(البشير) ..تفاصيل محاكمة (مثيرة)
أكثر من 90 مليون دولار تم صرفها دون مستندات
الخرطوم: أم سلمة العشا
تصوير: محمد نور محكر
مع زخات وثرثرة المطر، في صبيحة يوم أمس الإثنين توافدت جموع غفيرة ضمت إعلاميين، ومحامين، ومواطنين، واتجهت صوب مقر معهد العلوم القضائية (معهد التدريب القضائي) بالخرطوم، لحضور جلسة محاكمة الرئيس السابق عمر البشير، في الدعوى الجنائية ضده وفقاً لتهم تحت طائلة المواد (5،9) من قانون التعامل بالنقد، لسنة 1981، والمادة (6) من قانون الثراء الحرام والمشبوه لسنة 1989، والمواد (2،7) من قانون الطوارئ رقم (3،6) لسنة 2019.
وصل البشير إلى مقر المحكمة محاطاً بحراسة أمنية مشددة، بمعية (6) من أفراد القوات المختلفة، شملت “الجيش والشرطة، والأمن والسجون، وسلاح المظلات” وأودع داخل قفص الاتهام، الذي أحضر إلى القاعة المخصصة للتدريب فقط… قاعة التدريب مهيأة ومعدة بأحدث الأجهزة، من مقاعد، وتهوية وغيرها، اعتلى المنصة الأمامية رئيس المحكمة قاضي محكمة الاستئناف د. الصادق عبد الرحمن الفكي، الذي عقد الجلسة وسط إجراءات وحراسة أمنية مشددة، بحضور هيئتي الاتهام والدفاع عن البشير، فضلاً عن حضور المتحري الذي كشف عن تفاصيل مجريات استجواب البشير وصولاً لمرحلة توجيه التهمة وإحالة الملف إلى المحكمة… تفاصيل جديدة ودقيقة تنشر لأول مره خلال جلسة محاكمة الرئيس السابق بالفساد، تتعلق بالأموال التي تم ضبطها ببيت الضيافة مقر إقامته، بالقيادة العامة للجيش، أدلى بها المتحري في البلاغ والذي يتبع إلى الإدارة العامة للمباحث المركزية – دائرة التحقيقات الجنائية بالخرطوم، كما أنه يعمل في مجال التحقيق لأكثر من (25) عاماً.
حقيقة موثقة
تفاصيل سردها المتحري، أظهرت بجلاء حقيقة الأموال التي ضبطت بحوزة البشير عقب الإطاحة به في 11 أبريل الماضي، وذلك بحصوله عليها من قبل دولتي الإمارات والمملكة العربية السعودية، ووفقاً لحيثيات البلاغ بالرقم (30) المودع لدى إدارة مباحث مكافحة التحقيقات المالية، وبموجب خطاب للنيابة وأمر تفتيش قاموا بتفتيش مقر إقامة الرئيس المعزول المتهم عمر البشير بالقيادة العامة للجيش وتم العثور على مبلغ (351.770) مليون دولار، و(6.997.155) مليون يورو، بجانب مبلغ 5 ملايين جنيه سوداني، وقال المتحري إنه بموجب التفويض من الإدارة العامة للأمن العسكري تحت إشراف العقيد ركن موسى عبد الرحمن قاموا بإجراءات التفتيش لمقر البشير.
معروضات أخرى
معروضات أخرى كشف عنها المتحري خلال الجلسة تتعلق بضبط دفاتر شيكات باسم المتهم (عمر البشير) من بنك النيلين للتنمية الصناعية فرع الأمم المتحدة بالحساب رقم (11262)، فضلاً عن دفتر شيكات في حساب آخر من بنك الإمارات فرع السودان باسم المتهم البشير، وأكد أنه بموجب إيصال مالي تم إيداع المبلغ في خزانة بنك السودان بعد التفتيش الذي تم من قبل عسكريين، وسلمت تلك الأموال كمستندات اتهام للمحكمة.
إقرار وتأكيد
بدأ البشير واثقاً من نفسه، وهو داخل قفص الاتهام، متماسكاً بزيه البلدي، جلباب أبيض وعمامة ناصعة البياض، وشال، صوته جهور كما اعتدنا سماعه من قبل، يبدو مسترخي الأعصاب، ظهر ذلك حينما سأله قاضي المحكمة عن اسمه وعمره ومهنته وسكنه، وأجاب بأنه ضابط برتبة مشير في القوات المسلحة، وعمره تجاوز الـ(75) عاماً، كما أنه في السابق كان يقطن ببيت الضيافة بالقيادة العامة للجيش وحالياً يقبع “بسجن كوبر”.. عقب فراغ المتحري من الإدلاء بأقواله أمام المحكمة، أكد البشير على كل ما تقدم به المتحري وما ذكره حيث أقر بأنها أقواله مؤكداً عليها.
