كلامتير
محمد علي التوم من الله
في الخرطوم ما بتتذكّر الآخرة!!
صديقي العزيز المرح (الادروب) محمد سيدنا محمد أحمد، تجري الطرفة والنكتة والحكمة على لسانه، إضافةً لذلك هي من صناعته الخاصة وملاحظاته البديهية، وهو إذا جاء الخرطوم من كسلا ونادراً ما يكون ذلك، لاحظ الفوارق بين المدينتين وعادات أهل البلدين وما طرأ من مستجدات على الساحة، فنظر إليها بعين ساخرة، والأدروبات بطبعهم حلوين في النكتة والطرفة والتعليق، فهم أيضاً يَزِنُون الأمور بميزان العزة ويرضون بواقعهم ويعتبرون أنفسهم هم القمة في السعادة لزهد معظمهم وحبهم لواقعهم بالرغم من كل الظروف.
هذه المقدمة لعلها أرضية لمحادثة تلفونية معي والتي برر فيها صديقي عدم زيارته الأولى لي بالإسكان في أم درمان، ولكنه وعدني بالتعويض.
قال محمد سيدنا: يا اخي انا طولت من زيارة الخرطوم، لكن لاحظت الناس عندكم هنا أي في العاصمة الخرطوم ما بيتذكروا الآخرة ابداً. تعجّبت لملاحظته وسألته:
ليه الحاصل شنو يا سيدنا؟
أجاب يا اخي بلدكم اتغيّرت كثير. البلد اتملت عربات موديلات حديثة 2022-2023 يمكن سعر العربية الواحدة مليارات، والموديلات الجديدة سعرها أكثر بكثير، حاجة عجيبة والله المليارات يا صديقي – والحديث لمحمد سيدنا، بقت زي أسعار كثير من المنازل عندكم في الخرطوم.. وتقولوا دي بلد فقيرة ويقول محمد وهو يضحك.. انا شاهدت أرضاً في شارع عبيد ختم معروضة بقريب الأربعين ملياراً.. وعرفت أن صاحب القطعة مش عاوز يبيع.
قلت لصديقي الظريف وإنت شفت حاجة، في المطاعم الفخمة والمودرن وحيشان السمك، وشفت حاجة يا عزيزي في أسعار الفنادق.. خليك من العربات الآخر موديل.. وكان داير تشوف تعال أحضر أعياد رأس السنة حتشوف العجب والصيام في رجب، وتعال شوف العيادات الخاصة وأسعار العمليات بالمستشفيات الفندقية، وبعد ده الناس بمشوا بعدها يكملوا العلاج في مصر، ويا محمد سيدنا لو شفت البذخ والفشخرة في الأعراس وتشتيت الدولارات، اكيد طبعاً لاقتك في الفيس والواتس.
ضحك صاحبي محمد حتى أصبح للموبايل رنيناً.
وقال لي: يا صديقي أنا لما رجعت كسلا حكيت لواحد من أصدقائي بيعمل غفير في أحد المصانع.
قلت له: إذاً كيف كان رد الغفير؟
ضحك محمد وقال:
يا اخي الراجل قنعني من الدنيا كلها، وقال لي إنت الوداك تعاين وتعرف الحاجات دي شنو؟.. وأضاف قائلاً والكلام للغفير، رداً على محمد سيدنا: يا محمد أخوي نحن الاتنين على شفا حفرة من القبر، إنت عمرك فات 60، أنا عمري فات السبعين دايرين شنو تاني في الدنيا، بعدين يا محمد العربات الفخمة دي والبيوت والأسعار الخرافية والعمارات الضخمة والوظائف والرتب العالية، ديل الدنيا غاشاهم، وإنت وهم كلنا آخر حاجة حنرقد في مساحة ضيقة آخرها كوم تراب.
قال محمد سيدنا أخيراً قبل ما يقطع الرصيد المصيبة يا صديقي العزيز انه العمارات والعربات والوجهات دي كلها لو بقت بالحلال كويس، تكون المصيبة في الغفلة للكتير من الناس، الخرطوم في غفلة.
نسأل الله تعالى لنا ولهم حُسن الخاتمة.