مشكاة الأدب.. “رسام الملك” للروائي والقاص صديق الحلو.. ماذا قالوا عنها؟
مشكاة الأدب.. “رسام الملك” للروائي والقاص صديق الحلو.. ماذا قالوا عنها؟
إعداد- فرح امبدة
“وين ما شي يا زول .. ياخ خليك قاعد شوية) … من لم يسمع هذا “الطالب الصادق” من صديق الحلو، يكذب إن قال انه من أصدقاءه او معارفه او حتى جيرانه ، هو هكذا في تعامله اليومي مع الناس، وهكذا هم شخوص رواياته وقصصه مجتمعون، يجبرونك بلطف ان تتابع مايقولون، لكنهم في المقابل لا يبخلون عليك بالدهشة، ستخرج “من عندهم” منتشياً وسعيداً “كأوراق الخريف زاهية وبهية .. ” قال لمن يطلبون منه النصيحة .. اكتبوا برحيق الروح ودفق الدهشة.. للتوهج من جديد .. … الروائي والقاص صديق الحلو رجلٌ من “عجينة” أخري … نادرة .. هو كجزع الحراز يتقرف لحاه ويبقي صامداً … اقسم بالله لم ألحظ فيه وعليه تغيراً منذ أن عرفته منتصف التسعينات .. هو هو في كل شيئا … يكتب ويرمي بما يكتبه .. وما هو بين ايدينا، مما كتب، لا يمثل 10% … رمى بالـباقي ولا يتذكر ما كتب فيها …
في “رسام الملكة” وفي غيرها من الروايات تشعر بانه يخاطبك أنت وحدك لا غيرك، وكانه يناديك بإسمك ليقول هذه لك، قبل أيام، إحتفي برسام الملك أدباء ونقاد سودانيون وعرب عبر منصة مهرجان القاهرة للكتاب … وضعت على “الطبق” كما يقول هوّ … فماذا قالوا عنه وعنها؟.
صلاح محمد الحسن القويضي ( شاعر وناقد سوداني)
السرد الآسر
يأسرني السرد عندما يستخدم “الراوي” ضمير المخاطب ليسرد الأحداث، فيجمع بذلك بين “العلم الكلي الشامل” للراوي العليم وبين استحضار القارئ وجعله يحس بأنه “جزءٌ” من الحدث، وليس مجرد قارئ أو مشاهد. وهذا النمط من السرد يتفوق حتى على “نمط” اللقطة السينمائية التي تجعل القارئ “مشاهدًا” لما يُروى. استخدم صديق الحلو هذا النمط من السرد بكثافة في “سرديته القصيرة” (رسام الملكة) التي بين أيدينا.
قراءتي لرواية رسام الملكة جعلتني أعيد النظر في كثير من مفاهيم ومصطلحات النقد والمعايير التي تستخدمها لجان تحكيم بعض المسابقات، التي “تتعسف” فتلقي بظلال قاتمة على العمل الابداعي وتفرض عى الروائي اشتراطات تتعلق بعدد كلمات الرواية.
مما شدني لسردية صديق الحلو أنه يذهب في تخييله “للواقع” درجة تجعل هذا الواقع “أغرب” من الخيال. أعرف أن صديق الحلو ينطلق في كل أعماله السردية من “وقائع” حقيقية. لكنه (يفنطزها) بطريقة تجعل القارئ ينحاز إليها بلا تردد.
ورغم أن صديق يلجأ “للترميز” في سرديته، إلا إنه “يتعمد” أن يملك القارئ “شفرة تلك “الرموز” التي يلجأ إليها.
رسام الملكة، خطوة للأمام في مسيرة الصديق “الدغيمي” صديق الحلو، نأمل أن تتبعها خطوات وخطوات. وأردد مع المادح ود سعد، قدس الله سره ونور قبره:
د/ محمد البيّدرعثمان (طبيب، ناقد، شاعر- رئيس مجلس إدارة مجلة الحوش الثقافية الإسفيرية)
دستوبيا سحرية
تحت عنوان (رسَّام الملكة، دستوبيا سحرية لم تُزرِ بها المُباشرية) قال البيدر
أتت هذه النوفيلا أو الرواية القصيرة كمحاولة لتسليط الضوء على الممارسات الفاسدة لنظام الإنقاذ البائد وما صاحب تلك الفترة من تداعيات ألقت بظلالها على المشهد السياسي وانعكست على مرايا الاقتصاد والاجتماع والثقافة والأخلاق. تميز الكاتب والأديب صديق الحلو بكتاباته الحقبية ضمن مايعرف بتاريخ السودان الحديث والتي لا تخلو من سخرية محببة.
