تقٌويم الممارسة السياسية.. ما الذي يرمي إليه البرهان؟
تقٌويم الممارسة السياسية.. ما الذي يرمي إليه البرهان؟
الخرطوم- صلاح مختار
أثار حديث رئيس مجلس السيادة، القائد العام للجيش الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، الذي قال: إن الحكومة المدنية قادمة، والمواطنين والقوات المسلحة سيكونوا سنداً لها. وأكد خلال مخاطبته عقد قرآن ستمائة شاب وشابة، أن الشعب والجيش سيقوِّمان الحكومة المدنية القادمة إذا انحرفت عن مسارها.
أثار حديثه لغطاً واسعاً تباينت فيه ردود الفعل بين منتقد ومشكك لدور الجيش مستقبلاً بعد حديث البرهان وتخوَّفت بعض القوى السياسية من تكرار الانقلابات وتساءلت ماذا يقصد البرهان بتقٌويم الجيش للمسار السياسي؟ وهل سيقود إلى انقلاب جديد ؟
تقسيم الأدوار
يرى المحلِّل السياسي عبد الله آدم خاطر، أن حديث البرهان يفهم في إطار واحد لا غيره, أنه في إطار تقسيم الأدوار بين المجموعات المختلفة, للحفاظ على الدولة المدنية الديموقراطية الفيدرالية. وأكد لـ(الصيحة) أن الجيش مؤكد لديه دور في الحفاظ على النظام الدستوري الديموقراطي, وهذا يعني بالابتعاد نهائياً عن دوائر السلطة, ولكنه يحافظ على الحدود, والميدان الطبيعي للتنافس الديموقراطي بين المجموعات السياسية, إلى أن تقوى عودها وتستقر الأحوال الاجتماعية والاقتصادية, على نحو مقبول لكل المجموعات الشعب, مبيِّناً أن الشعب هنا هو من يقوم المدنية بوسائل مختلفة, بالانتخابات أو بالإعلام، بالتالي المجتمع المدني هو الذي يقود العملية السياسية في المرحلة المقبلة. وقال: مثلما الشعب والمجتمع المدني والشباب والمرأة أسقطوا النظام الدكتاتوري الشمولي, هي نفسها تقوى كي تمارس الحكم وتمارس النقد وتمارس الإصلاح, وتمارس الانتقالي الديموقراطي بوسائل مدنية الطبيعية، ولكن الجيش يبقى هو الحارس الأمين واليقظ على حدود وإمكانيات السودان وعلى الظروف التي تجعل السودان في مقدمة الدول, على مستوى الدول العربية والأفريقية وعلى مستوى الأسرة الدولية هذا هو المفهوم. ولكن لا يعني ذلك مطلقاً بأي حال من الأحوال, سواءً أكان قصاداً أم لم يقصد, بحديثه أن الجيش يكون جزءاً من السياسات أو الحكم المستقبلي للسودان المتنوِّع الذي لن يحكم مطلقاً برؤية أحد.
توريط السودان
واستبعد خاطر أن يكون البرهان قد قصد من حديثه القيام بانقلاب جديد، وقال: يكفي انقلاب 25 أكتوبر، الذي أخرج السودان من منظومة الاتحاد الأفريقي, ومازال السودان خارج تلك المنظومة, وخارج كل المنظومة الدولية. بالتالي لايمكن لشخص عادي وعاقل أن يفكِّر مرة أخرى في توريط السودان, في انقلاب جديد وهذا أمر مستحيل .
حُكم تسلُّطي
وقال الخبير السياسي بروفيسور الفاتح محجوب: إن الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان جدَّد التزام القوات المسلحة بتسليم السلطة التنفيذية لقوى مدنية وبشَّر المواطنين بقرب تكوين الحكومة الانتقالية الجديدة بقيادة مدنية. لكنه قال لـ(الصيحة) كالعادة أدلى بتصريح فهم على أن الجيش سيكون وصياً على الحكومة الانتقالية لضمان عدم تحوُّلها لحكم تسلطي، لكن بالمقابل لا أحد في الحكومة الانتقالية الجديدة المزمع تكوينها بقيادة مدنية يعترف بأن الحكومة ستكون متسلطة, ولهذا لن يقفوا كثيراً أمام أقوال البرهان, طالما أنه التزم بعدم التدخل إلا في حالة تكون حكومة تسلُّطية.
تطبيق القانون
تقٌويم الممارسة السياسية الديموقراطية واحدة من آلياتها الإعلام وتطبيق القانون وبمزيد من الممارسة الديموقراطية, وليس بالضرورة اللجوء إلى الانقلاب لوأد الممارسة السياسية. تلك كان مدخل لحديث المحلل السياسي د. أبوبكر آدم في تعليقه على تصريح البرهان بأن الشعب والجيش سيقومان الحكومة المدنية القادمة إذا انحرفت عن مسارها.
ولفت آدم في حديث لـ(الصيحة) إلى تأكيد الجيش بالخروج من العملية السياسية والتزام الثكنات ولن يكون جزءاً من العملية السياسية المقبلة. بجانب ذلك تأكيد البرهان نفسه أن يكون الجيش داعم للتحوُّل المدني في السودان . بالتالي لا يمكن بهذا الحديث العودة إلى المربع الأول مربع الانقلاب العسكري الذي بات مرفوضاً بالداخل والخارج, وبدأ يتبرأ منه حتى العسكريين أنفسهم.
وأضاف: لكن لا يعني ذلك بأي حال أن يكون للجيش دور في الممارسة السياسية أو الحكومة المدنية المقبلة.
لأن الفترة الانتقالية محكومة بوثيقة وقع عليها الجيش نفسه وأقر بالخروج من المشهد . غير أن آليات مراقبة وتقويم الحكم في الفترة المقبلة ليس الشعب عبر مؤسساته الدستورية, مثل البرلمان ولكن من خلال آليات الإعلام ومؤسسات المجتمع المدني. وأكد آدم في حال التزام كل الأطراف بالاتفاق الإطاري, وتم تكوين حكومة مدنية توافق عليها الأغلبية, فإن الأمور تمضي إلى انتخابات قوية وحرة مقبولة للجميع, ولفت إلى بشريات تلك الفترة ما تناقلته وسائل الإعلام بترحيب رئيس حركة جيش تحرير السودان عبد العزيز الحلو, والعودة إلى الداخل. كل ذلك يجعل من عملية العودة إلى نقطة الصفر فيه انتحار ومخاطرة كبيرة بالأوضاع الداخلية. وأكد أن أكبر آلية يمكن أن تقٌوم الحكومة المقبلة بأنها ستكون تحت مراقبة أعين الجميع, ولعل الكل متربص بها سواءً أكانت الحركات الموقعة على اتفاق جوبا لسلام السودان, أو الثورة التي مازالت نارها ملتهبة في الشوارع تعبِّر عن عدم قناعتها بما يجري, أو الشعب الذي ينتظر الجديد من الحكومة المدنية. وقال: حتى وأن انحرفت العملية السياسية فإن آلية التقٌويم ليس بالضرورة أن تكون الانقلابات العسكرية.