سينما كوستي.. تاريخ لا يسقط بالتقادم!!
كوستي: سراج الدين مصطفى
(1)
قبل أعوام قليلة، كان الذهاب للسينما يشكل خياراً جاذباً لقضاء الأمسيات، لأن دور العرض وفي مختلف مدن السودان كانت تعرض أفلاماً ذات قيمة فنية وأدبية كبيرة جداً.. ولكن يلاحظ في الآونة الأخيرة أن دور العرض السينمائية انحسر مدها وحضورها القديم وفقدت الكثير من بريقها الجاذب، وذلك بفعل التطور التكنولوجي وظهور أشكال كثيرة من الأجهزة الحديثة مثل أجهزة الفيديو، ثم تبعها التطور المثير في توافر كل أجهزة العرض السينمائية في المنازل، حيث ظهرت أجهزة مثل الـcd player وdvd وغيرها ساهمت في أن تؤول شمس السينما وحضارتها الى غياب، لأن كل ذلك أصبح متوفراً في المنازل وفي متناول اليد.
(2)
سينما كوستي العريقة والعتيقة التي تتوسط المدينة وفي قلب سوقها الكبير، كانت حينما ظهرت في العام 1953شكّلت حدثاً مهماً وكبيراً في هذه المدينة التي كانت في طور البدايات والتشكل كمدينة جديدة بدأت تظهر عليها ملامح المدينة من مبانٍ شاهقة وبيوت بُنيت بالطوب الأحمر بعد أن كان شائعاً فيها بيوت الطين.. وكذلك ظهور ملامح المدنية ودخول ركب التطور والمواكبة، ولعل سينما كوستي كانت أول ملمح يؤكد على أنها ليست منطقة تجارية فحسب، بل هي مدينة شابة تمشي باتجاه الحسن والجمال.. ظهور السينما في كوستي أصبح ملمحاً اجتماعياً، حيث أصبحت تجمع كل سكان المدينة في ذلك الزمان وأصبحت بمثابة دفتر حضور يومي حتى إن من يغيب عنها ليوم واحد يجد أن كل المدينة تقريباً تسأل عنه.
(3)
في سينما كوستي، تم عرض كل الأفلام العالمية المشهورة في ذلك الزمان مثل ذهب مع الريح وأفلام شارلي شابلن الضاحكة وكل ما أنتجته السينما المصرية، حيث كانت تُحظى أفلام فاتن حمامة بقبول كبير بحسب قول العم الطيب الرحيمة الذي قال لي: شاهدنا كل افلام عمر الشريف وعبد الحليم حافظ وفريد الأطرش وكمال الشناوي وكل نجوم السينما المصرية في عصرها الذهبي، ورغم حبنا للأفلام المصرية وقصصها التي تقارب الواقعية ولكن كان للفيلم الهندي محبة خاصة لأنه يتميّز بقصص الغرام التي دائماً ما كنا نحاول تطبيقها على واقعنا السوداني رغم اختلاف البيئة والثقافة، ويضيف العم الطيب ويقول عن كوستي زمان كانت هنالك مقولة مشهورة في كوستي (الرابطة لاعبة والفيلم هندي والحفلة بصلاح كوستي)، وهذا يعني أن اليوم الذي تحدث فيه تلك الأشياء هو الأجمل والأبرز بين الأيام.
(4)
شباب حلتنا من أبناء قبيلة (الفلاتة) لهم علاقة خاصة بسينما كوستي، فهم تقريباً يعملون كل اليوم ورغم حالات الرهق والتعب ولكنهم لا يتركون الذهاب للسينما مهما كانت الأسباب، وصديقي (سمي جدو) لعله الأكثر ولهاً بالسينما ويخاصمها تماماً حينما لا تعرض الفيلم الهندي، وحينما سألته عن سبب حبه للفيلم الهندي قال (شوف يا عمك الهنود ديل سمحين ومقطعين السماح عديل كده، ونحن بنخش السينما عشان نكشِّف للبطلة وحبيبتو ولمن يكسر ليك الخيانة ويعرسا بعد داك)، وبتلك الكلمات البسيطة حكى (سمي جدو) علاقته بالسينما والفيلم الهندي.. ولكن عيسى آدم الذي يجاورنا السكن في حي أزهري قال لي (أنحنا لمن يكون مافي فيلم هندي بندبرس وقروشنا دي بنمشي ناكل بيها باسطة في بابا سامي “حلواني شهير في كوستي” عشان كده من بعيد بنسأل الفِرَد الفيلم هندي ولا ناكل باسطة).
(5)
ليس (سمي جدو وعيسى آدم) وحدهما، ولكن كل هذا السودان تقريباً يعشق الفيلم الهندي رغم الخيال وعدم الواقعية والتكرار والتشابه في كل الروايات والقصص التي يتم إنتاجها، ورغم أن أبطال السينما الهندية المعروفين أمثال أميتاب باتشان وشامي كابور وجنكيز خان بلغوا من الكبر عتياً ولكنهم مازالوا يشكلون حضوراً في مخيلتنا جميعاً.. وسينما كوستي عبر تاريخها الطويل ارتبطت بالعم أبو التوم البشير الذي يشكل رمزاً من رموز المدينة عبر تاريخها الطويل وهذه سانحة نسأل الله تعالى أن يغفر له ويرحمه وهو الذي ارتحل عن الدنيا قبل أيام قلائل.