أفلح الكاتب في اختياره هذا العنوان -رسام الملكة- في جعل روايته أشبه ماتكون بفتاة مغطاة بما لا يشف ولا يصف من دثار. وعلى غرار البدايات الساحرة لماركيز يستهل الكاتب روايته قائلاً: أن تنزلق في مستنقعات زينب بلال اللا واقعية ذلك شيئٌ لا يدانيه سوى الغبار العالق في كل شيئ..ترجع بك الذاكرة إلى الوراء تعرف كثافة الأيام وبصيرة نافذة أقرب إلى الأسطورة.تركب الموجات ولا تتركها. قالوا عن أبيك إنه ولي صالح، وزارة روحاني .. وكأنه يمتلك عصا سحرية يغير بها الأشياء ينعكس ذلك في صفاء عينيه رغم زيجاته العديدة وكثرة عائلته إلا أن ذلك لم يمنعه من عمل الخوارق الغريبة والتنبؤ بأحدث جسام أثبت صدقها مرور الأيام.انتهى الاقتباس.
تلفت نظرنا ونحن نمخر عباب هذه الرواية القصيرة تلك الرشاقة في انتقاء الكلمات وسلاسة وانسيابية المفردات، حفلت الرواية بلغة شاعرية وعبارات عميقة ومكثفة، ووصف أخاذ لم نعهده في الروايات التي تعالج قضايا الفساد في مايعرف بالدستوبيا واستطالت الرواية في أبعاد زمانية سحيقة محاولة استقصاء مشاكل السودان سيما السياسية والاقتصادية والأخلاقية ومحاولة إيجاد تبريرات منطقية للإنقطاع الحضاري الذي جعل من أصحاب أقدم الحضارات البشرية يعجزون عن لملمة أطراف بلادهم والعيش فيها بسلام.
في هذه الرواية أكّد الحلو على مكانة المرأة في المجتمع السوداني وتأثيراتها السلبية والإجابة منعتقاً في ذلك من خيلاء البطولة الانثوية المطلقة ومن ربقة رضوخها المشين، وتميز بالسلاسة والإنسيابية في الإمساك بخيط السرد حتى الختام.
الناقد : محمد حسن رابح المجمر – السودان
…. القرون السحيقة
( أن تنزلق في مستنقعات زينب بلال اللا واقعية ، ذلك شيء لا يدانيه سوى الغبار العالق في كل شيء ، ترجع بك الذاكرة إلى الوراء تعرف كثافة الأيام ، وبصيرة نافذة أقرب إلى الأسطورة تركب الموجات ولا تتركها ، رواية رسام الملكة ص 6) .
إن التصور الأولي الذي نضعه في أذهاننا لما ستكون عليه أحداث وطبيعة الرواية المُعينة لا يكون مُتطابقاً مع حقيقة النص على الورق أو في الواقع ونحن نقرأ الرواية ، أوردت هذه الفرضية هنا في مقدمة مقالتي النقدية حول رواية ( رسام الملكة ) للقاص والروائي صديق الحلو ، لأقول : أن رسام الملكة الذي يتبادر للذهن فور سماعنا لهذا العنوان ليس هو ذلك الشخص الذي كانت وظيفته في القرون السحيقة من التأريخ أن يرسم ” كما الكاميرا الأن ” ما تطلبه منه الملكة ، إنها إستعارة مكنية تم توظيفها للتعبير عن ” معرفة تأريخية بالسلطة تعود إلى عصر الكنداكات ” في الممالك السودانية القديمة وهذا ما سنعرض له لاحقاً .
الزرع .
رواية ( رسام الملك ) بهذا العنوان المأخوذ من قصة ( الكنداكة والإسكندر الأكبر الذي إحتل مصر وسعى لضم أراضي التعدين في شمال السودان ) تمارس نقداً فلسفيا ” تهكمياً ” من خلال الظهور المتناوب ما بين المرأة السلطة وسلطة المرأة في وعي إجتماعي متكلس عند حدود الإشباع الجنسي والمادي كغاية عليا في مقابل جرأة الأخر وتقدمه حضارياً ، لتكون مقاربة الفساد المحمي بالقوانين والتواطؤ ما بين بطانة الحاكم والمستفيدين من أفراد المجتمع هو المنصة التي ينطلق منها الخطاب السلطوي الذي يمجد الفرد ويكرس لسلطته المطلقة والتي تستمر إستناداً على قمع وضرب مواطنيه بالحديد والنار .
مسعدة اليامي / روائية من السعودية
النتف المتساقط
الواقع أن السرد في الرواية أشبه باللوحة الفنية التي تُغْريك في اقتنائها لما تَمْتلك من فِتْنة الألوان .. التي تُثير بِدَاخِلك الأسئلة.