السعودية والإمارات على الخط
لم يكن يتوقع الموجودون في قاعة المحكمة أن تفاصيل مثيرة سيتم سردها تتعلق بمصدر الأموال المضبوطة مع البشير، حيث كشف البشير بحسب المتحري في البلاغ أن المبالغ الموجودة والتي ضبطت بحوزته نحو 25 مليون دولار قال إنه تسلمها من الأمير محمد بن سلمان ولي عهد السعودية، وتم منحها له من أجل صرف الأموال خارج ميزانية الدولة، وتم إرسال المبلغ له على هذا الأساس، بجانب مبلغ 65 مليون دولار من العاهل السعودي الراحل، الملك عبد الله، في عهد الفريق طه عثمان، فضلاً عن شيك بمبلغ مليون دولار من رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ خليفة بن زايد، قال إنه لم يعرف أين ذهب.
دعم شخصي
إقرار واضح من البشير حسب ما أفاد به المتحري، وذلك بتقديمه دعماً وتبرعاً لعدد من المؤسسات في الدولة، والشخصيات الاعتبارية ومنسوبي القاعدة الجوية فيما يتعلق بعلاج بعض الضباط. حيث أكد أنه قام بتحويل جزء من تلك المبالغ للعملة المحلية “جنيه” بواسطة مدير مجموعة سين للغلال طارق سر الختم.. وقال إنه كان يستخدم المبالغ في المساعدة في الخدمات الطبية وإعانة المستشفيات كمستشفى الذرة وزراعة قوقعة الأذن كما أنه كان يعطي منها بعض الولايات نهر النيل والشمالية وقناة طيبة الفضائية ” بجانب الصرف من تلك الأموال على جامعة إفريقيا العالمية، بجانب دعم سنوي ودعم شخصي يقدمه لمنسوبي قوات القاعدة الجوية.
تسلم منحة
جملة من المبالغ أقر بها الرئيس البشير أمام محضر التحري كاشفاً عن كيفية مصدرها وتلقيها من جهات خارجية ليست لها علاقة بحكومة السودان، جملتها تصل لنحو أكثر من 90 مليون دولار، وطبقاً للمتحري فإن الأموال تم صرفها دون مستندات، كما أشار البشير إلى وجود مجموعة مبالغ تم تسليمها إلى نائب قائد قوات الدعم السريع .
وبحسب إفادات المتحري، كشف البشير عن تلقيه منحة من “خليفة بن زايد بمبلغ مليون دولار في ظرف ولَم يصرفه لأنه لم يحب تلك الطريقة ولم يتذكر لمن سلمها”، مضيفاً أن “المبلغ هدايا صرفت في أعمال خيرية لا يعرف أوجه صرفها ولا يوجد سجل لتدوين الصرف” لأن الشيخ خليفة منحها له بطريقة مستفزة، وقال إنه لا يتذكر التاريخ الذي أرسلت فيه تلك المبالغ، وإنه قام بعمل إقرار ذمة بذلك.
أملاك البشير
تقدم الرئيس حسب إفادات المتحري بإقرار ذمة عن ممتلكاته وعقاراته حيث قال إنه منح زوجته وداد بابكر أموالاً من تلك لشراء قطعتي أرض في كافوري. وذكر حسب المتحري أنه يمتلك شقة شخصية في حي النصر ومزرعة في منطقة “السليت”، وأوضح أن “ممتلكاته عبارة عن منزل بحي كافوري ومزرعة. وشقة أما زوجته فلها قطعتا أرض بكافوري ابتاعت سيارتها وأخذتهما بالمبلغ”.
أقوال المحكمة
وقال المتحري من المباحث المركزية، إنه أخذ أقوال الشخص الذي بلغ عن البشير بجانب الشهود والشاكي والمتهم، وأضاف” بناء على أقوال المتهم البشير وجهت له النيابة تهمة التعامل بالنقد الأجنبي حيازة النقد الأجنبي، والثراء الحرام والمال المشبوه بموجب قانون الطوارئ.
وكشف المتحري أنه تم فصل الاتهام في مواجهة طارق سر الختم، مدير شركة سين للغلال وحاتم حسن بخيت مدير مكتب الرئيس المعزول البشير لعدم تواجدهما داخل السودان.
من جانبها استجوبت المحكمة هيئتي الاتهام والدفاع عن البشير في القضية كل على حدة –المتحري- عن المبالغ التي عثر عليها، وأفاد المتحري في أقواله بأنه لم يتحرّ مع بعض الأشخاص في القضية، وأنه لم يحضر لحظة استجواب البشير.
وقرر قاضي المحكمة استئناف جلسات المحاكمة السبت المقبل 24 أغسطس الجاري في الساعة العاشرة صباحاً بذات المكان.