوماً.
وتابع عابدين: ” كل الحديث الدائر -الآن- عن دور القوى السياسية في الانقلابات هو استهلاك وتحيُّن لمزيد من العرقلة لأي مشروع يبعد البرهان من الساحة وليس القوات المسلحة”.
وفاق واتفاق
ويؤكد المحلِّل السياسي الهادي أحمد، أن محلل ربط الوصول إلى توافق بين القوى السياسية من خلال حديث رئيس مجلس السياده الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان ينذر بأن لا وفاق واتفاق يلوح في الأفق قريباً، وقال الهادي في إفادة لـ(الصيحة) الأمر الثاني لربما هناك رؤية داخل أروقة مؤسسة القوات المسلحة بقيادة المرحلة المقبلة في حالة عدم الاتفاق على المرحلة الانتقالية وهذا الأمر دوماً يردِّده رئيس مجلس السيادة .
آلية سياسية
هذا وتوصلت القوى العسكرية والمدنية الموقعة على الاتفاق الإطاري، إلى اتفاق لانعقاد آلية سياسية لصياغة الاتفاق النهائي قريباً..وانعقد، الأربعاء الماضي، اجتماع موسع ببيت الضيافة ضم قائدي الجيش والدعم السريع وأكثر من ثلاثين من ممثلي القوى المدنية الموقعة على الاتفاق الإطاري، بجانب سفراء وممثلي الآلية الثلاثية والمجموعة الرباعية والاتحاد الأوروبي.
وقال المتحدث باسم العملية السياسية خالد عمر يوسف، في بيان، إن “الأطراف الموقعة على الاتفاق الإطاري اتفقت على الدعوة لانعقاد آلية ثلاثية، تبدأ عملها بصورة عاجلة لصياغة مسودة الاتفاق النهائي”.