ألوان الرواية المتعددة تَسحركَ لدرجة أنكَ لا تَمْتلك القُدرة عَن التًوقف عن قراءة ذلك النتف المتساقط على أرض ساخنة بالتاريخ,و الواقع الفاتن رغم مرارة الحياة.** الألوان التي أقصد هي المواضيع المتشعبة .. التي تطرق لها الروائي أثناء الرواية.
المشكاة التي تُنير لك الطريق ,و التقدم في قراءة الرواية هي الأحداث المتواصلة التي لا تعرف الانقطاع ,رغم كثرة الانعطافات التي تجدها في كل بضعه من السطور.. تلك المنعطفات التي تزيدك فتنة بجمال الرواية التي رسمت بحرفية عالية.
تمكن الكاتب في التنقل من حدث إلى حدث بموضوعية و في وقت وجيز دون أن يخل ذلك بالعمل ,فإنما يحتاج منكَ التركيز,و التأمل حتى لا تتسرب منكَ تفاصيل الأحداث الكثيرة الموجزة و تلك هي البراعة في العمل .
فالكلمة أو العبارة التي وضعها على لسان الشخصية حدث قد يقرأ لوحدة في سطور و الجميل في العمل أن الروائي ربط مكانة المرأة و قوتها ما بين التاريخ المتمثل في قصة الكنداكة و ما أَقْدْمت عَلِيهِ من استدراج القائد الاسكندر .. الذي طمع في ثروات بلادها بالحيلة.
قَدرتُ بَعد ذَلك أن الروائي يَبحث أو يناشد عن دور المرأة الرمز من خلال المرأة السودانية في الواقع الحالي ,فكانت شخصية زينب بلال ما بين مد وجز في الحيلة التي تريد بها أن يكون لها حياة مستقرة ,بعدما أصبحت أرملة و هي أم لـ (13) من الأولاد و البنات.
رواية رسام المملكة للروائي القدير صديق الحلو الواقعة في (85) صفحة من النوع القصير العميق ,المكثف بالأحداث ,و لن أنسى أن أقول أن شجرة النيم خلدت في الرواية السودانية الحديثة, فكأنها أسم الأب المتاخم لاسم الابن .. الذي لا يستطيع أن يمر من أي مكان بدونه و تلك أصالة نابعة من القلب,كونها توجد نفسها في أي مكان في الرواية السودانية .
الصادق محمد عبدالرحيم/ قاص من السودان.
رواية تشبه الحلم
“رسام الملكة” رواية قصيرة أو قصة طويلة (novella) في خمس وثمانين صفحة. وهذا النوع تخصص فيه القاص والروائي السوداني صديق الحلو.
من بين العتبات النصية في الرواية، أورد الكاتب أقوالاً مقتبسة أو شواهد(epigraph) منها قول الكاتب إمبرتو إيكو ” هناك أحلام تشبه الكتابة، وكتابة تشبه الأحلام”
وعلاقة الشاهد بالنص هي تقديم مايساعد على تفسيره عن طريق لفت نظر القاريء إلى الناحية التي يريد الكاتب إبرازها.
ويقول ستندال إن على الشاهد أن يحرك مشاعر القاريء وإنفعالاته، لا أن يقدِّم حكماً شبه فلسفي على الوضع. أما ميشال ريفاتير فيقول” على الشاهد أن يدلنا على ماهو جوهري في العمل الفنّي من خلال حيلتين: أن يكلّمنا من خلال كاتب آخر وأن يترك هذا الكلام خارج النص كتفصيل تافه غير مرتبط ظاهرياً بالموضوع”.
الرواية في ظاهرها تتناول قصة حياة عائلة امرأة تسمّى زينب بلال.وهي أنجبت سبع بنات وستة أولاد ثم ترمَّلت. أسرة تتصف بالحقد والإنحرافات الخلقية والسلوكية.” وزينب بلال تعيش أيام عظمتها الزائفة، أسلافها المهربون عديمو الأصل، وأبناء بناتها الستة والعشرون الذين يتناسلون إلى مالانهاية يحملون الشر وأهوال من الأرق ومآزق من الربو والضغط وألم المصران” ص 80.
هذه الأسرة تسكن بلدة اسمها اللقدين. هذه البلدة تواجه أوضاعاً سياسية وإجتماعية وإقتصادية شبيهة بما حدث فترة حكم المؤتمر الوطني للسودان. “البلاد كلها صارت تردد الأناشيد التي تقاوم الغزاة.. حتى طيور الكناري عبرت النهر.. سمعها المزارعون تردد: الأمريكان ليكم تسلحنا وروسيا قد دنا عذابها” ص7. ” لقد عثروا على الكاتب العمومي مقتولاً ورأسه مفصولاً عن جسده” ص64. ” أفاق عبدالباقي جبل الحديد على صوت ضجة قوات مجهولة تقتحم أطراف اللقدين” ص70. ” واستمرت جثث الشهداء تأتي من الجنوب والشرق والغرب معاً والبيوت كلها في اللقدين قدَّمت ضريبة الوطن. زوجات ثكلى وأطفال يتامى” ص76.
