محمد طلب يكتب: الضحك في فصل البكاء
أواخر سبعينات القرن الماضي– المبنى تبدو عليه هيبة المباني الحكومية– الشكل والنظام- حتى الألوان– فيها شئ من الكد والجد– إلا أن رائحة الطبشور وأصوات منتظمة تردّد خلف صوت جهور ما يقول– تدلك على أنك أمام مدرسة ابتدائية– حتى قبل أن تصل اللافتة الكبيرة النظيفة- فالمباني الحكومية متشابهة في ذلك الزمان.
الرقم 6 هو القاسم المشترك في هذه المدرسة– 6 فصول من الأول إلى السادس- في كل فصل 6 نوافذ– على كل نافذة 6 خطوط نحتها نجار ماهر– داخل كل فصل 6 مقاعد طويلة على الجانب الأيمن وأخرى مثلها على الجانب الأيسر– بينهما ممر أحسب أن طوله 6 أمتار أيضاً- وعلى كل مقعد يجلس 6 تلاميذ، كما أن المواد المقررة في تلك المدرسة 6 مواد فقط–
أما ما علق في ذاكرتي من معلميها فهم ستة وسابعهم بطل هذه الحكاية غير المضحكة وهو تلميذ من مجموعة صغار يرتعدون– فقد وقعت عليهم عقوبة الجلد– وذلك اليافع هزيل الجسم- يحمله 6 غلاظ– وهو يصرخ– الصغار عندما يسمعون صوت السوط وصداه فيزدادون رعباً– وها هو أحدهم يقفز من النافذة يسابق الريح- المعلم ذو الملامح الصارمة غلق الأبواب وقال الويل لكم– وأحمد يحمله 6 غلاظ– وعندما سمعنا صدى صوت السوط السادس– اكتشف المعلم أن أحمد (مردف)– والويل لـ(المردف)- جُرد منها حتى بقي ما يغطي عورته– وأخذ ذلك وقتاً– تنفس فيه الآخرون قليلاً– رُفع أحمد مرة أخرى وبطريقة أخرى– على الشباك يشده 6 غلاظ– نصفهم خارج الفصل- والنصف الآخر داخله– وأحمد على الشباك الوحيد المفتوح– ودمعه يبلل الأرض خارج الفصل– ومخاط و(ريالة)– والمعلم يضرب ويصرخ (والله الليلة إلا تبول يا كلب)- (مردف كمان)– وأحمد يصرخ ويتلوى– والمعلم يتوعده- (والله الليلة إلا تبول مردف كمان )-وصور كثيرة يصورها عقله الصغير– ويسأل نفسه ويلح- أيهما أرحم البول أم الاستمرار في هذا العذاب!؟ – شررررررررشررررر بُلتاااااا بولتااااااااا يا أستااااذ– توقف المعلم عن الضرب تعلو وجهه ابتسامة بلهاء– وضحك كل الفصل بغباء– وخرج أحمد للغسيل كما أمره المعلم ولم نره بعد ذلك بالمدرسة إطلاقاً، وبعد فترة غادر القرية نفسها وهاجر بلا عودة..
سلام