فالرواية تحمل إشارات لأوضاع سياسية معيَّنة.. وبذلك تصبح الرواية مثل الحلم أو التهويمات؛ تختلط فيها أحداث لارابط بينها..أحداث أسرة وأحداث وطن. وحَتَّى طريقة السرد مستمرة، بدون تقسيم الرواية لفصول تسمح للقاريء بالتوقف لإلتقاط أنفاسه. فهي تجري دفعة واحدة مجرى الحلم.
العنوان أو المدخل مكون من جملة اسمية في كلمتين( رسام) و ( الملكة) وهو يحمل صيغة تاريخية فليس هناك ملوكاً أو أمراء في عصرنا الحاضر، وإن وجدوا، فإنهم يملكون ولايحكمون، أو يكون ملكهم وحكمهم صورياً. وعندما يتوغَّل القاريء في القراءة، لايجد بين شخصيتها الرئيسة أو الشخصيات الثانوية ملكاً ولاملكة، فيظن في البداية إن عنوان الرواية مفارق للمتن لاصلة بينهما، لكن يجد قصة داخل القصة روتها إحدي الشخصيات عن الملكة الكوشية الكنداكة، وتتلخص في إن الملكة لجأت للحيلة لإفشال مخطط الإسكندر ذوالقرنين لإحتلال بلادها.
وهذا يدعو القاريء للتفكير مرَّة أخرى عما إذا كان الكاتب يقصد وجود علاقة بين قصة عائلة زينب بلال والإشارة للأوضاع السياسية المعاصرة وقصة الملكة الكنداكة؛ لاسيما أن أحدي بنات زينب بلال اسمها ملكة وكانت تفكر في تزويج أمها بالحيلة للتخلص من شرورها.
وهذا كله يجعل النص ثرياً يحمل معاني ودلالات متعدِّدة، ويسمح لكل قاريء أن يفسِّره ويؤوله حسب درجة فهمه له.
فالرواية إذاً من المدرسة الرمزية. وهي مليئة بالإشارات والإيماءات الموحية التي تحتاج لقراءة مُركَّزة وشحذ للذهن لفك شفراتها.
هذا النوع من الأدب الرمزي يظهر عندما تصل لحكم بلد ما طبقة مُستبِدَّة فاسدة. وحتّى لاينتبه الشعب لفسادها ويثور عليها،تراقب كل ما ينشر وتصادر مايفضح أعمالها و تسمح بتداول مالايؤثر عليها.. وفي هذه الأحوال قد يدفع الكاتب حريته أو حياته ثمناً لكلمة حق، فيلجأ للترميز والتورية.
وقد ألَّف صديق الحلو هذه الرواية عام 2006م في فترة حكم حزب المؤتمر الوطني.
أسلوب الرواية يخلو من الجُمل الحوارية. ويسيطر عليها مايسمى بالسرد وحيد الصوت (monologic narrative). وهو- كما جاء في المعجم، سرد يتميَّز بوحدة المتكلِّم أو بصوت طاغ على سائر الأصوات. وفيه تكون أقوال الكاتب وآراؤه وأحكامه ومعلوماته المرجع الأخير للعالم المُصَوَّر.
وجاء أيضاً: تنطبق وحدة الصوت على الشعر. فالشعر لايتوكَّأ على أقوال الغير ولا يستعير ألفاظاً وأشكالاً نحوية أجنبية، بل يكتفي بذاته. ويتحقّق الوعي الأدبي فيه( مقاصِد الكاتب الدّلالية والتعبيرية) داخل اللُّغة، لأن لغته خاصة يتجسّد الشاعر فيها بكُلِّيَتِه ويختار كل كلمة فيها وكل عبارة.
وجاء أيضاً: ففي الرواية السياسية تتمثَّل وجهة النظر الواحدة في الحبكة( توجيه مجرى الأحداث بمنطق الحتمية الذي يفترض أن يؤدي هذا السبب إلى هذه النتيجة دون سواها) أو الخاتمة( سعيدة، مأساوية، أخلاقية…) أو الشخصيات( شخصيات متعدِّدة ولكنها تتكلّم كلّها بمنطق واحد وروح واحدة هي روح الكاتب) أو خطاب الراوي( سيطرة خطاب الراوي على النّص)